يبدو أن السيرة الذاتية لآرييل شارون، رئيس الحكومة السابق، ساهمت في ردع "إسرائيل" عن التفكير في معركة واسعة في جنوب لبنان. مسؤولية شارون في حرب لبنان عام 1982 والصعوبات التي ظهرت بعدها، كانت في نظر الكثيرين وصمة في سيرته السياسية. في العام 1983 وجدت لجنة كوهين أن شارون مُهمل، لأنه لم يتوقع ويمنع المجزرة التي ارتكبتها الميليشيات اللبنانية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا. محاولاته تحسين صورته بعد ذلك، خلال فترة توليه منصب رئاسة الحكومة، ردعته عن القيام بتورط آخر في لبنان. شارون كان لفترة زمنية شخصية مؤثرة في "إسرائيل"، ويجب الافتراض أن أولوياته أثرت على تفكير المؤسسة الأمنية بعد انتخابه لرئاسة الحكومة في العام 2001.
عدم الالتفات من جانب الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي لمسألة لبنان انعكس افتراضات لـ "إسرائيل" بخصوص عدم معقولية حرب برية يتم فيها استخدام واسع لفرق مدرعة على حدودها. اللواء أودي آدم اشتكى من أن القادة العسكريين الكبار لا يجرون تقريبا مناقشات تتعلق بالجبهة اللبنانية. حتى أن حالوتس لم يذكر حزب الله في استعراضه الاستراتيجي أمام مؤتمر هرتسيليا، في كانون الثاني 2006. وكذلك أيضا، فشل الجيش الإسرائيلي بتعزيز قوته العسكرية قبل الحرب. وزير الدفاع شاؤول موفاز (الذي تولى هذا المنصب بين تشرين الثاني 2002 وآذار 2006) قرر تقصير مدة الخدمة العسكرية الإلزامية للجنود من أربعة إلى ثمانية اشهر، وهو قرار كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في آذار 2007. وقد بادر أيضا إلى قانون جديد يقصر الخدمة الاحتياطية ويقلص مدة التدريبات. وفقا لكلام اللواء بني غانتس، قائد الأسلحة البرية في الجيش الإسرائيلي، فان مخصصات تدريب وحدات الاحتياط قلصت منذ العام 2001 بـ 3.5 مليار شيكل.
بسبب الضرورات الناتجة عن الموازنة قلص الجيش الإسرائيلي حجم فرق الدبابات. وظهرت أيضا ضغوط متزايد لإلغاء خط إنتاج دبابة "الميركافا"، بفرضية انه لا توجد معقولية لسيناريو خوض حرب برية يكون فيها حاجة لعدد كبير من الدبابات. حتى جدول الأولويات لعمليات الشراء تأثر من هذا التقدير. فبسبب تقليص الموازنة لم يتم تركيب منظومات أسلحة مثل Trophy، التي تمنح الدبابات الحماية من الصواريخ، ولم يتم شراء قنابل خارقة للتحصينات لصالح سلاح الجو. هذان السلاحان كان يمكن أن يستخدما جدا في صيف 2006.
بشكل عام، الجيش الإسرائيلي لم يُعِد وحداته القتالية للـ "سيناريو اللبناني". فقط جزء بسيط من القوات الخاصة تلقت الحد الأدنى من التدريبات كاستعداد للقتال في جنوب لبنان. اكثر من ذلك، مسؤولي الاستخبارات العسكرية امتنعوا من نقل معطيات جمعوها عن مواقع حزب الله في جنوب لبنان (المحميات الطبيعية) إلى الوحدات في الميدان.
الخطأ الثاني كان فشل القيادة الإسرائيلية في فهم الأهمية الاستراتيجية لتأثير عدد كبير من هجمات الكاتيوشا. فصواريخ من هذا النوع اعتبرت بشكل عام بأنها سلاح ضرره قليل، بسبب عدم دقتها والرأس المتفجر الصغير نسبيا, وفي المرحلة الأولى من الحرب وجه حالوتس ملاحظة بان "الصواريخ القصيرة المدى ليست وسائل قتالية حاسمة".
في صيف 2006 لم يكن سكان "إسرائيل" في شمال البلاد مستعدين للصمود أمام صليات كبيرة من الصواريخ. خلال الحرب تلقت قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي، التي مهمتها منح الحماية الفعالة، انتقادات لاذعة، وبعد الحرب كان نفس وجود هذه القيادة موضع شك. فشل "إسرائيل" بتخصيص أموال كافية لتطوير منظومة حماية مناسبة، تحمي من تهديدات على النمط الذي يمثله حزب الله، كان خطأ استراتيجي. الصناعات العسكرية الإسرائيلية وجدت عدة أجوبة تكنولوجية لتهديد الصواريخ قصير المدى، لكن الحكومة امتنعت عن تجييرها إلى المنظومات التنفيذية. فقط بعد الحرب، في شباط 2007، صادقت وزارة الدفاع على تطوير منظومات الدفاع ضد الصواريخ قصيرة المدى والمتوسطة.
في الواقع، حماية الجبهة الداخلية لم تكن جزءاً من المخطط الاستراتيجي للجيش الإسرائيلي للحرب في صيف 2006. حتى أن حماية الجبهة الداخلية لم تذكر في الوثيقة التي تتعلق بالأهداف الاستراتيجية التي قدمت للحكومة بداية المعارك. مع مرور السنوات أهملت "إسرائيل" جمع المعلومات في موضوع الكاتيوشا قصيرة المدى، الأمر الذي انعكس عدم اهتمام، والبت بمصير أي رد عسكري. فقط في المراحل الأخيرة للحرب جرت محاولة للحد من صليات الكاتيوشا وتحويلها إلى هدف أساسي. فقد سعى الضباط الكبار إلى تحقيق هذا الهدف لكن بتردد كبير. اللواء أودي آدم، قائد المنطقة الشمالية، كان يشك بنجاح الوسائل العسكرية في منع الصواريخ.
اغلب صواريخ الكاتيوشا قصيرة المدى سقطت في حقول مفتوحة وسببت أضرار خفيفة، لكن من اصل 4000 صاروخ، فان 25% منهم أصاب مناطق مبنية في كل شمال "إسرائيل". اكثر من ذلك، مرفأ حيفا، مصافي التكرير، ومنشآت استراتيجية كثيرة تم إغلاقها خوفا من الدمار. اكثر من مليون إسرائيلي عاشوا في الملاجئ، وحوالي ثلاث مائة ألف هاجروا من منازلهم مؤقتا وطلبوا اللجوء في الجنوب.
في نهاية الأمر، تحولت الكاتيوشا إلى المعيار الأساسي لتعريف الانتصار في الحرب. لم يكن هناك حاجة إلى خبرة عسكرية كبيرة لملاحظة أن عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على التقليل من كمية إطلاق الكاتيوشا بشكل بارز في المراحل الأخيرة للحرب يشكل فشلا ساطعا. ادعى رئيس الحكومة أيهود اولمرت عندما أعلن في الثالث من شهر آب 2006 انه من غير الممكن قياس نتائج الحرب وفقا لعدد الصواريخ التي أطلقت باتجاه "إسرائيل". لكن صليات الكاتيوشا التي لم تتوقف على المدن الشمالية منحت حزب الله، في نهاية الأمر، الانتصار في الحرب.
إدارة استراتيجية غير سليمة خلال الحرب
الاعتماد الزائد على القوة الجوية خلال الحرب كان خطأ استراتيجياً ثالثاً. صحيح أن الجيش استثمر الكثير القوات الجوية في السابق، لكن حتى سنوات التسعينات كان يقول إن الانتصار الحاسم يستوجب مناورة برية ناجحة. لكن بعد حرب الخليج في العام 1991، تحولت القوات الجوية إلى أمر مغرٍ من الناحية العسكرية. قادة "إسرائيل" كانوا مقتنعين كثيرا باستخدام سلاح الجو الإسرائيلي الذي لا يوجد مثيل له في المنطقة. سلاح الجو الإسرائيلي يسمح بالقيام بتدمير كبير، من دون أي إصابة من الجانب الإسرائيلي. القوات الجوية كانت مرتبطة جدا بالتكنولوجيا الجديدة التي تميز ما يسمى التحول بالشؤون العسكرية (RMA - The Revolution in Military Affairs) والادعاءات عن تغير طبيعة الحرب.
سلاح الجو الإسرائيلي نجح بإقناع المستوى السياسي انه يستطيع توسيع دوره العسكري بنجاح إلى خارج المهمات الجوية التقليدية، ومواجهة بشكل حاسم التحديات الأمنية. في المقابل طور الجيش الإسرائيلي عقيدة للقتال في مواجهة بقوة منخفضة، بالدمج بين القوة الجوية والقوات الخاصة. هكذا تورط سلاح الجو الإسرائيلي اكثر فاكثر في الحرب الصغيرة التي خاضها الجيش ضد الفلسطينيين، وتوسيع مهامه قوبل عامة بشكل جيد.
عضو الكنيست يوفال شتاينتس، الرئيس السابق لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، كان أحد الإسرائيليين القليلين الذين شككوا بفائدة منح أفضلية عالية إلى هذا الحد لسلاح الجو، سواء على مستوى الموازنة أو على مستوى المذهب القتالي. شكوكه بكل ما يتعلق بنجاعة الرد الجوي الحصري على الأعداد الكبيرة لصواريخ الكاتيوشا التي نشرها حزب الله بقيت جانبا. صحيح أن سلاح الجو كان ناجعاً في تدمير الصواريخ بعيدة المدى ومطلقيهم، لكنه لم يكن قادراً على وضع حد للكاتيوشا قصيرة المدى جنوب الليطاني. الحقيقة التي تتحدث، انه على ما يبدو فقط قوات برية تستطيع القيام بمعالجة حاسمة لهذا التهديد لم تستوعب بكاملها من قبل مسؤولي الجيش الإسرائيلي.
رئيس الأركان دان حالوتس كان طياراً خدم قائدا لسلاح الجو (بين نيسان 2000 وتموز 2004). حماسته من القوات الجوية كانت قاطعة. في مقابلة أجراها في العام 2000 أعلن أن القوات الجوية هي العنصر المسيطر في لائحة ردود الجيش الإسرائيلي. وحتى انه أكد في حال التصعيد على طول الحدود مع لبنان، سلاح الجو سيكون العنصر العسكري الأساسي، إذا لم يكن الوحيد، الذي سيقوم بالرد التنفيذي المناسب. في السنوات الأخيرة كنا شهوداً على أعداد كبيرة لضباط سلاح الجو الذين تسلموا مناصب في الجيش الإسرائيلي خارج الخدمة في سلاح الجو. لكن تدفق ضباط سلاح الجو أثّر على التفكير العام للجيش، وخلق جواً ميالاً جداً إلى استخدام القوات الجوية.
في حرب 2006 كان معروفاً أن حالوتس يعارض الاجتياح البري إلى لبنان. وكما قال، خطوة كهذه تنفذ فقط كخيار أخير. احتل سلاح الجو أساس خطة الطوارئ التي أعدها الجيش الإسرائيلي لمواجهة التصعيد على الحدود الشمالية نتيجة عملية خطف من قبل حزب الله، لكنها كانت تتضمن أيضا استخدام القوات الخاصة داخل لبنان. حالوتس فضّل استخدام سلاح الجو، وعدم المخاطرة حتى بمهمات للقوات الخاصة. في التاسع عشر من شهر تموز، عندما قرر اولمرت وبيرتس إرسال قوات خاصة إلى داخل لبنان في مسعى لمواجهة تهديد الكاتيوشا، امتثل حالوتس للأوامر، لكنه اعتقد أن "إسرائيل" لم تستنفذ كامل المنفعة الموجودة بالضربات الجوية. فقد عارض القيام بعمليات برية واسعة النطاق تقريبا حتى نهاية الحرب. تردده، بالإضافة إلى ارتداع القيادة السياسية من استخدام الجيش البري، سمح لحزب الله بمواصلة إطلاق الكاتيوشا باتجاه "إسرائيل" طوال الشهر.
على الرغم من الانتقادات المذكورة أعلاه، على ما يبدو أن المنظومة الجوية كانت لتعتبر أنها نجحت لو توقف القتال بعد أيام معدودة. "إسرائيل" ردت بقوة وجبت ثمنا باهظا على استفزازات حزب الله، مع أضرار قليلة لها. مسار العملية كان متناسبا مع اقتراح اللواء احتياط ديفيد عبري على وزير الدفاع في الأيام الأولى للحرب. لكن الحرب تواصلت من دون توقف، القوات البرية تورطت بالتدرج، وصليات الكتيوشا استمرت، وأدت إلى نتيجة استراتيجية مختلفة تماماً.
فشل إضافي في إدارة الحرب من جانب "إسرائيل" كان إخفاق القيادة بالاعتراف أن المعركة ضد حزب الله هي حرب، وليس فقط عمليات انتقامية، أو نوع من الرد العسكري المحدود. الحكومة لم تعلن عن وضع طوارئ، ولم تستخدم صلاحياتها الإدارية والقانونية في أيام الطوارئ. حتى القيادة العسكرية لم تفهم بسرعة أنها في خضم حرب، حيث قامت من بين بعض الأمور بعرقلة تجنيد الاحتياط الذي كان ضروريا لعملية عسكرية واسعة.
هذا الارتداع من استخدام قوات برية ناتج أيضا من الخوف الزائد بوقوع إصابات، وهو خطأ استراتيجي رابع. وبالفعل، اللواء اليعيزر شترن، رئيس القوى البشرية، اشتكى بعد الحرب أن الجيش الإسرائيلي اظهر "حساسية كبيرة" أمام فقدان الأرواح، وكشف حقيقة أن إحدى المعارك في الحرب توقفت بسبب حجم الإصابات. ومثال آخر على ذلك، اللواء احتياط يورام يئير، الذي ترأس إحدى لجان التحقيق التي أنشأت من قبل الجيش بعد الحرب، وجه انتقادات إلى القرارات غير المرضية الصادرة عن الجيش لإنهاء مهمات عسكرية بسبب الإصابات، وأشار أن نصيحة "القتال بحذر" أعطيت في أحيان متقاربة.
الارتداع من توجيه قوات برية إلى ميدان المعركة أغلق فجوة عميقة بين قيادة "إسرائيل" وشعبها. القيادة السياسية لـ "إسرائيل" مقتنعة، وبخطأ، أن المجتمع الإسرائيلي تعب من النزاع المتواصل، وانه غير مستعد لدفع ثمن حرب لا تتوقف. أيهود اولمرت، في منصبه كنائب رئيس الحكومة، قال في الخطاب المشهور الذي ألقاه في تموز العام 2005، "لقد تعبنا من القتال، تعبنا من أن نكون شجعاناً، ومن الانتصار، ولقد تعبنا من هزيمة أعدائنا ..."، هذه الملاحظات تعكس الشعور بالتعب في المستوى القيادي. حتى متخذو القرارات في عملية أوسلو، وبشكل خاص يتسحاق رابين، كانوا مليئين بشعور كهذا والنظرية الخاطئة عن المجتمع الإسرائيلي. قرار الحكومة في أيار العام 2000 بالانسحاب من لبنان، كان تعبيرا إضافيا عن هذه العلامة.
النظرية الخاطئة امتدت أيضا إلى المستويات العسكرية الكبيرة جدا. في بداية العام 2004، أعلن رئيس الأركان حينها موشيه يعلون، أن الحلقة الضعيفة جدا في المؤسسة الأمنية التابعة لـ "إسرائيل" كانت فقدان قوة صمود الجمهور. ومثال على ذلك أيضا، اللواء بني غانتس، قائد المنطقة الشمالية، اعترف انه قلق حقا من الصواريخ الموجودة بحوزة حزب الله، لكنه قلق اكثر من قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود أمام ضغوط الحرب.
الحالة النفسية هذه التي سادت وسط القيادة السياسية في "إسرائيل" منذ التسعينات، أثرت على مسؤولي الجيش في الحرب الأخيرة ضد حزب الله، والامتناع عن وقوع خسائر تحول إلى الخطة الأساسية لأسلوب عمل الجيش الإسرائيلي. وقد ادعى رجال أكاديميين أن "إسرائيل"، كما ديمقراطيات غربية أخرى، تجد صعوبة في خوض حرب بسبب الامتناع عن وقوع خسائر. عمليا، تظهر أبحاث كثيرة أن كره وقوع خسائر لا يميز ما يسيطر على الجمهور العام في الولايات المتحدة، على العكس، القيادة السياسية الأمريكية تستطيع التوجه إلى مخزون كبير من الدعم في معارك عسكرية مرتبطة بأثمان عالية في الأرواح، لكن بشرط أن يكون لهذه المعارك فرص النجاح. الجمهور الأمريكي لا يكره الخسائر لكنه يكره الهزيمة. اكثر من ذلك، الخسائر الكبيرة والمتزايدة تكون محمولة إذا كان أهداف المهمات العسكرية تعتبر مهمة من الناحية السياسية.
هذا الأمر واضح وجلي للعين حتى في "إسرائيل". صحيح أن الحاجة لمنع وقوع خسائر مفهوم، لكن المجتمع الإسرائيلي اظهر قدرة صمود كبيرة خلال الحرب. المجتمع الإسرائيلي عاد واظهر قدرة صمود عالية حتى في حروب الاستنزاف، وبشكل خاص في المعركة الإرهابية التي بادر إليها الفلسطينيون في أيلول 2000. في حقيقة الأمر، اختلف الجمهور الإسرائيلي في الاستطلاع الذي جرى في الفترة الأخيرة على مقولة أن "الإرهاب الفلسطيني سيحطم المجتمع الإسرائيلي"، لأنه شعر أن قوته في خاصرته.
في صيف 2006، بالأخذ بالحسبان التهديد الواضح الذي مثله حزب الله، كان دعم الجمهور حماسياً وأيد بشكل واسع العمليات الهجومية، حتى عندما كان لا مفر من وقوع خسائر في الجيش. العمق الإسرائيلي اظهر الحزم والاستعداد لتحمل ضيم المعارك. الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين قدمت دعما كاملا خلال الحرب. فقد أرادوا الانتصار القاطع، وكانوا مستعدين لدفع ثمناً باهظاً مقابله، بما فيهم الذين عاشوا في الملاجئ. حتى الأهالي الذين خسروا أبنائهم في الحرب أيدوا توسيع العمليات.
كذلك أيضا، على الرغم من النظرية المقبولة بأن الجيش الإسرائيلي لم ينجح كثيرا في الحرب بلبنان، لم يحصل أي انخفاض في محفزات المجندين الجدد للخدمة في الوحدات القتالية. العميد ناسيم بردا، رئيس قسم التخطيط في شعبة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي، قال في تشرين الثاني 2006، "لم يكن هناك أي انخفاض، وبشكل عام حصل ارتفاع معين". حسب كلام بردا فقد فضل المجندين الخدمة في الوحدات التي عانت من خسائر.
من الناحية الاستراتيجية، ارتداع "إسرائيل" عن إدخال قوات إلى ميدان المعركة كان خطوة مضرة، لأنها تشير إلى ضعف. النظرية التي سادت في أنحاء العالم العربي، بان المجتمع الإسرائيلي حساس بصورة متطرفة أمام الخسائر البشرية، سببت بشن هجمات، فقد كانت النظرية التي حركت الفلسطينيين للبدء بمعركة الإرهاب ضد "إسرائيل" في أيلول 2000. هذه الرؤية هي أيضا القاعدة لنظرية "بيت العنكبوت" فيما يتعلق بـ "إسرائيل"، التي نشرها السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله، أي بمعنى، الحرص الذي وضعته "إسرائيل" على قيمة الحياة البشرية وكذلك قيم الغرب التبجحية، أضعفوها وحولوها وعرضوها للضرر.
الخوف من وقوع خسائر وسط الجنود، والتردد الناتج عن ذلك من قبل القيادة في "إسرائيل" للقيام بعمليات عسكرية، شكلا خرقا للرؤية الاجتماعية الأساسية التي قامت عليهم دولة "إسرائيل". وفقاً للرؤية الاجتماعية، يتنازل المدنيون عن جزء من حريتهم ومستعدون لدفع ضريبة مقابل التزام الدولة بمنحهم الأمن. الدولة هي المؤسسة الاجتماعية، التي جدوى وجودها هو منح الناس الأمن عبر استخدام أجهزة فرض القانون، مثل الشرطة والجيش. المنطق الصهيوني ارتكز على السعي إلى وضع حد لعدم مقدرة يهود الشتات، بإقامة دولة يهودية يكون دورها الأساسي الدفاع عن مواطنيها اليهود، وإذا دعت الحاجة بالقوة. لقد كنا في الفترة الأخيرة شهوداً على تحول لا يصدق للمنطق الصهيوني والسياسي، يوجد اليوم تحمل اكبر بكثير اتجاه وقوع خسائر مدنية من وقوع خسائر وسط الجنود. ليس دائما الدفاع التام هو هدف واقعي، لكن يبدو أن الدولة اليهودية تجد صعوبة بالقيام بدورها الأساسي، بمنح الأمن لمواطنيها.
حتى المساعي العلنية لـ "إسرائيل" لتهدئة سوريا خلال الحرب لم تكن مفهومة، وشكلت الخطأ الاستراتيجي الخامس من قبلها. قادة "إسرائيل" أعلنوا تكرارا انه لا نية لـ "إسرائيل" لتوسيع عملياتها العسكرية اتجاه سوريا. على سبيل المثال فقد قال رئيس الحكومة اولمرت، أن سوريا هي خارج إطار العمليات العسكرية. وزير الدفاع بيرتس قال للصحافة ولمجلس الوزاري المصغر انه لا يوجد لـ "إسرائيل" أي نية لتوسيع الحرب وشمل سوريا فيها. حتى انه بعد ذلك دعا إلى استئناف مفاوضات السلام مع سوريا. اللواء غادي آيزنكوت، رئيس شعبة العمليات في الأركان العامة، أشار بان "حزب الله أطلق علينا صواريخ سورية"، لكنه أكد أن الجيش الإسرائيلي لا يدرس مهاجمة سوريا.
بدل الضغط على دمشق لوقف إرسال شحنات الأسلحة إلى حزب الله، السلاح الذي تسبب بأضرار كبيرة في "إسرائيل" ومكّن منظمة صغيرة من معارضة الحكومة المركزية في لبنان، خرج قادة "إسرائيل" عن طورهم للإيحاء لسوريا أن دمشق تستطيع مواصلة سفك دماء "إسرائيل" عبر مندوبين، من اشعارها أنها مضطرة لدفع ثمن على تصرفاتها الهجومية. في تصريحاتها الاسترضائية، وفرت "إسرائيل" على السوريين الحاجة إلى التفكير بما ستكون نتائج سياساتهم الهجومية اتجاه "إسرائيل".
المخاوف من التصعيد خيمت على الاعتبارات الاستراتيجية لحكومة "إسرائيل" في صيف 2006. اولمرت رفض الاقتراح الذي قدمه له اللواء احتياط مئير دغان، رئيس الموساد، في اليوم الأول على الحرب، بإضافة أهداف سورية على لائحة الأهداف التي أعدها سلاح الجو, اولمرت ونظرائه تجاهلوا حقيقة انه في السابق، كان التصعيد أداة ناجعة بإلزام خصوم "إسرائيل" باتفاقات وفقا لشروطها. القيادة الإسرائيلية كانت تستطيع محاكاة القيادة التركية في تشرين الأول 1998، حيث كان كافيا توجيه تحذير نهائي من قبل أنقرة وإصرارها الحازم باستخدام قوات كبيرة ضد سوريا، الأمر الذي فرض على حافظ وقف الدعم السوري المتواصل للمنظمة الكردية، PKK. للأسف الشديد، القيادة الإسرائيلية لم تتعلم من السابقة التركية وتقطع المساعدة السورية لحزب الله.
تفويت الفرصة من قبل "إسرائيل" كان كبيرا لان الظروف الدولية في العام 2006 جعلت سوريا عرضة للضغط العسكري. علاقاتها مع الولايات المتحدة، والقوى العظمة المسيطرة في العالم كانت متزعزعة. يضاف إلى دعم حزب الله، استمرار دمشق في إيواء قيادة حماس والجهاد الإسلامي، على الرغم إلى انه في السابق تعهدت للولايات المتحدة إغلاق مكاتبهم. سوريا عرقلت المحاولات الأمريكية والفرنسية لإعادة قوة لبنان، بشكل خاص بعد مقتل رئيس الحكومة رفيق الحريري في شباط 2005. كانت واشنطن تعلم جيدا أن نظام بشار الأسد سمح بتسلل المقاتلين من أراضيه إلى العراق، والرئيس بوش أوضح انه يرى بسوريا المسؤولة عن الأزمة في صيف 2006. في اجتماع الرباعية في روسيا في السابع عشر من شهر تموز 2006، مكبر الصوت الذي بقي مفتوح التقط بوش وهو يقول ما يمكن أن يؤثر على سوريا. حتى أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك توصل إلى استنتاج انه لا يوجد سبب للدخول في محادثات مع سوريا، وان موقف بلاده متماثل مع الولايات المتحدة. في العالم الغربي ظهر شعور معادٍ لحزب الله، وتم الإعراب أيضا عن الغضب اتجاه حزب الله وعلى حلفائه، سوريا وإيران، بسبب تقويضهم المنطقة والتسبب بالأزمة.
بالامتناع عن مهاجمة أهداف سورية، فوتت "إسرائيل" الفرصة المحتملة لضرب منظومة الصواريخ السورية طويلة المدى التي تشكل تهديداً على أغلبية أراضي "إسرائيل"، والتي من المحتمل أن تسبب، كاحتمال، أضراراً كبيرة. سوريا كانت ضعيفة من الناحية العسكرية، ولم تكن قادرة على مواجهة إسرائيل في حرب تقليدية. يضاف إلى ذلك، كما ظهر في لبنان، وجود القدرة لسلاح الجو الإسرائيلي على إسكات الصواريخ بعيدة المدى (بخلاف الكاتيوشا قصيرة المدى). المخاطر المتعلقة بالتصعيد الإقليمي كانت قليلة. لم تكن إيران في وضع تستطيع فيه التدخل مباشرة. اكثر من ذلك، فقد حاولت كسب الوقت من اجل إكمال مشروعها النووي، ولا يفترض أن ترتكب خطأ لتعجيل الإجراءات الدولية التي تهدف إلى وقف تطلعها النووي.
سوريا هي مركز الثقل الاستراتيجي في المواجهة ضد حزب الله. معركة ناجحة ضد سوريا يمكن أن تضعف حزب الله، وربما في أعقاب ذلك أيضا تعزيز حكومة السنيورة. عملية عسكرية ضد سوريا كان يمكن أن تلمح بوضوح إلى إصرار "إسرائيل" على مواجهة تهديدات الإرهاب ومندوبي إيران، وتعزيز قوة الردع الإسرائيلية. معركة كهذه كانت تضعف أيضا التأثير الإيراني في المنطقة. كذلك أيضا، كانت تضر بقدرة إيران على الانتقام في حال هوجمت منشآتها النووية. ولا يقل أهمية عن ذلك، معركة كهذه تستخدم عبرة لكل المتطرفين الذي يعتقدون أن الإرهاب يفيد ضد قوى متفوقة من الناحية العسكرية. عمليا، الفلسطينيين، الذين تأثروا كثيرا من نجاحات حزب الله في السابق، كانوا يقيسون أهدافهم وفقا لذلك. وفي النهاية، لكانت الولايات المتحدة راضية برؤية حليفتها الإقليمية توجه ضربة خاطفة إلى دمشق.