يفترض أن تكون الانتخابات الإسرائيلية حدثا داخليا يختار من خلالها الجمهور الإسرائيلي ممثليه إلى الكنيست، ومن ثم تشكيل الحكومة التي سوف تقود الدولة خلال السنوات الاربع القادمة. لكن ظروف "إسرائيل" وموقعها في المشهد الاقليمي حوَّل هذه العملية إلى معطى اقليمي يحظى باهتمام واسع على مستوى المنطقة.
مع ذلك، فإن تقلص الفروق بين التيارات السياسية، سواء فيما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية او الاستراتيجية الواجب اتباعها في مواجهة التحديات التي تواجهها "الدولة العبرية"، يجعل من هوية رئيس الحكومة أو طبيعة الحكومة، أمراً ثانوياً لجهة الاثار التي يمكن أن تتركها على مستوى السياسات الاقليمية.
رغم أن النتائج التي تم الاعلان عنها في "إسرائيل" ليست رسمية ونهائية، لكنها عادة ما تكون قريبة جدا وشبه دقيقة. وفي ضوء حقيقة ان الحزب الاكبر نال نحو 30 مقعدا، يصح القول إن "إسرائيل" ستبقى من دون حزب مهيمن على الساحة السياسية، وخاصة أن الحكومة تحتاج إلى تأييد 61 عضواً على الاقل لتشكيل الحكومة.
وتأتي ظاهرة تفتت الاحزاب الكبرى، امتدادا لحالة متواصلة منذ نحو عقدين ــ إذا ما استثنينا فترة (2003 ـ 2006) التي فاز بها حزب الليكود برئاسة آرييل شارون بـ 38 مقعداً. ولا تقتصر تداعيات هذه النتائج على موازين القوى داخل الكنيست، بل تمتد بالضرورة إلى تشكيلة الحكومة المقبلة، التي ستتعدد فيها مراكز الثقل. ونتيجة الاختلافات القائمة بين اطرافها، في السياق الداخلي تحديداً، ستكون "إسرائيل" امام حكومة أزمات، كما كانت عليه الحال مع الحكومة الحالية.
إلى جانب حقيقة أن الليكود نال المرتبة الاولى بين الأحزاب، يصح القول ان النتيجة الاجمالية تمثلت بتقدم معسكر اليمين. وهو ما يفترض أن يرجح تسمية نتنياهو رئيسا للحكومة المقبلة. لكن لا يعني ذلك أن تشكيل الحكومة المقبلة سيكون أمراً سهلاً. وخاصة أنه سيكون على نتنياهو الائتلاف مع جهات وشخصيات يتعارض معها في بعض التوجهات الاقتصادية. وسيكون عليه ايضا تحديد موقف من القانون الذي دفعت به حكومته وفرض على الحريديم التجند الاجباري في الجيش. خاصة أنه من المستبعد أن يوافق حزبا، شاس ويهدوت هتوراة الحريديم، على الانضمام إلى حكومة نتنياهو من دون ضمانات تتصل بهذه القضية.
من أبرز النتائج التي خلصت اليها الانتخابات، ان نتنياهو استطاع من خلال خطابه الانتخابي تعزيز موقع حزب الليكود بالقياس إلى نتائج انتخابات العام 2013 عندما نال 20 مقعدا، من ضمن تكتل مع "إسرائيل بيتنا" الذي نال في حينه مجتمعا 31 مقعدا. ويبدو من خلال الارقام المعلنة، ان هذه الاصوات اتت على حساب البيت اليهودي، اليميني المتطرف، وربما ايضا "إسرائيل بيتنا". وقد تكون المواقف المتشددة التي اطلقها نتنياهو في الايام الاخيرة ساهمت في نجاح هذا التكتيك الذي قزم البيت اليهودي وعزز الليكود.
في سيناريو مشابه لما جرى بعد انتخابات العام 2009، عندما تقاربت النتائج بين الليكود وكديما، بفارق مقعد لصالح الاخير. قد نشهد نوعا من المناورة والمنافسة بين نتنياهو ورئيس المعسكر الصهيوني يتسحاق هرتسوغ الذي سيحاول ان يقدم نفسه مرشحا جديا لتشكيل الحكومة المقبلة. وفي حينه حاولت رئيسة كديما تسيبي ليفني الامر نفسه ولم تنجح.
لكن هذا السيناريو سيعزز من قدرة ابتزاز الاطراف التي يحتاجها كلا المرشحين نتنياهو وهرتسوغ وهم: حزب كولانو برئاسة موشيه كحلون؛ وحزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة افيغدور ليبرمان وايضا الاحزاب الحريدية. لكن كي ينجح هذا المسار سيكون على هرتسوغ الجمع بين الضدين "يوجد مستقبل" وشاس ويهدوة هتوراة من اجل ان يستغني عن الاصوات العربية. وهو أمر دونه الكثير من الصعوبات، لكنه ممكن نظريا. مع الاشارة إلى أن لابيد هو من فرض على نتنياهو في الحكومة الحالية تبني ودفع قانون يفرض على الحريديم التجند في الجيش للمرة الاولى في تاريخ "إسرائيل".
يبقى تسجيل ملاحظة تتصل بالنتائج التي حققتها القائمة العربية المشتركة، واستطاعت ان تحتل المرتبة الثالثة، بعد حزبي الليكود والمعسكر الصهيوني. أنه بالرغم من هذا "الانجاز" على مستوى الارقام، لكنه سيبقى ممنوعا من الصرف السياسي، خاصة في ضوء العنصرية المتأصلة تجاه الفلسطينيين ومساحة الاجماع الواسعة بين الاحزاب اليهودية.