كشفت صحيفة عبرية النقاب عن وثيقة جرى إعدادها من قبل مجموعة صهيونية مقربة من رئيس الوزراء إيهود أولمرت وأخرى فلسطينية على علاقة مع رئيس السلطة محمود عباس، تهدف إلى تصفية "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين بصورة نهائية.
واستناداً إلى ما نشرته صحيفة "هآرتس" في عددها الأخير؛ فإن الوثيقة تضمنت ترجمة حق العودة إلى الوطن من لغة الحقوق التاريخية إلى مركبات اقتصادية تصل كلفتها إلى ما يقارب 90 مليار دولار، بمعدل 14-21 ألف دولار لكل لاجئ.
وفي كل الحالات؛ فإن الوثيقة المذكورة، والتي شارك فيها مجموعة فلسطينية، تنفي حق اللاجئين في العودة إلى الديار التي هجروا منها في الأراضي المحتلة سنة 1948.
كما تتناول الوثيقة مسألة القدس المحتلة وتطرح عدداً من السيناريوهات لحلها، وتسقط إمكانية زوال الاحتلال بشكل نهائي عن المدينة.
طرح على أعلى المستويات
وذكرت الصحيفة أن صائب بامية المستشار الاقتصادي للاتحاد العام للصناعات الفلسطينية وبعد توقيفه على حاجز قلنديا الثلاثاء الماضي، وصل من رام الله إلى بوابة وزارة "الحرب" الصهيونية في تل الربيع (تل أبيب)، ودخل سوية مع البروفيسور أرييه أرنون إلى مكتب الجنرال عاموس غلعاد.
وقد عرض الاثنان أمام ممثل وزير "الأمن" الصهيوني في طاقم المفاوضات التمهيدية لأنابوليس، ملفاً ضخماً يتضمن اقتراحات لحلول سياسية- اقتصادية لقضيتي اللاجئين الفلسطينيين والقدس.
واعتبرت الصحيفة الملف المذكور (إكس- آن- بروفانس) الذي وضع نتيجة لمناقشات المجموعة الصهيونية - الفلسطينية - الدولية هو محاولة صهيونية فلسطينية نصف رسمية أولى من أجل تفكيك حاجز حق العودة إلى مركبات اقتصادية، وعرض حلول عملية.
وتضيف الصحيفة أن القائم بأعمال رئيس حكومة الاحتلال حاييم رامون الذي شارك قبل شهرين كمراقب في اجتماع مغلق في باريس، والذي عرضت فيه الوثيقة، قد صرح لها أن هذه الوثيقة هي "ورقة عمل من المفضل أن يقوم الطرفان بدراستها، وفي حال الوصول إلى الحديث عن الحل الدائم، فإن هذه الورقة سوف تساعد طاقمي المفاوضات لمعرفة ما هو ممكن".
أما المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة الصهيونية، منوئيل تراختنبيرغ، الذي شارك في الاجتماع المذكور، فقد صرح للصحيفة بأنه "أحس للمرة الأولى بأن مشكلة اللاجئين ليست بهذه الفظاعة". وبحسبه، "فإذا كان بإمكان الإسرائيليين والفلسطينيين الجلوس براحة في غرفة واحدة لمناقشة البدائل، فمن الممكن مناقشة مواضيع مشحونة أكثر".
وأضاف أن أهمية وثيقة "إكس" ليست في المعطيات الاقتصادية، وإنما بمجرد قدرة الطرفين على ترجمة لغة الحقوق التاريخية إلى لغة اقتصادية عملية، على حد قوله.
جهات دولية ساهمت في الوثيقة
وذكرت الصحيفة أنه قد بادر إلى تشكيل هذه المجموعة، قبل 5 سنوات، البروفيسور زيلبر بنحيون وهو يهودي فرنسي من مواليد المغرب. وتم تمويل نشاط المجموعة من قبل الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وجهات من مرساي وجنوب فرنسا، بالتنسيق مع مركز "بيرس للسلام" ومعهد الدراسات "داتا" في بيت لحم، وجامعة "بول سزان" في مرساي.
وقد شارك في المجموعة هيئات رسمية، مثل الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي ووزارة الخارجية الفرنسية، كما شاركت مؤسسات عامة ومكاتب حكومية صهيونية وفلسطينية كمراقبين، بدون أن يشاركون في صياغة التفاهمات، وإنما ساعدوا في الحفاظ على اتصال بين الطرفين والبحث عن المجالات التي مكن بلورة أرضية مشتركة فيها.
واستندت الوثيقة إلى معطيات نسبت إلى الأونروا تشير إلى أن عدد اللاجئين في العام 2006 قد وصل إلى 4.4 مليون لاجئ، من بينهم 1.3 مليون في مخيمات اللجوء، غالبيتهم في الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة. ويعيش في مناطق السلطة 1.7 مليون لاجئ، منهم 550 ألف لاجئ في المخيمات.
دولارات مقابل أرض مقدسة
وجاء في وثيقة "إكس" أن الحل الذي تقترح المجموعة يتناول سواء المطالبات الفردية أو الاعتبارات الجماعية للطرفين، ويقترح طريقة للتسوية بينهما. فمن جهة يستطيع اللاجئون أن يختاروا مكان سكن ثابت، ومن جهة أخرى فإن تطبيق الخيار مرتبط بالاتفاق بين الأطراف، ومرتبط بسيادة الدول ذات الصلة، بما في ذلك دولة الاحتلال وفلسطين.
وتابعت الوثيقة أنه بنظرة أولى؛ فإن المقياس الاقتصادي/ المالي لتطبيق حل متفق عليه لقضية اللاجئين يبدو خياليا، ولكن بالمقارنة مع البدائل، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك سيمتد على 10 سنوات، ويتم تغطية بمساعدات دولية سخية، فإن المهمة تصبح ليست مستحيلة. "فبدون حل يضع حداً لمعاناة اللاجئين ومكانتهم الخاصة لن يكون هناك نهاية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يؤثر على استقرار المنطقة كلها"، حسب قولهم.
وبموجب الخطة التي عرضها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون على الطرفين سنة 2000، فإن أعضاء المجموعة يقترحون أن يكون بإمكان اللاجئين أن يختاروا بين عدة بدائل: توطينهم في أماكن جديدة، ترميم أماكن السكن الحالية وتوطينهم فيها، تعويض بواسطة الأموال أو الممتلكات، أو معبر إلى منطقة يتم تحويلها إلى فلسطين في إطار تبادل مناطق مع سلطات الاحتلال الصهيونية.
وبحسب وثيقة "إكس"، فكل لاجئ يستطيع الاختيار بين البدائل، ويتم الاتفاق على إطار زمني لإنهاء العملية، تحت مراقبة وكالة دولية يتم تشكيلها خصيصاً لذلك. وتكون هذه الوكالة مسؤولة عن خيارات اللاجئين ويكون الاتفاق بين الدولتين الذي يضع القيود على الانتقال من مكان إلى آخر بالتنسيق.
وجاء أن تكلفة التوطين تصل إلى 8-19 مليار دولار، وتتعلق بعدد اللاجئين الذين يختارون هذه الإمكانية. أما تكلفة الترميم والتطوير (توطين اللاجئين في أماكن لجوئهم) فتصل إلى 10-14 مليار دولار، وهي أيضاً متعلقة بعدد اللاجئين الذين يختاروا هذه الإمكانية.
أما بالنسبة للتعويض عن الممتلكات التي خلفها اللاجئون في ديارهم، فيوجد لدى الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة معلومات مفصلة بهذا الشأن. فكل دونم في يافا أو بيت في حيفا مسجل في وثائق رسمية.
إلا أن المشكلة هي في تقدير قيمة الأملاك، ومن هنا يقترح معدو الوثيقة أن تقوم لجنة مختصين دوليين بإجراء فحص والمصادقة على الدعاوى المتوقعة بشأن الأملاك. وبحسب المعايير الاقتصادية للمجموعة فإن المبلغ الكلي يتراوح بين 15- 30 مليار دولار.
أما إعادة الأملاك فسوف يتم دراستها في الحالات التي لا يعرض فيها تعويض كامل ومقبول، وأن تكون الأملاك قائمة بشكل يجعل إعادتها إلى أصحابها عملية ومعقولة.
إلى ذلك، فإن المجموعة توصي بإقامة صندوق رابع، يحتاج إلى 22 مليار دولار، من أجل التعويض عن عملية اللجوء، بدون أي علاقة بدعاوى الأملاك أو الخطط الأخرى. فكل لاجئ مسجل يحصل على مبلغ واحد يصل إلى 5 آلاف دولار للفرد.
حلول تثبّت وجود الاحتلال في القدس
أما بالنسبة للقدس فإن الوثيقة تضع 3 سيناريوهات ممكنة للتسوية، تسقط إمكانية زوال الاحتلال بشكل نهائي عن المدينة، وهي: تقسيم المدينة بحيث يكون الحد السياسي حداً قائماً على الأرض، أو مدينة مفتوحة تكون الحركة مفتوحة بين جزئيها أمام الناس والبضائع، أو مدينة نصف مفتوحة بحيث تكون المنطقة المفتوحة، مثل البلدة القديمة.
وتقترح المجموعة عدة إمكانيات بشأن مكان الحدود في القدس: حد سياسي على طول خطوط 1967 مع تعديلات طفيفة، وإخلاء الأحياء اليهودية من شرقي المدينة، ما عدا الربع اليهودي في البلدة القديمة، أو حدود تعكس التقسيم الجغرافي بين اليهود والعرب (معادلة كلينتون)، أو دمج بين الإمكانيتين بحيث تبقى الأحياء اليهودية في القدس الشرقية تحت السيادة الصهيونية، في حين يتم إخلاء الأحياء الأخرى.