كتب محرر الشؤون العبرية
تحوَّلت الجلسة الأخيرة للمجلس الوزاري المصغَّر إلى حدث دراماتيكي بفعل التسريبات حول ما دار خلالها من آراء وتقديرات تتعلق بالتهديد النووي الإيراني، إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، الذي أعقبه قرار بنيامين نتنياهو بحل الجلسة الثانية التي كانت مُقرَّرة في اليوم التالي والإعلان عن درس إمكانية إخضاع كل من شارك لفحص آلة كشف الكذب.
ورغم أن النظام الداخلي للحكومة يحدد أن جلسات المجلس الوزاري المصغر تتم كل أسبوعين، إلا إذا قرر رئيس الوزراء غير ذلك، لا شك أن توقيت هذه الجلسة أضفى عليها مزيداً من الخصوصية، كونها تتزامن مع خطاب إسرائيلي تهويلي بإمكانية استهداف المنشآت النووية الإيرانية قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.
من جهة أخرى، من المرجح أن يستغل نتنياهو التسريبات حول ما دار داخل الجلسة، للدفع نحو تقليص عدد الوزراء المخولين بالبحث في القضايا الأمنية والاستراتيجية، لكنه يحتاج كي يملك هذا المنتدى الوزاري المقلص ايضاً صلاحية اتخاذ قرارات عملانية في هذا المجال إلى شرعنة وتفويض من قبل الحكومة.
أما لجهة المضمون، فقد كشفت التسريبات عن وجود نوع من التباين بين الأجهزة الاستخبارية حول المسافة التي تفصل إيران عن أول قنبلة نووية، (بحسب الاتهام الإسرائيلي الذي تنفيه القيادة الإيرانية بشكل مطلق)، ومتى بالضبط ستدخل منطقة الحصانة، التي تفقد خلالها إسرائيل القدرة على توجيه ضربة عسكرية مجدية للبرنامج النووي الإيراني، (يديعوت احرونوت).
تنبغي الإشارة إلى أن أهمية البحث في المسافة الفاصلة تنبع من كونها ذات صلة مباشرة بتحديد المسافة بين واقع إسرائيل وبين مرحلة تسليمها بفقدان الخيارات الوقائية، وفي ضوء ذلك تحديد النقطة التي يصبح فيها "ظهرها إلى الحائط"، الذي يدفعها نحو الخيار العسكري، لانعدام الخيارات البديلة التي يمكن الرهان عليها، لمنع تحول وتكرس إيران دولة نووية.
وعليه بالرغم من أن اختلاف التقديرات بين الأجهزة الاستخبارية وداخلها يمنح، من حيث المبدأ، القيادة السياسية هامشاً أوسع في اتخاذ القرار، لجهة أنها تكون قادرة على اتخاذ الموقف الذي يحظى بقدر من المشروعية المهنية كونها تتلاءم مع تقديرات وتوصيات بعض جهات استخبارية، فإن الحديث عن تقديرات متباينة إزاء تحديد منطقة الحصانة، في الوقت الذي يركز خطاب باراك نتنياهو، على أن الفرصة المتاحة هي حتى آخر السنة الجارية، وتوفر فرصة الانتخابات، يعني أن هناك رأياً مهنياً آخر غير ذلك الذي يستندان إليه، مع ما يعنيه ذلك من إضرار بتوجهاتهما الإيرانية.
في السياق نفسه، تحدثت تسريبات أخرى عن أن تقديرات أجهزة الموساد و"أمان"، كانت «متطابقة تقريباً»، ولم يكن هناك أي خلافات بينهما، سواء فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، أم تطوير العناصر العسكرية، وصولاً إلى التأكيد على أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي لم يتخذ قراراً، لحد الآن، بإنتاج القنبلة.
في ضوء ذلك، من الواضح أن هامش القيادة السياسية يصبح أضيق، خاصة وأن الجهات الاستخبارية أكدت أن الإمام الخامنئي لم يتخذ قراراً بإنتاج قنبلة نووية.. وبالتالي فإن "إسرائيل" ليست في مرحلة اللاخيار.. مع ما يعنيه ذلك من تضارب وتعارض مع "إيقاع" نتنياهو في مواجهة التهديد النووي الإيراني.
أيضاً، مما برز خلال الجلسة الأخيرة، ثبات معارضة كل من بني بيغن ودان مريدور وحتى موشيه يعالون وهو ما يتعارض مع التقديرات الأخيرة التي رأت أن موقفه قد تزحزح لصالح الخيار العسكري، خاصة أنهم لم يكتفوا برفضهم بل "بذلوا ايضاً جهوداً جبارة ضد العملية في أوساط رفاقهم في الحكومة". وفيما يتعلق بموقف رئيس حزب شاس الوزير ايلي يشاي لا يزال ضمن معسكر المعارضين للهجوم، وهو ما يؤشر الى فشل مهمة مستشار الامن القومي يعقوب عميدرور، عندما زار الحاخام عوفاديا يوسف قبل اسابيع، في محاولة لإحداث تغيير في موقف حزب شاس.
وعليه يبدو جلياً أن من أسوأ كوابيس نتنياهو ان يخرج إلى وسائل الإعلام، كما حصل فعلاً، أنه لم ينجح في تجنيد أغلبية تؤيد العملية عسكرية أحادية في المرحلة الحالية، وان الخلافات سادت بين الوزراء أنفسهم، لأنه يضيق هامش مناورته في مقابل الاميركيين، ويقيد حركته التهويلية.