نتنياهو منغمس في الحرب بين الوزراء والجبهة الداخلية لا تزال مكشوفة
كتب محلل الشؤون العسكرية عامير ربابورت في موقع "معاريف"، مقالاً مطولاً يتناول فيه الصراعات في الداخل الاسرائيلي بين الجهات الرسمية والامنية المختلفة حول الصلاحيات والمسؤوليات، فقال إنه "مع كل الاحترام لحديث السلام الذي بدأ هذا الأسبوع في واشنطن، فإن الشعور السائد في الآونة الأخيرة في المؤسسة الأمنية هو توقع حرب وشيكة، حيث يبدو أن مسؤولية معالجة الملف النووي الإيراني تنتقل إلى الجانب الإسرائيلي بكاملها.. الأميركيون يغمزون إلى أنهم لن يمنعوا "إسرائيل" من العمل بطريقة عسكرية ضد النووي الإيراني.. إن كانت هناك بطاقة حمراء ضد الهجوم، فهم لا يكترثون لها حاليا كثيرا، في الأشهر القادمة، القرار الذي قد يورط "إسرائيل" في حرب قاسية سيكون ثقيلاً (إذا شن هجوم)، واذا لم تنشط "إسرائيل" وحقق الإيرانيون حلمهم بالقنبلة، سيوضع هذا الثقل مجدداً على عاتق رئيس الحكومة".
ربابورت يضيف في مقاله إن "التوتّر السائد في العلاقات بين "إسرائيل" والولايات المتحدة منذ الصيف الفائت، على خلفية خشية واشنطن من أن تهاجم "تل أبيب" في توقيت غير مناسب تبدد.. فوتيرة المحادثات بين الطرفين اليوم عالية جدا، سواء في اللقاءات التي عقدت في تل أبيب وفي واشنطن، أو في أحاديث الفيديو التي تجري بشكل روتيني".
يشير المحلل العسكري الى أن "الكلام الواضح الذي أطلقه قبل أيام قليلة قائد الجيش الأميركي في الشرق الوسط السابق، الجنرال جيمس ماتيس، ومفاده أن "إسرائيل ستهاجم بنفسها إيران"، لا يدل بالضرورة على هجوم حقيقي، فماتيس يعتبر "ثرثاراً" ولا علاقة له باتخاذ القرارات الأميركية اليوم.. لكن، كلامه يعكس جيداً اتجاه الرأي العام، لدى "إسرائيل" ضوءا أخضرا للهجوم، الأميركيون كما يبدو لن يقوموا بهذا العمل بأنفسهم".
ويتابع أن وزير الحرب موشيه يعلون "قال هذا الأسبوع خلال زيارة لقاعدة "الاستيعاب والفرز"، إنه "ستكون هناك اعتبارات ذات أهمية إستراتيجية لإطلاق الأسرى الفلسطينيين والعودة إلى حديث السلام، وسوف تتضح هذه الاعتبارات مع الوقت".. هل قصد أن حديث السلام يعطي "إسرائيل" مجالاً سياسياً يسهل عليها مهاجمة إيران؟ قد يكون كذلك.. يمكن الافتراض أن رئيس الحكومة نفسه لا يعرف بعد إن كان سيحصل هجوم أم لا، ما زالت هناك عدة تقلبات قد تؤثر على القرار النهائي، لكنه منزعج.. أحد أكبر الأمور الذي يقلقه هو تداعيات إطلاق نيران كرد محتمل لا مثيل له من حيث حجمه على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. في حال حصول حرب ضد إيران وحزب الله، فإن كل ما صادفناه حتى الآن يُعتبر "لعب أولاد".
"في الحرب القادمة ستُطلق مئات الصواريخ الموجهة "جي.بي.اس نحو منشآت البنى التحتية الإسرائيلية وإلى قواعد الجيش الإسرائيلي. كما ستطلق عشرات آلاف القذائف "السخيفة" نحو مستوطنات الداخل، بحيث لن تتمكن بطاريات القبة الحديدية من مواجهتها كلها (بسبب كثافتها). وحسب المعطيات المحدثة حتى اليوم، لا يوجد في محيط 37% من سكان المدن الأكثر تهديدا، تل أبيب وحيفا، مكانا آمنا أو ملجأ. قبل أن تتورّط "إسرائيل" في مواجهة مع إيران، في حال حصلت مواجهة كهذه، فإن بنيامين نتنياهو موجود في نهاية هذا الأسبوع في قلب حرب ضخمة على المسؤولية في مواضيع الجبهة الداخلية، بين وزارة الدفاع برئاسة موشيه يعلون وبين وزارة حماية الجبهة الداخلية، برئاسة غلعاد آردن. نتنياهو سيناقش يوم الأحد "التوصيات الثورية" لهيئة الأمن القومي لانتزاع، فعلياً، من قيادة الجبهة الداخلية ووزارة الدفاع ممتلكات ومجالات مسؤولية إزاء معالجة هذه الجبهة، ونقل معظم الصلاحيات إلى الوزارة السمينة لآردن. قيادة المنطقة الداخلية ووزارة الأمن تعارضان ذلك بشدة"، وفق ما كتب ربابورت.
محلل الشؤون العسكرية في "معاريف" يضيف "وصلت المواجهة إلى أبعاد شخصية فالوزير آردن يهدد بالاستقالة من وظيفته كوزير لحماية الجبهة الداخلية في حال لم يحصل على الصلاحيات الموسعة منذ اليوم الأول. في المقابل، الوزير يعلون وقيادة المنطقة الداخلية يتحمّلون المسؤولية، من أجل إلغاء هذا الاحتمال. التصريحات التي أطلقت هذا الأسبوع في النقاشات الداخلية، قبيل النقاش الحاسم الذي سيجريه نتنياهو مطلع الأسبوع القادم، تراوحت بين الاتهامات بـ "الدجل" والـ "مس بحياة الناس في الجبهة الداخلية".
حتى لو كان من السهل نسب دافع سياسي للوزراء الموجودين في قلب الصراع لا تخفى حقيقة أن الجدال حول من يجب أن يكون مسؤولا عن شؤون الداخل العديدة هو بالأساس مهني وذو خبرة طويلة".
ويسهب ربابورت "لا شك أن "الأمر المبارك" الذي دخل فيه نتنياهو، الذي سيتلقى في اليوم الأول النار من أحد وزرائه الرفيعين في كل قرار سيتخذه، بدأ بخطوة كان أساسها شخصي، وزارة حماية الجبهة الداخلية أنشئت بالأصل كتسوية سياسية بين الليكود وحزب عتسمؤوت لإيهود باراك. في إطار الاتفاق بين الأحزاب، متان فيلنائي، الذي أشرف آنذاك بنجاح على إنشاء "راحل" بصفته نائب وزير الدفاع، تحسن ليكون وزيرا. في آب 2012، عندما ذهب فيلنائي إلى الصين بصفته سفيرا وعيّن آفي ديختر وزيرا لحماية الجبهة الداخلية، فرض نتنياهو على مجلس الأمن القومي برئاسة يعقوب عميدرور القيام بعمل "أركاني" يحدّد مسؤولية مختلف الهيئات في الداخل. موضوع الداخل قريب من قلب نتنياهو بالأخص، ربما لأنه شعر بصوت الصواريخ المهدّدة في الحرب القادمة. نتنياهو يجري نقاشات حول استعداد الجبهة الداخلية مرة على الأقل في الشهر، ويتدخل شخصيا في قرارات تكتيكية (مثلا، قبل حوالي نصف عام اتخذ بنفسه قرارا بتحصين مبنى مركز حركة السّير القومي، الذي يحدد نظام الطرقات المفتوحة والمغلقة في أوقات الطوارئ). باسم مجلس الأمن القومي، ركّز العميد زئيف تسوك رام، الذي أنشأ سلطة الطوارئ القومية، العمل الأركاني حيال التنسيق في الجبهة الداخلية، إلى أن عيّن مسؤولا عن هذا الموضوع في هيئة الأمن القومي، بسبب صراع مع متان فيلنائي".
ربابورت يردف "في كانون الأول 2012، عشية الانتخابات، كان مجلس الأمن القومي على وشك التوصية بأن وزارتين حكوميتين فقط ستعملان على معالجة الجبهة الداخلية، وزارة الدفاع ومكتب الأمن القومي، بيد أن نتنياهو أعلن أنه يعطي أهمية كبيرة لوزارة حماية الجبهة الداخلية كما يعتزم تمكينها بعد الانتخابات، وهذا ما حصل فعلا، بعد أن عيّن آردن وزيرا لحماية الجبهة الداخلية في حكومته الجديدة، أمر نتنياهو بتخصيص ميزانية لوزارته تبلغ أكثر من 400 مليون شيكل، مقابل ملايين قليلة من الشواكل التي كانت مخصصة لسلطة الطوارئ القومية في إطار وزارة الدفاع. كان لدى آردن خطط ضخمة، تلقى مسؤولية كاملة عن هيئة مرفق لوقت الطوارئ، لكنه طالب أيضا بتولي مسؤولية الإرشادات التي تعطى للسلطات المحلية وللسكان وطالب بتنسيق معظم النشاطات التي تحصل اليوم في قيادة المنطقة الداخلية من قبل مئات الضباط في قسم التحصين وفي قسم حماية السكان. آردن يريد السيطرة أيضا على تشكيل الإعلام الخاص بالسكان، الذي يستخرج من أجل قيادة المنطقة الداخلية. آردن عيّن العميد المتقاعد في الشرطة، دان رونن، رئيسا لمكتبه، والذي كان قائد إقليم الشمال في حرب لبنان الثانية".
وجاء في مقالة ربابورت "في الأسابيع الأخيرة أصبحت المعركة على المسؤولية عن الداخل إلى حرب عالمية حقيقية. يعلون وآردن ابتعدا جسديا، وانتقلت وزارة حماية الجبهة الداخلية من الطابق 15 في مبنى وزارة الدفاع في "هكريا" في تل أبيب إلى الشارع 4 المدني أكثر (ليس واضحا من أراد هذا الإقصاء، يعلون أو آردن). هذا ويدير النقاشات حول المسؤولية المستقبلية عن الداخل طواقم من وزارتين مع رئيس الحكومة وطاقمه- على حدا".
بحسب المحلل العسكري، "تقرير عميدرور سيناقش بأكمله يوم الأحد القادم، لكن كتوازن ضد توصيات عميدرور وزع قائد المنطقة الداخلية، اللواء ايال ايزنبرغ مذكرة حادة فيها دعوة مهمة لنتنياهو لاختزان الاستنتاجات. أيزنبرغ زعم أن التقرير أعدّ بشكل غير سري دون التحدث مع قيادة المنطقة الداخلية نفسها".
في المحصلة، كما يقول ربابورت، "الثغرات في المواقف هي عميقة، يعلون يطالب بإعادة كل الصلاحيات التي أخذت منها إلى وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي، وإعادة وزارة حماية الجبهة الداخلية لتكون سلطة طوارئ قومية أو على الأكثر وزارة تكون خاضعة لوزير الدفاع. آردن، بالمقابل عاد وشدد على تهديداته بالاستقالة تلقائيا في حال لم يحصل على كل الصلاحيات".
"صدى العاصفة الكبيرة تردد يوم الخميس الفائت في مؤتمر بشأن الداخل بمبادرة من العميد (في الاحتياط) مائير أليرن من معهد بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب.الوزير آردن قال في المؤتمر إن نقل الصلاحيات إلى وزارته هي من ناحيته مرحلة في الطريق إلى تنسيق كل الموضوع تحت مسؤولية وزارة الأمن الداخلي في غضون عدة سنوات. العميد تسوك رام زعم أن معارضة المؤسسة الأمنية تنبع من اعتبارات غير ذي شأن بينما ضابط ركن المنطقة الداخلية، العميد تسبيكي تسلر، قال إن أداء عمل الجبهة الداخلية في عملية "عامود السحاب" أثبت أن هيئة مثل قيادة المنطقة الداخلية التي تقف وراءها كامل قدرات الجيش الإسرائيلي ووزارة الأمن، يمكنها ان تواجه التحدي المتوقع للداخل في السنوات القادمة... في منتديات أمنية غير علنية قال مسؤولون كبار في قيادة المنطقة الداخلية إن اقتراح مجلس الأمن القومي هو كارثي، لأن لا مجال للمقارنة بين نماذج أخذت من الخارج وبين الحالة الإسرائيلية التي خطر الكوارث الطبيعية فيها هو ضئيل نسبيا. في المؤسسة الأمنية زعموا أن نقل الدفاع المدني إلى أيدي مدنية وإنشاء تشكيلات جديدة لمعالجة الجبهة الداخلية، تحت مسؤولية وزارة آردن، أو وزارة الأمن الداخلي، ستكلّف أكثر من 4 مليار شيكل. كما قيل إن صلاحية الجيش عليها أن تبقى، لأن ما يجري في الجبهة الداخلية ليس بمعزل عن اعتباراته العملية في الهجوم أيضا"، وفق مقال ربابورت.
محلل الشؤون العسكرية في "معاريف" يخلص الى الآتي: "هذه المزاعم مرفقة بالكثير من العواطف وكل طرف مقتنع بالعمق بصدقه.. يضاف إلى الحرب الكبيرة في الداخل حقيقة أن كل طرف يمكنه تجنيد قوانين وتشريعات مخفية لا تحصى لتبرير موقفه، من أيام الانتداب وحتى السنوات الأخيرة. الدولة لم تحدد في الحقيقة بشكل ثابت من المسؤول عن المواطن الصغير أو عن المصنع الضخم الذي سيتلقى صاروخا".
ويختم عامير ربابورت "إن لم تنقل الصلاحيات بأكملها إلى وزارة حماية الجبهة الداخلية وبقيت بيد الوزارة الحالية فإن الغضب سيزداد.. بدلا من إشاعة النظام سيصنعون فوضى"، يقول مصدر كان مشاركا في السابق بقضية المسؤولية عن الجبهة الداخلية. ويقول مصدر آخر، في الفترة التي يجب علينا جميعا أن نكون مركزين على الاستعداد للحرب القادمة التي قد تندلع في أي لحظة، فإن الطاقة مكرسة لحروب داخلية فارغة".