الموجة الاستيطانيّة الجديدة في الضفّة الغربيّة: حكومة مستوطنين تستبيح أراضي الشّعب الفلسطينيّ.
مقدّمة:
يُعدّ الاستيطان في الضفّة الغربيّة سياسةً كولونيالية مركزيّةً ثابتة ومتعدّدة الوظائف، تسعى إسرائيل من خلالها إلى تحقيق ما لم تحقّقه من نكبة عام 1948 من الاستيلاء على أكبر قدرٍ من الأرض مع أقلِّ عددٍ من السكّان العرب.
لقد بلغ عدد المستوطنات في الضفّة الغربيّة المحتلّة 144 مستوطنةً رسميّة [1]، منها ستّ عشرة في مدينة القدس، إضافة إلى أكثر من مئةِ بؤرةٍ استيطانيّةٍ غير رسميّة منتشرة في مختلف أنحاء الضفّة الغربيّة وفي قلب الأحياء العربيّة في القدس، ليبلغ عدد المستوطنين في منتصف عام 2012 أكثر من 550 ألف نسمة، منهم 200 ألف نسمة في القدس الشرقيّة التي ضمّتها إسرائيل في عام 1967[2].
ومنذ تسلّم بينيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيليّة في آذار / مارس 2009، وهي الحكومة التي ضمّت أحزابًا من أقصى اليمين الإسرائيليّ المتطرّف جعلتها "حكومة مستوطنين" بكلِّ ما تعنيه التسمية من معنى، ازدادت وتيرة الاستيطان على نحوٍ غير مسبوق إلى حدّ أصبح بالإمكان وصف الأمر بأنّه استفراد بالشعب الفلسطينيّ وأراضيه. واستغلت الحكومة الإسرائيليّة انشغال العالم بتداعيات الربيع العربيّ، وعجز القيادات الفلسطينيّة عن اتّخاذ أيّ خطوة نضاليّة ممكنة.
تحاول هذه الورقة متابعة الموجة الاستيطانيّة الأخيرة التي تشجّعها حكومة الاحتلال الإسرائيليّ منذ العامين الماضيين في الضفّة الغربيّة المحتلّة والتي من شأنها أن تغيّر المشهد الجغرافيّ وتحشر الفلسطينيّين في "كانتونات" ومعازل سوف تدفع المنطقة إلى الانفجار.
موجةٌ استيطانيّة هي الأقسى تاريخيًّا
شهد عام 2011 ارتفاعًا في بناء الوحدات السكنيّة في المستوطنات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة بنسبة 20% عن عام 2010، فقد شُرع في بناء 1850 وحدة سكنيّة على الأقلّ في عام 2011 في مستوطنات في الضفّة الغربيّة[3]، ليصبح مجموع ما انطلق بناؤه في عامي 2010-2011 أكثر من 3500 وحدة سكنيّة[4].
ويُلاحظ أنّ بناء الوحدات السكنيّة الاستيطانيّة يجري في أنحاء الضفة الغربيّة المختلفة، ويشمل ذلك:
1) الكتل الاستيطانيّة الرئيسة التي هي في حالة توسّع وتمدّد دائمين.
2) البناء المكثّف في الأراضي غرب جدار الفصل التي يجري ضمّها عمليًّا إلى إسرائيل وتزيد مساحتها عن 9% من مساحة الضفة الغربية.
3) المستوطنات المنعزلة شرق الجدار الفاصل والتي حصلت على نسبة 35% من مجموع عدد الوحدات السكنيّة الاستيطانيّة في عام 2011.
4) البؤر الاستيطانيّة غير الشرعيّة في القانون الإسرائيليّ والمنتشرة في أنحاء الضفة الغربيّة المختلفة[5].
وقد شهد النصف الأول من عام 2012 زيادةً كبيرةً في خطط البناء الاستيطانيّ، فقد قررت الحكومة الإسرائيلية في 22 شباط/ فبراير 2012 إقامة 695 وحدة سكنيّة في المستوطنات في الضفة الغربيّة وخاصة في البؤر الاستيطانيّة غير القانونية[6]. وفي بداية حزيران / يونيو 2012، شرعت في بناء 851 وحدة سكنيّة في المستوطنات الإسرائيليّة القائمة في الضفة المحتلة[7]. وفي بداية نيسان / أبريل 2012، وضعت وزارة الإسكان الإسرائيليّة خطّةً لبناء 800 وحدة سكنيّة في مستوطنة "جفعات زئيف" شمال غربي مدينة القدس، لوصلها مع المستوطنات الإسرائيليّة القائمة في شمالي القدس الشرقيّة المحتلّة[8].
كما وضعت وزارة الإسكان الإسرائيليّة خطّة أخرى لبناء 942 وحدة سكنيّة جديدة لتوسيع مستوطنة "غيلو" التي يقع مركزها داخل حدود القدس، لتتمدد أيضًا في أراضي الضفة المحتلة. فجميع هذه الوحدات السكنيّة ستُبنى في الأراضي الموجودة خارج حدود القدس الشرقيّة التي ضمّتها إسرائيل في عام 1967[9].
تسعى هذه الموجة من التمدد الاستيطانيّ -والتي هي جزءٌ من إستراتيجية إسرائيليّة شاملة تجاه الضفّة الغربيّة- إلى حشر الفلسطينيّين في حدود مدنهم وقراهم في ما يطلق عليه منطقتي "أ" و"ب" بحسب اتفاقية أوسلو، وسلخ أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربيّة عنهم (وهي المشمولة في المنطقة ج).
وهناك العديد من المؤشرات المقلقة للغاية والتي تؤكد سعي إسرائيل للتعامل مع الضفّة الفلسطينيّة بشكل عام والمنطقة "ج" بشكل خاص ليس كمنطقة تحت احتلال، وإنما منطقة إسرائيليّة بحكم الأمر الواقع. ومن هذه المؤشرات:
1- تحويل ملكية أكثر من تسعمئة ألف دونم في الضفة الغربيّة إلى أراضي دولة تابعة لـ"الإدارة المدنيّة" الإسرائيلّية، كاحتياط إستراتيجي للاستيطان الإسرائيليّ[10].
2- الإعلان عن مناطق واسعة جدًّا في الضفة الغربيّة كمناطق تابعة لمؤسسات الحكم الإسرائيليّة، مثل: المحميّات الطبيعيّة والأماكن الأثريّة والقواعد العسكريّة.
3- مواصلة التضييق على الفلسطينيّين الذين يسكنون في المنطقة "ج" والذين يقل عددهم عن 150 ألف نسمة، والسعي للتقليل من عددهم في هذه المناطق، والعمل الدؤوب على طردهم. وقد كان آخر مظاهر هذه السياسة قرار وزير الدفاع الإسرائيليّ إيهود براك هدم ثماني قرى فلسطينيّة[11]، وقرار سلطات الاحتلال هدم 52 بيتًا في قرية سوسيا الفلسطينيّة[12].
4- مبادرة "الإدارة المدنيّة" الإسرائيليّة بمنح المستوطنين الإسرائيليّين "حق" شق الطرق للحفاظ على "أراضي الدولة"، من دون العودة إلى مؤسسات الحكم الإسرائيليّة[13].
5- سعي الحكومة الإسرائيليّة إلى "شرعنة" البؤر الاستيطانيّة بتشكيلها "لجنة فحص البناء في يهودا والسامرة"، بغرض ترخيص عملية الاستيطان في الضفة الغربيّة وتسهيلها.
البؤر الاستيطانيّة وتقرير لجنة ليفي
على إثر الضغط الذي مارسته الإدارة الأميركيّة والمجتمع الدوليّ على إسرائيل في أواسط تسعينيّات القرن الماضي بشأن الاستيطان، التزمت إسرائيل بالتوقف عن إنشاء مستوطناتٍ جديدة في الضفة الغربيّة. بيد أنّ الحكومة الإسرائيليّة، وفي سياق سعيها للاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة وتهويد أكبر مساحة منها، استمرت منذ عام 1996 في إقامة المستوطنات الإسرائيليّة في الضفة الغربيّة بشكل غير رسمي، ووصل عددها إلى أكثر من 105 بؤرٍ، وأُطلقت عليها تسمية "بؤر استيطانيّة غير قانونيّة"، أو "بؤر استيطانيّة غير مصرّح بها"[14].
وفي أعقاب الانتقاد الأميركيّ والدوليّ لإسرائيل بشأن استمرارها في إقامة البؤر الاستيطانيّة في الضفّة الغربيّة، كلّف رئيس الحكومة الإسرائيليّة الأسبق أريئيل شارون في عام 2005 المحامية طاليا ساسون بدراسة الوضع القانونيّ للمستوطنات غير الشرعيّة. وقد قدمت ساسون في العام نفسه تقريرًا مفصلًا أكّدت فيه أنّ الحكومات الإسرائيليّة وأذرعها المختلفة هي التي بادرت بطريقة غير رسميّة إلى إقامة البؤر الاستيطانيّة، وأن أكثر من 80% منها أقيمت على أراضٍ فلسطينيّة خاصة، فهي إذًا غير قانونيّة[15].
وخلال العقد الماضي، توجّه العديد من الفلسطينيّين الذين أقيمت البؤر الاستيطانيّة على أراضيهم الخاصة إلى محكمة العدل العليا من أجل إزالتها واستعادة أراضيهم، وقد أصدرت المحكمة قراراتٍ بشأن العديد منها وأقرّت أنّها غير قانونيّة وأمرت بإزالتها، بيد أنّ الحكومة الإسرائيليّة ماطلت في تنفيذ ما أمرت به المحكمة العليا. وعندما اضطرّت الحكومة الإسرائيليّة إلى تنفيذ الأمر بهدم خمس وحدات سكنيّة في البؤرة الاستيطانيّة "الاولبناه" المحاذية لمستوطنة بيت إيل، في حزيران / يونيو 2012، قرّرت في المقابل بناء 851 وحدة سكنيّة استيطانيّة "تعويضًا" للمستوطنين[16].
وفي سياق سعي الحكومة إلى الحفاظ على البؤر الاستيطانيّة وتوسيعها وشرعنتها، شكّل رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو في 13 شباط / فبراير 2012 لجنة تحت اسم "فحص وضع البناء في يهودا والسامرة" برئاسة القاضي السابق في المحكمة العليا الإسرائيليّة والعضو السابق في حزب "حيروت" اليمينيّ المتطرف، إدموند ليفي، المعروف بآرائه المتطرفة والداعمة بشدة للاستيطان، وضمّت في عضويّتها قاضيًا سابقًا آخرَ ودبلوماسيًّا سابقًا ينافسان ليفي في تطرّفهما. وفي 21 حزيران/ يونيو2012 قدّمت "لجنة ليفي" تقريرها الذي جاء في تسعين صفحة، إلى رئيس الحكومة ووزير العدل يعقوب نئمان[17].
اتّسم تقرير لجنة ليفي بالسطحية والمغالطات التاريخيّة والقانونيّة وليّ عنق الحقيقة، وتوصّل إلى استنتاج أساسي وهو أنّ القانون الدوليّ بشأن الاحتلال لا ينطبق على الاحتلال الإسرائيليّ القائم في الضفة الغربيّة منذ عام 1967، لأنّها ليست منطقةً محتلّة وهو ما يعني أنّ اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق عليها ولا تحظر إنشاء المستوطنات فيها[18].
لقد تعاملت لجنة ليفي مع أراضي الضفة الغربيّة وكأنّها جزءٌ من إسرائيل عمليًّا، ولكن من دون أن يكون لأصحابها الفلسطينيّين حقوق المواطنة الإسرائيليّة، ودعت في توصياتها إلى وقف إخلاء البؤر الاستيطانيّة، وعدم هدم أيّ وحدةٍ سكنيّة فيها وإلى شرعنتها واعتبارها قانونيّة، ودفعِ تعويضات مالية لأصحاب الأرض الفلسطينيّين كخيار وحيد من دون استشارة السكّان، ثمَّ دعت أيضًا إلى تغيير الوضع القانونيّ في الضفة الغربيّة وإلى إلغاء القوانين والمراسيم والأوامر العسكريّة الإسرائيليّة السارية فيها والمستندة إلى كون إسرائيل دولة احتلال، وأوصت بالسماح بإقامة مستوطنات على أراضٍ فلسطينيّة مصادرة. ودعت إلى إصدار مراسيمَ ترسم مناطق نفوذ لجميع المستوطنات، وتوسيع مناطق النفوذ هذه في لجان التخطيط وفق ما تقتضيه متطلبات الاستيطان من دون الحصول على موافقة حكوميّة. وأخيرًا، نصحت اللجنة بتسجيل جميع الأراضي في الضفة الغربيّة في سجلّ "الإدارة المدنيّة" الإسرائيليّة خلال فترة أقصاها خمس سنوات، والأرض التي لا يجري تسجيلها خلال هذه الفترة كملكية خاصّة للفلسطينيّين فإنّها تصبح "أرض دولة"، أي تابعةً لإسرائيل[19].
الاستيطان في القدس الشرقيّة المحتلّة
كثّفت إسرائيل في السنوات الأخيرة من عمليات الاستيطان في مناطقَ مختلفة في القدس الشرقيّة المحتلّة، وشملت:
1- زيادة الاستيطان في المستوطنات الإسرائيليّة الستّ عشرة القائمة.
2- إقامة المزيد من البؤر الاستيطانيّة في داخل الأحياء العربيّة المختلفة، بحيث لم يخل أيّ حيّ عربيّ هناك منها.
3- التخطيط والعمل على إقامة مستوطنات يهوديّة جديدة في أماكن إستراتيجية تهدف إلى إكمال إطباق الحصار الاستيطانيّ الكامل عليها.
وكشف تقريرٌ نشرته صحيفة "هآرتس" النقاب عن وجود مخططات في مجلس بلدية القدس الغربيّة لبناء 50 ألف وحدة سكنيّة يهوديّة استيطانيّة في القدس الشرقيّة[20]. وأشار التقرير إلى أنّ هذه المخططات تهدف إلى زيادة عدد الوحدات السكنيّة في المستوطنات الإسرائيليّة القائمة، وإنشاء بؤرٍ استيطانيّة يهوديّة في داخل الأحياء العربيّة، وإقامة العديد من المستوطنات الجديدة. وأشار التقرير إلى أنّ مخططاتٍ لإنشاء عشرين ألف وحدةٍ سكنيّة من بين الخمسين ألفَ وحدةٍ قد قدّمت إلى لجان التخطيط، وقد أقرّت لجان التخطيط قسما منها بشكل نهائيّ، وأصبح قسم آخر منها في مراحل الإقرار النهائيّة، بينما يجري العمل أيضًا على تقديم مخططات الثلاثين ألفَ وحدةٍ سكنيّة الأخرى إلى لجان التخطيط من أجل إقرارها[21].
وقد أشار التقرير المذكور إلى أنّ العديد من الخطط الاستيطانيّة لبناء وحداتٍ سكنيّة في المستوطنات الإسرائيليّة في القدس الشرقيّة المحتلّة وصلت إلى مراحلها النهائيّة، وتشمل هذه الخطط بناء ما يلي[22]:
- 3000 وحدة سكنيّة في مستوطنة "غيلو".
- 1500 وحدة سكنيّة في مستوطنة "هار حوماة" (جبل أبو غنيم)
- 1500 وحدة سكنيّة في مستوطنة "راموت"
- 600 وحدة سكنيّة في مستوطنة "أرمون هانتسيف"
- 450 وحدة سكنيّة في مستوطنة "نيفي يعقوب".
وقد شهد عام 2011 نشاطًا استيطانيًّا مرتفعا في القدس الشرقيّة، إذ صادقت سلطات الاحتلال في هذا العام على بناء 3690 وحدة سكنيّة في المستوطنات الإسرائيليّة، وانتهت من تخطيط 2660 وحدةً سكنيّة أخرى، وعرضتها في لجنة التخطيط أمام الجمهور لتقديم اعتراضات. وطرحت وزارة الإسكان الإسرائيليّة مناقصات للبدء في بناء 2057 وحدة سكنيّة إضافية[23].
البؤر الاستيطانيّة في قلب الأحياء العربيّة في القدس الشرقيّة المحتلّة
كثّفت سلطات الاحتلال الإسرائيلية في السنوات الأخيرة من نشاطاتها لإقامة المزيد من البؤر الاستيطانيّة في قلب الأحياء العربية المختلفة في القدس الشرقية المحتلة، ويجري تعاون وثيق وواسع للغاية بين مؤسسات الحكم في إسرائيل -خاصّة بين وزارة الإسكان و"حارس أملاك الغائبين" و"إدارة أراضي إسرائيل" وجمعيّات استيطانيّة مثل "عطيرت كوهنيم" وجمعية "العاد" وجمعية "مشيفي تسيون"- لإقامة المزيد من البؤر الاستيطانيّة في قلب الأحياء العربيّة بغرض تهجير الفلسطينيّين منها وتهويدها[24].
وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيليّة والجمعيات الاستيطانيّة الإسرائيليّة قد بدأت في عام 1983 في إنشاء البؤر الاستيطانيّة داخل البلدةِ القديمة، وتحديدًا في الحيّ الإسلاميّ والحيّ المسيحيّ. ثم تمدّدت هذه المشاريع عام 1986 إلى ضاحية سلوان المجاورة للمسجد الأقصى، وفي العقدين الأخيرين امتدّت البؤر الاستيطانيّة لتشمل -علاوة على البلدة القديمة وسلوان- أحياء جبل الزيتون والطور والصوانة وراس العامود ووادي الجوز والشيخ جراح والمصرارة وبيت حنينا[25].
وتستعمل سلطات الاحتلال الإسرائيليّة أساليبَ وذرائع مختلفة في عملية نزع ملكية البيوت الفلسطينيّة من أصحابها الفلسطينيّين وطردهم منها وفرض سيطرتها عليها وإحلال مستوطنين مكانهم. ويأتي في مقدمة هذه الأساليب والذرائع قانون أملاك الغائبين، ونقل ملكية هذه الأملاك من "حارس أملاك الغائبين" إلى "إدارة أراضي إسرائيل"، ومن ثم إلى جمعيات المستوطنين الإسرائيليّين.
ويلجأ المستوطنون بمساعدة مؤسسات الحكم في إسرائيل إلى إجراءات قضائيّة من أجل السيطرة على أملاك وبيوت يدّعون أنّها كانت أملاكًا يهوديّة قبل عام 1948، ويحصلون على قراراتٍ من المحاكم الإسرائيليّة بطرد الفلسطينيّين منها، وكثيرا ما يلجأ المستوطنون إلى تزييف المستندات التي تزعم ملكيتها لهذه الممتلكات. وفي عام 2011 أنجزت الحكومة الإسرائيليّة المرحلة الثانية في البؤرة الاستيطانيّة "معليه زيتيم" القائمة في قلب حي رأس العامود، والتي شملت بناء ستّين وحدةً سكنيّة استيطانيّة. وشرعت كذلك في بناء خمسٍ وخمسين وحدةً استيطانيّة في قلب الأحياء العربيّة في القدس الشرقيّة المحتلّة، منها ثماني عشرة وحدةً سكنيّةً في حيِّ الصوانة، وعشرون وحدةً سكنيّةً في الشيخ جراح (في مكان مقرّ الحكومة الفلسطينيّة التي بناها مفتي القدس الحاج أمين الحسينيّ في ثلاثينيّات القرن الماضي، والتي تحوّلت لاحقًا إلى فندق "شبرد" الذي هدمته إسرائيل في العام الماضي)، وسبع عشرة وحدةً سكنيّةً في حي رأس العامود[26]. وهناك خططٌ لإنشاء بؤرةٍ استيطانيّة في "كرم المفتي" في حيّ الشيخ جراح، إذ جرى نقل ملكية "حيّ المفتي" بواسطة قانون أملاك الغائبين إلى "سلطة التطوير" الإسرائيليّة التي قامت بدورها بتأجير قسمٍ منه لجمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانيّة[27].
المستوطنات الجديدة في القدس
1. مستوطنة جفعات هامطوس
عجّلت سلطات الاحتلال الإسرائيليّة في عام 2011 مشاريعها لإقامة مستوطنة جديدة، يطلق عليها اسم "جفعات هامطوس"، في القدس الشرقيّة المحتلّة على أراضي ضاحية بيت صفافا الفلسطينيّة. ويتكوّن مخطّط بناء هذه المستوطنة من ثلاث مراحل، تشمل المرحلة الأولى بناء 2337 وحدةٍ سكنيّة، و2600 وحدة سكنيّة في المرحلة الثانية. أمّا المرحلة الثالثة فتشمل بناء 1362 وحدة سكنيّة، وقد جرى إقرار المرحلة الأولى، ومن المقرّر أن تقرّ لجان التخطيط المرحلتين الثانية والثالثة قريبًا[28].
2. أرض مطار قلنديا
في أيار / مايو 2010، شكّل وزير المواصلات الإسرائيليّ يسرائيل كاتس لجنةً مشتركةً بين وزارته ومجلس بلدية القدس الغربيّة و"إدارة أراضي إسرائيل" و"سلطة المطارات" في إسرائيل، من أجل ضمّ أرض مطار قلنديا إلى بلدية القدس الغربيّة[29]. وبعد دراسة الأمر، تقدّمت "سلطة المطارات" في إسرائيل، بناءً على قرار هذه اللّجنة، إلى مجلس بلدية القدس الغربيّة بطلب ضمّ أرض مطار قلنديا إلى منطقة نفوذ القدس الغربيّة. وفي 22 شباط / فبراير 2012، صادقت اللّجنة المحلّية للتخطيط والبناء في مجلس بلدية القدس الغربيّة على تسجيل أرض مطار قلنديا كأرضٍ تابعةٍ للقدس الغربيّة، وبذلك ضمّتها إلى بلدية القدس وإسرائيل[30]. وتخطّط بلدية القدس الغربيّة لتحويل أرض مطار قلنديا، الملاصق لمخيّم قلنديا الفلسطينيّ والقائم بين القدس الشرقيّة المحتلّة ورام الله، إلى منطقة صناعيّة - استيطانيّة إسرائيليّة[31].
3. منطقة E1
تقع منطقة E1 في الشرق من القدس الشرقيّة المحتلّة، بين أبو ديس والعيزرية وعناتا والزعيم. وتبلغ مساحتها 12 كيلومترًا مربّعًا، وتقع بين مستوطنة "معليه أدوميم" في أراضي الضفّة الغربيّة خارج منطقة القدس الشرقيّة التي ضمّتها إسرائيل إليها في عام 1967، ومستوطنة "التلّة الفرنسيّة" القائمة في القدس الشرقيّة. وهي منطقة إستراتيجية مهمّةٌ جدًّا للفلسطينيّين، إذ تربط شمال الضفّة الفلسطينيّة بجنوبها. وكانت حكومة يتسحاق رابين قد ضمّت هذه المنطقة إلى منطقة نفوذ مستوطنة "معاليه أدوميم" في عام 1994، ووضعت المخططات للشروع في بناء مستوطنةٍ فيها، وجُمّد المشروع بسبب معارضة الإدارة الأميركيّة.
وفي عام 2004، شرعت وزارة الإسكان الإسرائيليّة في شقّ الطرق في منطقة E1، وتمهيدها من أجل الشروع في بناء المستوطنة، ولكنَّ المعارضة الأميركيّة أيضًا أعاقت التنفيذ. وفي نيسان / أبريل من عام 2008، نقلت سلطات الاحتلال الإسرائيليّة مركز قيادة "شرطة يهودا والسامرة" من راس العامود إلى المنطقة E1. وفي أيلول / سبتمبر 2009، شارك وزراء إسرائيليّون وأعضاءٌ في الكنيست وقادة المستوطنين في وضع حجر أساس رمزيّ لبناء المستوطنة.
وتعتزم سلطات الاحتلال الإسرائيليّ إقامة مستوطنةٍ جديدةٍ في هذه المنطقة الإستراتيجية، تشمل 3500 وحدة سكنيّة، وكذلك بناء منطقة صناعيّة واسعة تبلغ مساحتها مليون متر مربّع من المباني (أي ما يعادل 10 آلاف وحدة سكنيّة)، لصالح مستوطنة "معاليه أدوميم" والمستوطنات الإسرائيليّة في القدس، إلى جانب إقامة حديقةٍ واسعةٍ فيها لصالح المستوطنين[32]. فالتنفيذ وخلق الحقائق القائمة هو الثابت الوحيد بعد سلسلة التسويفات، والتأجيلات، والاستئنافات. ففي النهاية، هنالك إصرارٌ على الاستيطان ويجري تنفيذ المخطّط له، ولو بعد أعوام.
خاتمة
تولي إسرائيل أهمّيةً كبيرةً للاستيطان في الضفّة الفلسطينيّة المحتلّة، وخاصّة في القدس الشرقيّة المحتلّة، من أجل تهويد أكبر مساحة ممكنة ومن ثمّ ضمها. ويشمل مشروع إسرائيل الاستيطانيّ مناطق الضفة الفلسطينيّة المحتلة المختلفة، وذلك لتعزيز الاستيطان الكولونيالي وفرض الوقائع على الأرض ولحشر الفلسطينيّين في أقلّ مساحة ممكنة حول مدنهم وقراهم، وقطع سبل عيشهم لخلق الظروف التي قد تدفع جزءًا منهم للهجرة من وطنهم. وقد أقامت إسرائيل في الضفّة الفلسطينيّة نظاما كولونياليًا- استيطانيًّا - عسكريًّا - إداريًّا، جعل من المستوطنين أسياد الأرض الحقيقيّين، ووفّر لهم كلّ مقوّمات النموّ والتوسّع على حساب الفلسطينيّين وأراضيهم وممتلكاتهم.
وليس هنالك من مؤشّر يدلّ على أنّ إسرائيل سوف تتوقّف عن الاستيطان مستقبلًا، بل يؤكّد سلوكها أنّها ماضيةٌ في مشروعها على نحوٍ أسرعَ من أيّ وقتٍ مضى، وكلّ ذلك يحدث في ظلِّ عدم اكتراثٍ غير مسبوق للقوى الدوليّة، وانشغال القيادة الفلسطينيّة بالأزمة الماليّة التي تضرب السلطة الفلسطينيّة.
ومع أنَّ المجتمع الدوليّ أصبح عاجزًا عن اتخّاذ أيّ خطوة لأنّ القوى العظمى -وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأميركيّة- متواطئةٌ مع الاحتلال، فإنّ القيادة الفلسطينيّة تصرّ على اتّخاذ مواقفَ شكليّة أثبتت التجربة محدوديّتها وفشلها ودورها في تضييع الوقت، فهي تعتزم معاودة تقديم اقتراحٍ إلى مجلس الأمن لاعتماد فلسطين عضوًا في الأمم المتّحدة بعد فشلها العام الماضي، والأدهى من ذلك كلّه تضييع فرصة استغلال زخْم الربيع العربيّ لتفعيل المقاومة الشعبيّة وإنهاء التنسيق الأمنيّ مع إسرائيل، وهو ما يجعل تلك الأخيرة ماضية في مشروع استباحة أرض الفلسطينيّ وحقوقه وحشره في حدود مدنه الصغيرة.
وتختلف حكومة نتنياهو الحالية عن الحكومات الإسرائيليّة السابقة في جملة من القضايا المهمّة المتعلقة بالاستيطان، والتي أبرزها:
1 - الاستيطان هو مشروع حكومة نتنياهو الوحيد، والذي تسعى من خلاله إلى خلق أمرٍ واقعٍ استيطانيٍّ جديد في الضفّة الفلسطينيّة المحتلّة، وفرض حلّ على الفلسطينيّين بعد عدّة عقود، وفق خارطة الاستيطان. لذلك، لا تريد حكومة نتنياهو التّوصل إلى حلّ دائم مع الفلسطينيّين في الزمن المنظور، وهي لا تطرح أيّ تصوّرٍ لمثل هذا الحلّ، حتّى ولو على شكل مناورةٍ سياسيّةٍ، كما كانت تطرح الحكومات الإسرائيليّة السابقة.
2 - تعمل حكومة نتنياهو على زيادة الاستيطان الإسرائيليّ في مختلف مناطق الضفّة الفلسطينيّة المحتلّة غرب جدار الفصل وشرقه، في ما يطلق عليه "الكتل الاستيطانيّة" وفي المستوطنات المنعزلة، وفي البؤر الاستيطانيّة المنتشرة في قلب الضفّة المحتلّة، وذلك بهدف ضمّ ما يربو على 60% من أراضي الضفّة الفلسطينيّة المحتلّة إلى إسرائيل.
3 - تعمل حكومة نتنياهو بجدّية على شرعنة البؤر الاستيطانيّة وعلى زيادة الاستيطان فيها وتوسيعها على نحوٍ غير مسبوق. ففي حين كانت حكومتا شارون ونتنياهو تتظاهران بأنّهما تعملان على إزالة البؤر الاستيطانيّة، تعمل حكومة نتنياهو علنًا على شرعنة البؤر الاستيطانيّة ومنحها وضعًا قانونيًّا وفق القانون الإسرائيليّ، وقد شكّلت لجنةً خاصّة من أجل تحقيق هذا الغرض.
4 - يصعب تخيّل أن تتبنّى حكومة نتنياهو في هذه المرحلة جميع توصيات لجنة ليفي، فهذه التوصيات تعني ضمّ أراضي الضفّة المحتلّة فعليًّا من دون منح سكّانها وأصحابها الشرعيّين الفلسطينيّين أيّ حقوق. فهناك معارضةٌ شديدة في الوقت الراهن لمثل هذه الخطوة من المجتمع الدوليّ وخاصّة من الإدارة الأميركيّة. ومن المرجّح جدًّا أن تستغلّ حكومة نتنياهو الوضع الفلسطينيّ المنقسم على ذاته والفاقد لإرادته الذاتيّة، وانشغال الدول العربيّة بأوضاعها الداخلية، وتضاؤل الاهتمام الدوليّ بالقضية الفلسطينيّة، من أجل زيادة الاستيطان وتكثيفه وتطبيق أجزاء مهمّةٍ من توصيات لجنة ليفي، وخاصّة تلك المتعلّقة بشرعنة البؤر الاستيطانيّة وتوسيعها وزيادة المستوطنين فيها.
***
الهوامش:
[1]- للمزيد عن البؤر الاستيطانيّة ودور الحكومة الإسرائيليّة في إقامتها وعن عددها وعن إقامة غالبيتها العظمى على أراض فلسطينيّة خاصة، يرجى مراجعة تقرير طاليا ساسون عن "البؤر الاستيطانية غير المرخصة" (القدس: 2005).
[2]- المعطيات عن عدد المستوطنات وعدد المستوطنين مأخوذة من مصادر عديدة منها: مكتب الإحصاء المركزيّ الإسرائيليّ، والجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ، وموقع حركة "السلام الآن" ، وموقع عير عميم
[3]- إضافة إلى الاستيطان في القدس الشرقيّة المحتلة والذي سنعالجه لاحقًا.
[4]- "ملخّص الاستيطان في عام 2011" ، موقع حركة السلام الآن: اضغط هنا
[5]- المصدر نفسه.
[6]- "حكومة نتنياهو تمنح الموافقة لإقامة 500 وحدة سكنية غير قانونية في شيلو"، موقع حركة السلام الآن، 22-2-2012: اضغط هنا
[7]- براك رفيد، "نتنياهو قرر بناء 851 وحدة سكنية في الضفة"، هآرتس، 6-6-2012: اضغط هنا
[8]- تمار ليفي، "وزارة الإسكان تخطط لخلق تواصل بين القدس وجفعات زئيف"، موقع إذاعة الجيش الإسرائيليّ، 21-5-2011: اضغط هنا
[9]- المصدر نفسه.
[10]- عكيفا الدار، "بنك الأراضي في الضفة: مئات آلاف الدونمات لتوسيع المستوطنات"، هآرتس، 30-3-2012: اضغط هنا انظر كذلك: "تحت غطاء الشرعية: الإعلان عن أراضي دولة في الضفة الغربيّة"، موقع بتسيلم، 14-3-2012،
اضغط هنا
[11]- عميره هس، "براك أمر بهدم 8 قرى من أجل التدريبات العسكرية"، هآرتس، 23 - 7 - 2012، اضغط هنا
[12]- عميره هس، "الإدارة المدنية أصدرت أوامر بهدم 52 بيتا بقرية فلسطينية"، هآرتس، 12 6 - 2012،اضغط هنا
[13]- حاييم ليفنسون، "مبادرة: المستوطنون سيشقون طرقا من دون الحصول على تصريح"، هآرتس، 20 - 2 - 2012، اضغط هنا
[14]- للمزيد ،انظر: "المستوطنات في الضفة الغربيّة: حقائق وأرقام"، حركة السلام الآن: اضغط هنا
[15]- طاليا ساسون، "تقرير بشأن البؤر الاستيطانية غير المرخصة"، القدس: 2005.
[16]- براك رفيد، "نتنياهو قرّر بناء 851 وحدة سكنيّة في الضفة"، مصدر سبق ذكره.
[17]- نُشر تقرير إدموند ليفي على موقع واي نت: اضغط هنا
[18]- المصدر نفسه، ص. 83.
[19]- المصدر نفسه، ص. 83 - 89.
[20]- نير حسون، "بلدية القدس: خطط لبناء 50 ألف وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية"، هآرتس، 11-3-2010: اضغط هنا للمزيد عن مخططات الاستيطان الإسرائيليّة في القدس الشرقيّة المحتلة، يمكن الرجوع إلى التقارير عن الاستيطان الإسرائيليّ في القدس الشرقيّة المحتلة في موقع عير عميم: اضغط هنا
[21]- المصدر نفسه.
[22]- المصدر نفسه.
[23]- "ملخّص الاستيطان لسنة 2011"، موقع حركة السلام الآن: اضغط هنا
[24]- للمزيد عن دور مؤسسات الدولة المختلفة في إسرائيل في مساعدة الجمعيات الاستيطانيّة في إنشاء البؤر الاستيطانيّة في قلب الأحياء العربيّة في القدس الشرقيّة المحتلة، يمكن الرجوع إلى التقرير الواسع والمهم الذي كتبه نير حسون، "هكذا تساعد الدولة جمعيات اليمين للاستيطان في القدس الشرقية"، هآرتس، 5-11-2010: اضغط هنا
[25]- لتفاصيل أخرى عن البؤر الاستيطانية في قلب الأحياء العربيّة في القدس الشرقيّة المحتلّة، انظر في ملحق رقم 1 في تقرير: "مكان غير آمن: إخفاق السلطات في حماية حقوق السكان في محيط البؤر الاستيطانيّة في القدس الشرقيّة"، موقع جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، اضغط هنا
[26]- المصدر نفسه.
[27]- المصدر نفسه.
[28]- "ملخّص الاستيطان لسنة 2011" ، مصدر سبق ذكره.
[29]- يوسي إيلي، "جدل جديد: مطار عطروت"، معاريف، 23-2-2012: اضغط هنا
[30]- المصدر نفسه.
[31]- المصدر نفسه.
[32]- للمزيد، ارجع إلى تقرير: "مستوطنة E1"، في موقع عير عميم : اضغط هنا انظر كذلك: أفرات فايس، "مستوطنة أخرى في E1" ، موقع واي نت، 17-9-2009:اضغط هنا
========================