حسان ابراهيم
النتائج شبه النهائية للانتخابات "الاسرائيلية"، تظهر تعادلاً في عدد المقاعد، بين احزاب وكتل اليمين، واحزاب وكتل الوسط واليسار، بما يشمل الاحزاب العربية. كل من المعسكرين حصل على ستين مقعداً، من اصل 120، هي كامل عدد اعضاء الكنيست. الامر الذي يقدر له ان يؤدي الى صعوبات، حيال تشكيل الحكومة "الاسرائيلية" العتيدة، او حيال أدائها وقراراتها، في حال تشكلها بالفعل.
النتائج شبه النهائية تظهر ان ائتلاف "الليكود ـ اسرائيل بيتنا"، حصل على 31 مقعدا، بينما حصل الحزب الجديد، المسمى "يش عتيد"، برئاسة الاعلامي يائير لبيد،على 19 مقعدا، وهو من الاحزاب الموصوفة بوسطيتها. اما الحزب الثالث في الكنيست المقبل، من حيث عدد المقاعد، فهو حزب "العمل" التاريخي، الذي حصل على 15 مقعدا، مسترجعاً دوره ومكانته في الحلبة السياسية، علما ان رئيسة الحزب، شيلي يحيموفيتش، كانت قد اكدت في السابق انها في غير وارد الانضمام لائتلاف حكومي، برئاسة رئيس الحكومة المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو.
وبحسب النتائج، حل حزبا "شاس"، الديني اليميني، وايضا حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، في المرتبة الرابعة، مع 11 مقعدا لكل منهما، اما في المرتبة الخامسة، فحل حزب "يهودات هاتوراه"، اليميني للمتدينين الاشكناز، في حين حل حزب الحركة، الوسطي، برئاسة تسيبي ليفني، في المرتبة السادسة، مع ستة مقاعد، متعادلا مع حزب ميرتس اليساري، مع ستة مقاعد ايضا، اما المفاجأة الاخرى اضافة الى حزب "يش عتيد"، فكان حزب كاديما برئاسة وزير "الدفاع" السابق، شاؤول موفاز، الذي نجح في تجاوز نسبة الحسم المطلوبة لحساب الاصوات، وحصل على مقعدين.
الاحزاب العربية، وبموجب اقبال لم يكن متوقعا من جانب ناخبي الأراضي المحتل عام 1948، فحصلت على 12 مقعدا، وهي اعلى بثلاثة مقاعد، مما كانت تتوقعه استطلاعات الرأي المنشورة اخيرا في "اسرائيل"، الامر الذي سحب من توزيع القوى بين اليمين والوسط واليسار، مقاعد كانت لتكون حاسمة لجهة تأثيرها وفاعليتها، حيال المعسكرين، وكان من شأنها ان تعلن فوز احدهما على الاخر.
مع ذلك، تتوجب الاشارة الى ان النتائج، يمكن ان تتغير، بشكل محدود، بعد انتهاء وحساب اصوات الجنود والمؤسسات الامنية في اسرائيل، اذ من شأنها ان تعزز من حزب كاديما، وتنقل اصوات ما بين الاحزاب الدينية وعلى حسابها باتجاهات اخرى، كما ان من شأنها، ان تضعف الاحزاب العربية، الا انه رغم ذلك، لن يتغير المشهد المقبل كثيرا، لجهة الصعوبات المتوقع ان يواجهها اي مكلف بتشكيل الحكومة "الاسرائيلية" المقبلة، لتقارب المعسكرين لجهة عدد المقاعد.
جداول زمنية للتكليف والتأليف
رغم ان نتائج الانتخابات ستحسم قريبا، من دون كثير من هامش الخطأ، نظرا الى طبيعة النظام الانتخابي النسبي كدائرة واحدة في كل اسرائيل، اضافة الى نسبة الحسم لتعداد الاصوات وحساباتها، الا ان القانون "الاسرائيلي"، يفرض على لجنة الانتخابات ان تتمهل لاعلان نتائجها النهائية الرسمية، ثمانية ايام، وبالتالي سوف تعلن هذه النتائج يوم الاربعاء من الاسبوع المقبل، وحينها يمكن للرئيس "الاسرائيلي" شمعون بيريز، البدء بمشاوراته مع الكتل، بعد ان ينعقد الكنيست الجديد برئاسته، ليعلن في اعقابها، اسم الشخصية التي يرى انها تصلح من وجهة نظره، وبموجب الاستشارات النيابية، لتشكيل الحكومة العتيدة.
ولا يفرض القانون الاسرائيلي على بيريز، تسمية رئيس اكبر كتلة في الكنيست، بل يتيح الفرصة له، ان يسمي من يراه مناسبا وقادرا على تشكيل حكومة، يرى انها ستكون مستقرة، مع سهولة في تشكيلها، وتمنع التناحر داخلها، ما يعني ان هامش المناورة لدى بيريز، ستكون كبيرة، في حال قررت احزاب وتكتلات الوسط واليسار، الاتحاد في ائتلاف ما، برئاسة رئيس احدى الكتل، رغم ان سيناريو كهذا، مستبعد جدا، لكنه ممكن من ناحية نظرية.
بعد تسمية الرئيس المكلف، يبدأ الاخير مشاوراته الائتلافية، ولديه مهلة 28 يوما لاعلان تشكيلته، والا تنتهي مفاعيل التسمية، ويعود بيريز لمشاورات جديدة مع الكتل، لتسمية من يراه بديلا ومناسبا، اما في حال لم يستطيع المكلف الثاني من تشيكل الحكومة، فيجري العمل على تعيين موعد جديد لانتخابات نيابية مبكرة.
التقدير ان يعمد بيريز الى تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة، يوم السبت من الاسبوع المقبل، على ان يبدء رحلة طويلة من الاستشارات والنقاشات الائتلافية، وصولا الى اتفاقات مع الاحزاب والكتل، مع سعي حثيث لضم حزب "يش عتيد"، وهو ما ظهر من الاتصال المباشر فور انتهاء الانتخابات والاعلان الاولي لنتائج العينات التلفزيونية، بين نتنياهو ولبيد، حيث قال الاول للثاني، انه يراه المرشح الاساسي والطبيعي للانضمام للحكومة المقبلة.
ملاحظات تحليلية على النتائج
اولا. جاءت نتائج الانتخابات "الاسرائيلية"، في اسوأ سيناريو كان يمكن لبنيامين نتنياهو ان يتخيله. المقاعد ال 31 التي حصل عليها، وهي ليست له وحده، بل يشاركه فيها حزب "اسرائيل بيتنا"، اظهرت تراجعا كبيرا جدا في تأييد "الليكود"، باتجاه تأييد احزاب يمينية اخرى، وعلى رأسها حزب "البيت اليهودي"، اليميني المتطرف، الذي تسبب خطابه وطريقة ادائها انتخابيا، في سحب مقاعد "الليكود" الى حسابه.
من هذه الناحية، يمكن اعتبار الليكود خاسرا في الانتخابات، ولولا الاتفاق الائتلافي بينه وبين حزب "اسرائيل بيتنا" برئاسة وزير الخارجية السابق، افيغدور ليبرمان، لكانت الخسارة بيّنة اكثر، بل لكانت الاصوات تأتي مختلفة، وبالتالي النتائج مختلفة، ولا يمنع من انه يكون متساويا، مع حزب "يش عتيد"، الوسطي.. ذلك ان اتحاد الاصوات في الشرائح الناخبة لـ"اليكود ـ بيتنا"، انجت الحزبين، من خسارة فادحة، ومكنت من تقليص حجم التسرب باتجاه احزاب اخرى.
ثانيا: مفاجأة الانتخابات، الاساسية، هي حزب "يش عتيد"، برئاسة الاعلامي يائير لبيد، الذي حصد 19 مقعدا، وبالتالي حل ثانيا في الكنيست المقبل. وهذا الحزب، المرشح ان ينضوي في الحكومة الاسرائيلية المقبلة برئاسة بنيامين نتنياهو، هو حزب علماني، على خصومة او حتى عداء مع الاحزاب الدينية، مثل حزب "شاس" و"يهودات هاتوراة"، للمتدينين السفارديم والاشكناز، لكنه من ناحية النظرة الى الفلسطينيين والاستيطان والقدس، لا يقل تطرفا عنهم، ويكفي ان برنامجه الانتخابي جرى الاعلان عنه في مستوطنات الضفة الغربية.
والخلاف الموجود بين حزب لبيد، والاحزاب الدينية، بل والمتدينين والتدين، يجد تعبيراته وتأثيراته في الشؤون الداخلية الاسرائيلية، وبالتالي لا ينسحب على الفلسطينيين والصراع معهم، او على الاستيطان، وإمكان استئنافه من عدمه، اذ سبق للبيد ان صرح بان الصراع مع الفلسطينيين والتسوية معهم، لا طائل ولا جدوى منها، ليس لانه لا يؤمن بالتسوية، بل لانه لا يجد انها ممكنة في ظل القوى والتوجهات الموجودة لدى الطرفين.
ورغم ان هذا حزب "يش عتيد" مرشح طبيعي للانضمام الى ائتلاف نتنياهو الحكومي، الا انه سيجد صعوبة، في تقبل انضمام حزب شاس المتدين، الى الحكومة، الامر الذي يقدر معه بروز عراقيل كبيرة جدا، من الصعب على نتنياهو القفز عنها او تدوير الزاويا حولها، رغم ان "يش عتيد"، معني بشكل اساسي بالانضمام الى الحكومة، وعدم التسبب بانتخابات مبكرة اضافية، للمقامرة التي سيواجهها في حال حصول ذلك، كما ان حزب شاس، ايضا، ونتنياهو نفسه، معني بان يضم الاثنين معا، وربما هذه هي النقطة شبه الوحيدة التي تلعب في صالح إمكانات نتنياهو بتشكل الحكومة المقبلة.
ثالثا. برز صوت فلسطينيي اراضي عام 1948، في هذه الانتخابات، واستطاعوا الاستحصال على 12 مقعدا، كما تظهر النتائج شبه النهائية. نسبة التصويت لدى الوسط العربي، وصلت الى ما يزيد عن 60 بالمئة، على نقيض من التوقعات السابقة التي اظهرتها استطلاعات الرأي، التي توقعت تدني نسبة التصويت الى حدود غير مسبوقة.
ارتفاع عدد مقاعد فلسطينيي اراضي عام 1948 في الكنيست، يعني سحب مقاعد كانت لتكون حاسمة، في توزيع القوى بين الاحزاب الصهيونية، او الاسرائيلية غير الصهيونية (الدينية)، وكان من شأن ذلك ان يقلب المعادلة، ويرجح كفة جهة على اخرى.
ورغم ذلك، يبقى الصوت العربي، وممثليه في الكنيست، شاهد زور، بلا دور وبلا فاعلية، سوى انهم "كسبوا"، منبرا للصراخ والاحتجاج، بلا فاعلية، يبث عبر شاشات التلفزة ويكتب عنه في الصحف، ام النتائج، فتبقى صفرا.
ويشار الى ان حسابات تصويت الفلسطينيين في الكنيست، كانت لتكون مغايرة جدا، لو انها جاءت كاملة، اي بنسبة تصويت مرتفعة، وتصب في صالح الاحزاب العربية. مع فرضية كهذه، كان بإمكانهم الاستحصال على ما يقرب من 22 مقعدا، وهو امر كان من شأنه ان يقلب المعادلات، ويشكل صدمة، تجبر الاسرائيليين على افعال اكثر عنصرية، مما هي عليه الان، وتظهر بالفعل حجم ومدى ومستوى الديمقراطية التي يتغنون بها، ذلك انهم سيضربون بعرض الحائط كل المقاربة الموجودة حاليا، للحؤول دون تأثير الصوت الفلسطيني.
لكن ما يؤسف له، ان اربعين بالمئة من اصوات الفلسطينيين، تذهب الى احزاب صهيونية، او اسرائيل غير صهيونية (متدينة)، وهو واقع قد يشير بصورة ابتدائية الى نوع من التطبيع، لكنه في حقيقة الواقع يعبر عن يأس وتردد وعدم وجود قيادة وثقة بها، اكثر من كونه شيئاً اخر.
رابعا. رغم ما يقال عن المهل القانونية، وإمكان تعثر نتنياهو وفشله في تشكيل الحكومة، بحسب تصريحات صدرت في اعقاب الانتخابات وظهور نتائج العينات التلفزيونية، وتحديدا من مصادر قيادية في حزب الليكود، الا انه من الصعب تصور الفشل. المتوقع ان ينجح نتيناهو في تشكيل الحكومة، التي بدورها ستحمل عراقيل وعثرات تظهر امامه وامام اي قرار مصيري، او شبه مصيري، بل وايضا في حال اقدم على اجراءات شكلية، لجأ اليها في ولايته الاخيرة، لارضاء الاميركيين والاوروبيين، وتحديدا بما يتعلق بالاستيطان والاخلاء الشكل لبؤر استيطانية في الضفة الغربية.
في الخلاصة. سيعمد بيريز، ما لم يحصل مفاجأة ما، الى تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة العتيدة، لكن سيجد الاخير صعوبة في المداولات والمفاوضات الائتلافية مع المرشحين للانضواء في حكومته، اذ يعلم كل طرف مرشح للانضواء فيها، ان المناورة ضيقة لدى نتنياهو، وسيعمل على استغلال ذلك الى اقصى حد، اما الجمع بين التناقضات والمصالح المتضاربة، فسيكون ممكنا، فقط لان هذه الجهات معنية بانجاح تشكيل الحكومة، وعدم التسبب بانتخابات مبكرة جديدة.
اداء حكومة نتنياهو المقبلة، لا تكون مغايرة كثيرا لاداء سابقتها، ان لجهة الامتناع عن استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، سوى من ناحية شكلية تتيح رفع الضغوط عن اسرائيل، من قبل اميركا واوروبا، او لجهة مواصلة التهديد يمينا وشمالا، تجاه ايران وسوريا ولبنان وقطاع غزة. لا يوجد تصور لائتلاف حكومي، يقوده نتنياهو، وبناء على توزيع المقاعد في الكنيست الجديد، ينبيء بان تغييرا ما سيحصل.