هل انتصر نتنياهو على الاعلام الإسرائيلي؟
يصح القول أن نتنياهو حقق فوزا لم يكن متوقعا لا من قبل منافسيه ولا حتى مؤيديه. ومن أبرز معالم هذا الفوز أنه يتعارض مع كافة استطلاعات الرأي التي واكبت الحملة الانتخابية. لكن هل يصح القول أن نتنياهو انتصر على الإعلام في اسرائيل ? وما هو تفسير وجود حملات اعلامية ضده تجندت فيها صحف وقنوات تلفزة ؟
ينبغي التأكيد على حقيقة أن المنظومة الاعلامية في إسرائيل هي كباقي القطاعات والمؤسسات مرت بمحطات وتحولات تراوحت بين كونها جزء من أدوات الصراع مع الاخر المعادي من جهة، وساحة من ساحات النقاش الداخلي الإسرائيلي حيث تؤدي دورا ناقدا من جهة اخرى .
فيما يتعلق بالعنوان الاول، تلعب الادوات الاعلامية الإسرائيلية دور الجندي في المعركة لكن في ساحة الوعي. احد ابرز مهماتها تندرج في سياق "بناء الامة" وتحصينها ضمن المشروع الصهيوني . هنا لا يمكن الخروج عن سقف الاجماع اليهودي، الذي يشمل كافة عناوين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. من الطبيعي اذن ان تتحول الوسائل الاعلامية الاسرائيلية بصورة اجمالية إلى ناطق عسكري في خضم المعركة. من دون أن ينقص ذلك من دورها في عملية النقد، بعد توقف دوي الصواريخ، سواء فيما يتعلق بقرار الحرب أو أهدافها أو شرعيتها..
وحتى لا نقع اسرى المفهوم الخاطئ، يصح وصف الاعلام الإسرائيلي أنه في الوقت الذي يؤدي فيه دور الاعلام "القبلي" نحو الخارج بما في ذلك ازاء فلسطينيي العام 48، لكنه حر وناقد وجريء في الداخل الإسرائيلي بشكل يتناقض مع وصفه الاول.
أما فيما يتعلق بالظاهرة التي شهدناها خلال الحملة الانتخابية، لجهة اصطفاف وسائل اعلام إسرائيلية، يديعوت احرونوت وهآرتس والقناة العاشرة، ضد نتنياهو. ينبغي تسجيل عدة ملاحظات:
ان الاعلام لم يكن كله ضد نتنياهو، فقد كانت هناك وسائل إعلام تملك حضوراً قوياً وتلعب دور الناطقة باسمه وتروج لخياراته، ويحضر في هذا المجال صحيفة "إسرائيل اليوم" الاكثر انتشارا في إسرائيل.
لم يكن هناك اجماع بين المعلقين على العداء ضد نتنياهو، بل كان هناك ايضا مؤيدون له، لهم أقلامهم وأصواتهم. رغم أن من برز منهم، على الاقل خارج الكيان الإسرائيلي، هم من وقفوا ضد نتنياهو، ولعل موقفهم المعارض هو الذي ميزَّهم ومكَّنهم من احتلال الصدارة.
غاية القول، اننا لم نكن أمام مشهد اصطف فيه كل الإعلام في إسرائيل ضد نتنياهو، التي توحي وكأنه حقق نصراً ضد من بيده مفاتيح الرأي العام الاسرائيلي. بل كنا أمام انقسام في المشهد الاعلامي كما هو الحال في الرأي العام والمشهد السياسي.
يمكن اعتبار ان المدى الذي بلغته بعض وسائل الاعلام في العمل على اسقاط نتنياهو، يندرج ضمن السياق الداخلي الذي عادة ما تملك فيه هذه الوسائل هامشا واسعا. وينبغي القول أنه عندما يكون هناك انقسام في المشهد السياسي وعلى مستوى الرأي العام، فمن الطبيعي أن ينعكس هذا الانقسام في وسائل الاعلام التي تؤثر وتتأثر بالمشهد العام. هذا ما حصل ايضا عندما كان الانقسام في ذروته حول الخيار العملاني الذي ينبغي أن تسلكه إسرائيل في مواجهة الخطر النووي الايراني. اذ كانت وسائل الاعلام ساحة من ساحات التجاذب والصراع بين المؤسسة العسكرية والاستخبارية، وبين بعض من في المؤسسة السياسية، وعلى رأسهم نتنياهو وايهود باراك في حينه.
إلى ذلك، ينبغي القول أن نتنياهو استطاع أن يحقق فوزاً من خلال مجموعة من العناصر، منها، أنه استخدم ايضا الاعلام كاداة رئيسية في حملته التحريضية والترويجية خلال الحملة الانتخابية. وفي هذا الاطار، اجرى خلال ايام معدودة الكثير من المقابلات مع محطات واذاعات محلية، عندما كان لديه خشية جدية من تراجع قوة حزب الليكود بمستوى خطير. والامر نفسه ينسحب على حملات التخويف التي شنها يوم الانتخابات، من اقبال الناخبين العرب الذين يهدفون إلى اسقاطه واسقاط معسكر اليمينن. وقد حظيت هذه النشاطات بتغطية كبيرة من وسائل الاعلام المختلفة .
الضابطة التي ينبغي استحضارها في فهم اداء الاعلام الإسرائيلي، أنه بقدر ما تقترب القضية المطروحة من موارد الاجماع القومي اليهودي، بقدر ما يتجند لها الاعلام الإسرائيلي ويتحول فيها إلى جندي مطيع في المعركة. أما في حال كان هناك انقسام في المشهد السياسي حولها، عندها من الطبيعي بل من الضروري أن ينتقل هذا الانقسام إلى الاعلام نفسه.
جهاد حيدر - العهد