كيف يبدو كيان العدو الاسرائيلي بعد 65 عاماً على نشوئه، وما هي التهديدات التي تواجهه في ظل الحديث عن الخطر النووي الإيراني؟ وما يسمى ثورات الربيع العربي وخطر اندلاع انتفاضة ثالثة والاهم خطر اندلاع حرب مع لبنان؟. هذا السؤال حاولت الإجابة عليه صحيفة "إسرائيل اليوم" في عددها الصادر بمناسبة ما يسمى عيد الاستقلال الخامس والستون، عبر جولة ميدانية على الجبهات المختلفة بدءا من حدود سيناء وغزة، مرورا بالضفة الغربية والحدود الأردنية وصولا إلى الحدود الشمالية مع سوريا ولبنان.
الحدود الجنوبية
الاستنتاج الأولي للأوضاع على الحدود الجنوبية هو أن سيناء أصبحت ساحة مواجهة. فالفرقة المناطقية، التي كانت منذ وقت غير قصير هدفا لعيش ضباط وهدفا للاستجمام لأغلبية عناصر الاحتياط، أصبحت قطاعا حربيا من كل النواحي: الوسائل، الموازنات والقوة البشرية.
خطر التهديدات، بشن هجمات أو تنفيذ عمليات خطف هي الضريبة الصغيرة على هذه الحدود. وسط هذه المعمعة، توجد إيلات، بكافة سكانها وسياحها، هدفا جذابا ومريحا بالأخص. ففي الأسبوع الفائت فقط بُشرنا بأن "القبة الحديدية" نُشرت في المدينة، خوفا من إطلاق صواريخ من سيناء.
واضافت الصحيفة أن "قسم من "الإرهاب" يأتي من غزة، وقسم آخر من سيناء. أحيانا يدور الحديث عن فلسطينيين، وأحيانا عن بدو. وفي الآونة الأخيرة، بدأ يصل إلى سيناء أصناف من اللاجئين المسلمين، خريجي حروب في العراق وفي أفغانستان، هم يفتشون عن مصلحة وفوضى ويمتلكون خبرة حربية غنية - وجع رأس كبير في قطاع واسع، تبذل فيه ليس جهود عملانية فحسب إنما أيضا رغبة بإبقاء طرقات ومسارات تنزه مفتوحة".
وأشارت الى انه "مع كمية غير محدودة تقريبا لوسائل قتالية وعدو موجود، من الصعب رؤية كيف بقيت الحدود الجنوبية هادئة. في ظل هذه الظروف، التحدي ليس فقط بمنع الإرهاب، إنما بفعل ذلك من خلال تجنب المس بالسلام مع مصر. الطريق للعودة إلى البيت بسلام هو التشويش (الاستخبارات هي اسم اللعبة)، التعاون (بالخضوع لقدرة ورغبة مصر) والأمل بأن يصبح لدينا القليل من الحظ".
حدود غزة: هدوء حذر
وقالت الصحيفة إنه "حصل في الأيام الأخيرة تقوّض مقلق في التفاهمات التي أحرزت في تشرين الثاني الماضي. صواريخ القسام التي أطلقت نحو عسقلان وسديروت، قذائف الهاون التي أطلقت باتجاه مستوطنات النقب. كذلك الاتفاق الذي أُحرز - وأبرز بنوده وأهمها هو الجهاز الدولي بمشاركة مصر والولايات المتحدة، الذي خصص لإحباط عمليات تهريب السلاح إلى غزة - بدا ناجعا أكثر مما قدّرنا، لإرعاب حماس. المصريون أوقفوا عدة قوافل (في الأسبوع الفائت أيضا سفينة)؛ دافعهم ليس صهيونيا، إنما رغبتهم هي السيطرة على حماس، منع غزة من الانزلاق إلى أرضهم، وخصوصا تجنب تحويل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني إلى مواجهة إسرائيلية - مصرية".
وبحسب "إسرائيل اليوم" فإن "الحوافز المصرية هذه فاجأت حماس. في محنتها، بعد انفصال دائم، عادت المنظمة لطلب المساعدة بالمال والسلاح من إيران. في المدى القصير، حماس مكبوحة، لكن في المدى البعيد ستضطر لدفع الثمن دما. سيحصل هذا الأمر عندما سينتهون في المنظمة من ملء المخازن التي فرغت في عامود السحاب".
ولفتت الى ان "الجولة القادمة، من جهتهم، ستبدأ من نفس النقطة التي انتهت فيها الجولة السابقة: بإطلاق الصواريخ نحو "تل أبيب". الطموح في غزة سيكون خلق قوة نارية تتيح توجيه ضربة قاسية جدا لوسط البلاد، وإذا أمكن فستستخدم أيضا وسائل متطورة مضادة للطائرات".
الأردن وتشابك المصالح
وتابعت الصحيفة أن "تسخين الحدود مع مصر والثورة في سوريا تركا الحدود الأردنية، وحدها، كحدود حقيقية للسلام. رغم الخلافات والحنق السياسي، لكن التعاون الأمني وثيق جدا. وتفسير ذلك بسيط: أعداء "إسرائيل" هم أعداء المملكة، وأعداء المملكة هم أعداء "إسرائيل". نفس الجهات الإسلامية ونفس المجموعات الإرهابية التي تهدد بشكل مباشر المملكة، تهدد أيضا "إسرائيل"؛ ومن يريد إيقاف الإرهاب هنا، يجب أن يمنع سقوط النظام هناك. اليوم عمان، وغدا تل أبيب".
واضافت "لكن هنا أيضا، كما في الجنوب، الهدوء مضلل. من الصعب معرفة كم من الوقت سيصمد النظام الهاشمي أمام مطالب المدنيين بالتغيير. الاقتصاد متشنج، الشعب يطالب بالإصلاحات، والوضع الديموغرافي مقلق"، لافتةً إلى أن "الحرب في العراق جلبت إلى الأردن بضع مئات الآلاف من اللاجئين الشيعة، الحرب في سوريا جلبت بضع مئات الآلاف من اللاجئين السّنّة، الذين يضغطون معا على النظام، الذي اضطر لمواجهة محاولات إيران ومجموعات إرهابية متطرفة من تنظيم القاعدة، لإسقاط المملكة وتحويل الأردن إلى فرع إسلامي".
وقالت إن ""إسرائيل" مثل الدول الخليجية والولايات المتحدة، تشارك في جهود منع تحويل الأردن إلى دولة معادية، لكن مستحيل ألا يستعدوا لذلك. بهدوء- تم البدء برسم الخطوط التي سيُقام فيها السياج في الحدود مع الأردن، كذلك في الحدود مع مصر وسوريا".
الضفة الغربية ووهم الهدوء؟
في الأشهر الأخيرة تم الحديث كثيرا عن انتفاضة ثالثة؛ حاليا تتفق كل أجهزة الإستخبارات، والتقدير هو أن لا علامات لذلك على الأرض، ولكن تبقى هذه المعطيات مقلقة. واشارت الصحيفة ايضاً إلى أن "عدد حوادث الإخلال بالنظام ارتفعت دراماتيكيا، وكذلك أيضا عدد عمليات رمي الحجارة والزجاجات الحارقة. وعندما نضم إلى ذلك جفاء سياسي متزايد بين القيادة والسعي الفلسطيني الذي يحمل ثمار عدم شرعية إسرائيل في العالم، لسنا بحاجة إلى عين ثاقبة لفهم إلى أين قد يؤدي كل ذلك".
سوريا واليوم التالي
وتابعت "إذا تناسينا الأحداث الأخيرة في الجولان، يمكن الاعتقاد أن الحديث يدور عن حدود هادئة. لكن نظرة واحدة أعمق تكشف الحقيقة: ما وراء العين ينمو واقع أمني معقد، الأكثر إشكالية في الحدود التي تحيط بنا". واشارت الى ان "الرد الإسرائيلي على حوادث اطلاق النار على الحدود وانزلاق عدد من القذائف السورية الى الجولان المحتل يتلخص حاليا بـ "إشارات". إطلاق صواريخ أو قذائف على مواقع تطلق منها النيران بالخطأ، في محاولة للردع في المرة القادمة. فالأكمول (بنادول) جيد لتخفيض الحرارة، لكنه لن يعالج المرض بحد ذاته - سيطرة الجيش السوري تتهاوى، ويتهاوى معها الشعور العام بأن الحدود في الجولان أصبحت في الأربعين عاما الأخيرة الأهدأ".
واضافت ان "الصحيح حتى اليوم، من يدّعي أن لديه فكرة كيف ستبدو سوريا - وكيف ستبدو الحدود معها - في اليوم الذي يلي الأسد، هو إما نبي وإما مشعوذ. عدد السيناريوهات غير محدود. ومع ذلك، طالما الأسد يمسك بالسلطة والقتال يدور في داخل سوريا – "إسرائيل" آمنة نسبيا، والقلق الوحيد هو من نقل وسائل قتالية متطورة إلى حزب الله أو من سقوطها في أيدي الثوار".
واعتبرت "لكن، في اليوم الذي يلي الأسد، كل خيار ممكن. دولة واحدة في نظام سنّي، ديني أو مدني؛ التشعب إلى دول فرعية: علوية على ساحل البحر، كردية في الشمال، درزية في الجبل وسنّيّة في معظم الأراضي؛ حرب أهلية مستمرة مع عنف بمستويات مختلفة؛ وحتى نظام حديدي جديد".
ورات ان "من غير الواضح لأحد من سيترأس هذه الأنظمة، وإن كان سيصبح عدونا أو صديقنا. لكن القلق الأساسي، المباشر، هو ماذا سيحدث في الحدود. في الجانب الإيجابي، يُحكى أن السوريين بحجمهم المعروف لن يكونوا على الأسيجة؛ كما يبدو لا تظهر الكثير من الدبابات في الجولان والمدافع من مديات مستوطنات إسرائيلية".
ولفتت الى ان "هناك طرف آخر، مظلم كثيرا: فقد تدفق إلى سوريا في الأشهر الأخيرة بضع مئات من مقاتلي القاعدة من العراق، المنشغلون حاليا بمحاربة الأسد وجيشه لكن في اللحظة التي سينتهون من ذلك قد يتجهون ضدنا. الدلالة المباشرة قد تكون إرهابا في الجولان، الدلالة غير المباشرة هي احتمال السيطرة على السلاح الأكثر إشكالية - مع التأكيد على قذائف وصواريخ - وإطلاقها نحو قلب البلاد".
حدود لبنان والردع
واضافت ان "التهديد الذي يشكله حزب الله أمام "إسرائيل" محدد، واضح ومعروف. رئيس أمان تحدث عما يقارب 100 ألف صاروخ وقذيفة، لكن العدد الدقيق في الحقيقة لا يفرق. فلدى المنظمة قدرة على استهداف كل نقطة في فلسطين المحتلة، وخلق قوة نارية من آلاف القذائف كل يوم في الحرب القادمة.
إلى جانب القدرة النارية المؤثرة هذه (التي تضم صواريخ سكود تصل إلى ديمونا أو إلى إيلات) حصّن حزب الله قرى جنوب لبنان بغية تحويلها إلى فخ لقوات الجيش الإسرائيلي التي ستجتاح لبنان. الفكرة واضحة: ردع "إسرائيل" عن التفكير بشن حرب، لكن في حال اندلاع حرب كهذه فإلحاق أكبر كمية ممكنة من الإصابات في الداخل الذي سيمحق الرغبة الإسرائيلية بمواصلة القتال، وسيشعل في المنطقة فكرة المعادلة التي رفعها حزب الله بوجه الجيش الإسرائيلي القوي - وكان قادرا عليها".
وتابعت "لكن حزب الله يعرف أيضا أنه من أجل إنهاء هذه المعادلة هو بحاجة لمزيد من المكونات الإستراتيجية على وجه التحديد. قدرة كبيرة ضد الطائرات، وقدرة متطورة ضد السفن. في الآونة الأخيرة عزز جهوده للتزود بصواريخ متطورة ضد الطائرات من سوريا، واضطر إلى التغاضي عن استهداف بطارية الـ 17SA بالقرب من دمشق وضبط نفسه. علامة استفهام كبيرة موضوعة اليوم حول رغبته بالتزود بسلاح كيميائي أيضا، سيمنحه في الحقيقة ردا مهما لكن سيدخله في لائحة موبوءة وسيورطه سياسيا في العالم وفي المنطقة وفي داخل لبنان".
ورأت أن "هذه المعادلة بالطبع طرف آخر، هو إسرائيل. حزب الله يعرف أنّ في الحرب - أي حرب - إسرائيل تريد تغيير الوعي الذي تمّ كيّه في عام 2006، وإنهاء المعركة حيث يكون من الواضح للجميع من انتصر ومن خسر. تكفي التصريحات العلنية التي أطلقتها "إسرائيل" لفهم أن الجيش الإسرائيلي كله يتدرب ويستعد لمعركة كهذه، ولذلك تحرص هذه المنظمة على الانضباط التام على طول السياج، بما في ذلك التغاضي عن الاستهداف الكبير لممتلكاتها مثل صواريخ الأرض - جو واغتيال قائدها، عماد مغنية، الذي تنسبه منشورات أجنبية لإسرائيل".
وزعمت انه "في ظل محنته، ومن أجل الحفاظ على لهيب المواجهة فعالا، وجه حزب الله أساس جهوده لاستهداف إسرائيليين خارج البلاد، والتي أيضا ببصمات منخفضة لتجنب أي علامة على مسؤوليته عنها خوفا من الانجرار إلى حرب في الشمال".
واعتبرت انه "إضافة إلى الردع الإسرائيلي، العامل الذي يلجم اليوم حزب الله هو الوضع في سوريا. تزعزع نظام وموقع الأسد، الحليف المقرب والمزود الأساسي بالسلاح لحزب الله، يغير كل أسلوب تصرف وتفكير المنظمة. في محاولة لمساعدة صديقه السوري وجد حزب الله نفسه ينجر إلى أتون الحرب في سوريا، ويجر إلى أتونها الكثير من قواته النخبوية، التي تقاتل فعليا ضد الثوار وتساعد الأسد على الحفاظ على مكتسباته الإستراتيجية".
وقالت "ثمة شك إن كانت هذه المساعدة اللبنانية ستنقذ الأسد ونظامه. في اليوم الذي سيسقط فيه قد يرتأي هو أو داعموه الانضمام إلى حزب الله، وإنشاء مقاطعة أو دولة مشتركة في شمال لبنان، على شاكلة إقليم برعاية إيرانية، شيعية - علوية وذلك على طول البحر. هذا الخيار يقلق جدا الأقليات الأخرى في لبنان، ويشغل أيضا حزب الله الذي يحاول الظهور - على الأقل داخل لبنان - كعنصر سياسي يدافع عن الدولة وليس كمحتل لها. في مقابلة لـ "إسرائيل هيوم" عشية عيد الفصح، قدّر قائد المنطقة الشمالية أنه في نهاية الأمر سيسطر الشيعة بالقوة على لبنان لإيقاف سيل اللاجئين السنة الذي يأتي من سوريا، ويجعلونها فعليا دولة حزب الله".
وختمت "ماذا يعني هذا الأمر بالنسبة لنا؟ حاليا ليس الكثير. الحدود اللبنانية هادئة، والشمال ينمو وتنشط فيه السياحة. في حال اشتعل الوضع فلن تكون مشكلة سكان مسغاف عام أو معلوت فقط، إنما مشكلتنا جميعا".