الخيال المريض للاساميين المعاصرين لا يستطيع مجاراة الاعمال التي ترتكبها الايدي الاسرائيلية ورسلها المستوطنون في الخليل خلال العشرين سنة الماضية. المطالبة بعودة يهودية تتجزأ هنا لكافة عواملها الاصلية: طرد الفلسطينيين، تدمير بيوتهم وثقافتهم، تدمير الاقتصاد، عزل اثني – مكاني متطرف ومنع مجنون للحركة والسكن، الاعتداء باسم التوراة، المضايقة ورفض الاخر، لو ان الغرباء الرافضين للاسامية قالوا إن اليهود يتصرفون على هذا النحو، لعلت اصوات معاهد دراسة اللاسامية على الفور.
اليوم، 25 شباط، سيكون قد مرّ 21 سنة على المذبحة التي ارتكبها الدكتور باروخ غولدشتاين بحق المصلين في المسجد الابراهيمي (مغارة المكيفلة). رئيس الوزراء ووزير الدفاع آنذاك اسحق رابين، كان بوسعه تفكيك هذه القنبلة الذرية التي زرعها حزب ماباي في نهاية سنوات الستين – ييغال الون وموشي دايان – عندما اذنا لمجموعة من اليهود المسيحيانيين بالاستيطان هناك وشجعاهم عبر الحماية العسكرية وتزويدهم بمخازن السلاح. اخلاء المستطونين كان سيستقبل بتفهم كبير عام 1994. لكن رابين اختار الخط التقليدي والطبيعي لحزب ماباي بتدليل المستوطنين، وامر بمعاقبة الفلسطينيين على المذبحة التي ارتكبها بحقهم طبيب يهودي، مهاجر من الولايات المتحدة، بالحصار المتواصل، وتقييد الحركة، وإغلاق المحلات والاسواق، وبالتسامح الاجرامي مع اعتداءات المستوطنين. ومنذ ذلك التاريخ تواصل اسرائيل سياسة معاقبة المعتدى عليه.
21 عاما بعد المذبحة، يوجد للمستوطنين العديد من الاسباب للاحتفال. فالرئيس رؤوفان ريفلين زارهم واعطى الشرعية لاختفاء السكان الفلسطينيين من مركز المدينة. في الاسبوع الماضي دخل مبنى الكنيست ممثل ثانٍ عن مستوطني الخليل، في مكان اوري اورباخ المتوفى: الرابي هلل هوروفيتش من البيت اليهودي، الذي انضم إلى زميلته وجارته اوريت ستروك. ومع ان هذا الدخول رمزي ولشهر واحد او شهرين، فهناك احتمال بأن جارهم، باروخ مارزل المقيم في مستوطنة تل الرميدة، سيحافظ في الكنيست التالية على الغطاء المهذب: اثنان من منتخبي الجمهور يمثلان مجموعة لا تزيد عن بضع مئات من الناس مأثرتهم أنهم خلقوا واقعا من العنف والعنصرية.
لصالح مستوطني الخليل تم تسجيل عدد من الانجازات التي تحققت خلال السنوات الثلاث الماضية: ممر جديد اضافي يصل بين كريات اربع ومغارة المكيفلة، توسيع بيت رومانو، حديقة اركيولوجية قيد الانشاء، اعتبار مغارة المكيفلة كأثر يهودي قومي، جولات للطلاب. اما الاهم فهو نقطة استيطان جديدة في الخليل لاول مرة منذ 30 سنة في "بيت هامريبا"، في قلب حي الراس، بعد ان قررت المحكمة العليا أن البيت تم شراؤه حسب الاصول.
بين هذه الانجازات والاحتفالات، يظهر مركز المدينة مقفرا وخرِبا. يجب زيارة المكان مرة تلو الاخرى كي نفهم - ليس فقط كيف تبدو ال 120 حاجزا ونقطة اغلاق التي تقطع الشوارع في الوسط، وكيف يفرض الجنود الشبان منع زيارات الاقارب المصرِّين بعناد على السكن في بيوتها والسير في الشارع الذي هو لليهود فقط، وكيف يعاني الشيوخ صعوبة التنفس جراء التنقل صعودا سيرا على الاقدام نظرا لمنع السيارات الفلسطينية من الحركة هناك. الزيارة هناك ضرورية كي نفهم هذا المنجز الاسرائيلي بالكامل: المساعدة الفعالة والمدركة لحكومات العمل، والدعم المدرك، الناجم عن عدم الاكتراث والبلادة الشعورية والفكرية للنخب الاسرائيلية، هذا ما ادى إلى تحقيق الخطة الاساس الاستيطانية – مسيحيانية – يمينية الاكثر تطرفا منذ عام 1948.