رغم أن تسوية منطقة جغرافية مُحدَّدة وتحويلها الى جرف حاد وشاهق لمنع عمليات التسلل، هي في المنطق العسكري إجراءات تكتيكية بامتياز وجزء من خطة مضادة لمواجهة تهديدات محتملة استشرفها قادة عسكريون، إلا أن الحالة الاسرائيلية وفي مقابل الحدود اللبنانية تختصر قصة فشل إسرائيلي بدأت فصوله تتوالى مع تعاظم قوة المقاومة في لبنان وصولا الى الاندحار الإسرائيلي من معظم أرضه في العام 2000. وبالتالي فهو يضيف، الى إجراءات مماثلة، أبعاداً لتحولات التي شهدتها معادلات القوى بين المقاومة والصهاينة.
تقارير إعلامية إسرائيلية كشفت أن جيش العدو وضع خطة دفاعية جديدة تهدف الى منع رجال حزب الله من التسلُّل الى الجليل الغربي والسيطرة على مستوطنات فيه. وتقوم هذه الخطة على تحويل واد يفصل بين فلسطين المحتلة ولبنان الى جرف حادّ وشاهق. وتراهن المؤسسة العسكرية بأن يتحول هذا الجرف الى حاجز طبيعي يصعب تجاوزه، ما يحول دون تسلّل سريع لقوات النخبة في حزب الله الى داخل المستوطنات الحدودية.
وتشمل الخطة خطًّا حدوديا يمتد عدة كيلومترات، من مستوطنة حانيتا الى مستوطنة شلومي في الجليل الغربي، حيث تصعّب التضاريس الجغرافية إمكانية حماية المنطقة في وجه حزب الله بسبب طبيعة الأراضي والأشجار الكثيفة المتداخلة فيها. ويلاحظ من هذا الإجراء أنه ليس عملاً يتيماً وموضعياً يتصل ببقعة جغرافية محدودة، بل هو جزء من سلسلة إجراءات أوسع تطال حدود الكيان الاسرائيلي مع محيطه الفلسطيني والعربي.
في مقابل غزة، يتخذ جيش العدو مجموعة إجراءات عملانية ودفاعية، لمنع عمليات التسلل التي قد يقوم بها المقاومون. فيحيط القطاع بسياج معدني... مدعَّمٍ بنقاط عسكرية للمراقبة.. وفي الفترة الاخيرة تم توسيع نطاق هذه الاجراءات إلى أسفل... أو بعبارة أدق تم توسيع غور تحت سطح الارض، يمنع عمليات التسلل عبر الانفاق.
ليس هذا فقط، بل وسعت اسرائيل نطاق هذا السياج ليشمل الحدود المصرية، والامر نفسه ينطبق على الحدود الاردنية... ولعل أهم الاجراءات التي اتخذتها اسرائيل، هو بناء جدار فصل داخل الضفة الغربية قرب الخط الاخضر من اجل منع تسلل المقاومين الى داخل فلسطين المحتلة عام 1948، خاصة بعد تلقي العمق الاسرائيلي عشرات العمليات الاستشهادية خلال انتفاضة الاقصى والتي أدتت الى مقتل مئات المستوطنين الصهاينة...
في مرحلة لاحقة بنت اسرائيل ايضا سياجا مماثلا على الحدود مع الجولان، وفي مقابل لبنان تتخذ هذه الاجراءات أشكالاً متعددة حسب المنطقة الجغرافية وظروفها.. ومنها ما ذكرته تقارير إعلامية إسرائيلية في الفترة الأخيرة عن قرار تحويل وادٍ الى جرف حاد وشاهق..
وبنظرة شاملة على هذه الإجراءات متعددة الاساليب، يرى الباحث انها تحيط بالكيان الاسرائيلي من جميع جهاته البرية.. وأن مسار بنائها كان بالتوازي مع تعاظم أخطار المقاومة وتقدير العدو إمكانية تعرضها لعمليات محتملة لتسلل قد تقوم بها جهات متعددة... لكن الاهتمام الاسرائيلي الاكبر مركَّزٌ على قطاع غزة والضفة الغربية والحدود مع لبنان.
مع ذلك، تبقى الخلاصة الأهم من كل هذه الاجراءات الدفاعية، أن لجوء اسرائيل إليها لم يأتِ إلا نتيجة فشل المبادئ العسكرية التي اعتمدتها "الدولة العبرية" منذ اقامتها، تلك الإجراءات قائمة على ردع أعداء "إسرائيل" من التخطيط والمبادرة العملانية، والاستناد الى قدرات انذار تسمح لها باستشراف التهديدات ثم المبادرة الى توجيه ضرباتها الوقائية والاستباقية التي تؤدي الى تدمير قدرات أعدائها.
ومن أبرز معالم التحولات الاستراتيجية التي يحكيها هذا الوادي ـ ومعه كل الإجراءات الدفاعية الاخرى - أن اسرائيل "الدولة الاقليمية العظمى"، والتي استندت طوال عقود من تاريخها الى مبدأ نقل المعركة الى أراضي العدو، ووصلت في ضرباتها الى تونس في العام 1985، حيث دمرت مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والى العراق في العام 1981 عندما دمرت المفاعل النووي العراقي.. ووصلت الى بيروت في اجتياح العام 1982، هذه "الدولة" هي نفسها التي تتخذ اجراءات دفاعية في محاولة للدفاع عن مستوطناتها من داخل "اراضيها" سواء عبر حواجز طبيعية أو اصطناعية. أو من خلال التخطيط لاخلاء مستوطنات في أي حرب مقبلة..
ولم تتبلور هذه العقيدة الدفاعية، إلا نتيجة إقرار لقادتها بجدية التهديدات التي لوح بها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، لجهة السيطرة على الجليل، وتسليمهم بفشل قدرة الردع الاسرائيلية لثني أعدائها عن تنفيذ مثل هذه التهديدات، وبأنهم يملكون التصميم والارادة والقدرة على تنفيذها.