كتب محرر الشؤون العبرية
أوحى رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، في كلمته أمام الكنيست، كما لو أنه حسم خياره العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، وعدم التزامه بالموقف والضوابط الأميركية التي تتخوف من تداعيات أي ضربة عسكرية، على مصالحها الاقتصادية والأمنية والإستراتيجية، فضلا عن تخوفها من نتائج أي ردود على إسرائيل نفسها. وبهدف إضفاء مزيد من المصداقية على ما تعمد الإيحاء به، استشهد بثلاثة محطات اعتبرها دليل على أن "إسرائيل" في المنعطفات التي تمس مصيرها وامنها، كانت تتفرد بالقرار بعيدا عن الموقف والنصائح الأميركية:
رفض بن غوريون توصية وزير الخارجية الأميركية، جورج مارشال، واعلانه عن قيام "دولة إسرائيل" عام 1948، بما يتعارض مع نصيحة الوزير الأميركي.
اتخاذ رئيس الوزراء "ليفي اشكول" قرارا بشن الحرب عام 1967، رغم ان وزير خارجيته ابا ايبان نقل له موقف الإدارة الأميركية في فترة رئاسة ليندون جونسون، بضرورة التريث بل والتحذير من أنه في حال "تحركتم بمفردكم فستكونون معزولين".
قرار رئيس الوزراء "مناحيم بيغن"، تدمير المفاعل النووي العراقي، عام 1981، رغم يقينه بالنقد الذي سيتلقاه من الولايات المتحدة ورئيسها رونالد ريغان انذاك.
حول ذلك يمكن ايراد النقاط التالية:
الواضح أن ما يضفي مزيدا من الخصوصية على مواقف نتنياهو أنها أتت بعد لقائه مع الرئيس الأميركي باراك اوباما، التي تكرَّس فيها التباين بين الطرفين حول التحديد الدقيق للخط الأحمر الذي ينبغي في أعقابه الانتقال إلى الخيار العسكري...
أما لجهة العوامل التي دفعت نتنياهو للانتقال إلى مرحلة متقدمة من رفع مستوى التهديد بالخيار العسكري، فهو يعود إلى:
ـ بلوغ البرنامج النووي الإيراني مرحلة متقدمة جدا..
ـ بدء دخوله منطقة الحصانة، بحسب التعبير الإسرائيلي، اي انتقال عمليات التخصيب إلى منشأة فوردو الأكثر تحصيناً من الصواريخ ومن أي هجوم عسكري..
ـ نتائج اللقاء مع الرئيس الأميركي.. والتباين إزاء الخط الأحمر.. بل والموقف المعلن لاوباما بالتحذير من تداعيات أي خيار عسكري على إسرائيل والمصالح الأميركية، ودعوته لإفساح المزيد من الوقت أمام الخيار الدبلوماسي والعقوبات، والتي ترى فيه تل ابيب أنها تمثل رسالة ضعف في مواجهة الجمهورية الإسلامية قد يُشعرها بقدر أكبر من الثقة والطمأنينة لخطواتها وخياراتها، مع ما ينطوي ذلك من مخاطر كبيرة..
في ضوء كل ذلك، حرص نتنياهو، أمام "ايباك" أولا ولاحقا أمام الكنيست، على القاء خطاب هجومي، كما لو انه على وشك اتخاذ قرار مهاجمة ايران..
أما لجهة تفاصيل الاستشهادات الثلاثة التي أوردها نتنياهو، وقال أنه عرضها أمام مضيفيه في واشنطن، يمكن القول أنه مارس نوع من التضليل الموجّه، سواء عندما قفز وتجاهل معطيات اساسية متصلة ببعض المحطات أو بعض الظروف المتصلة بأخرى.
فيما يتعلق بموقف "بن غوريون" وإعلان الدولة، لفت رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" "الوف بن"، إلى انه بالرغم من موقف "مارشال"، لكن ذلك لم يكن يُعبِّر عن موقف الولايات المتحدة. إذ أن الرئيس "ترومان" رفض توصية "مارشال" وتبنى توصية مستشاره السياسي "كارل كليفورد"، الذي ضغط عليه للاعتراف بالدولة الصهيونية. وكانت ترجمة ذلك في حينه أن أرسل الرئيس الاميركي آنذاك رسالة الاعتراف بدولة "إسرائيل" بعد 11 دقيقة من انتهاء "بن غوريون" من تلاوة ما يُسمى في الادبيات الاسرائيلية "وثيقة الاستقلال".
أما لجهة موقف "ليفي اشكول" وحرب الـ67، أكد "الوف بن" ايضا على أن "اشكول" لم يعطِ توجيهاته بشن الحرب إلا بعد إرسال مبعوثيه رئيس "الموساد" آنذاك، "مائير عميت"، الى الولايات المتحدة، و"ابراهام هيرمان"، لتلمس حقيقة الموقف. وبحسب تقارير وأبحاث إسرائيلية أخرى التي تناولت تلك الفترة فقد وجه عميت رسالة إلى "أشكول" يُطمئنه فيها إلى الموقف الاميركي..
إلى ذلك، أكد "بن" أن "الموقف الاميركي الرسمي كان يطالب إسرائيل بضبط النفس وعدم الخروج للمعركة، ولكن القنوات السرية كانت توجه رسالة عكسية: إذهبوا واضربوا (الرئيس المصري جمال) عبد الناصر"، كما نقل إليه مبعوثاه الى واشنطن "عميت وهيرمان".
أما بخصوص قرار"بيغن" تدمير المفاعل العراقي عام 1981، صحيح أنه لم يُبلِّغ الاميركيين بالضربة، بل وفأجأ إدارة "ريغان" في ذلك الحين، إلا أننا نتحدث عن ضربة عسكرية موضعية، لا تتعارض بذاتها مع المصالح الاميركية، كما أنها جرت بطريقة لا تؤدي إلى تداعيات خطيرة أو حتى ما دون ذلك، على المصالح الاميركية. أضف إلى أن "إسرائيل" اختارت توقيتاً يُرجّح إلى حد كبير، فرضية عدم الرد العراقي نتيجة إنشغاله بالحرب التي يخوضها ضد الجمهورية الاسلامية في إيران.
وعليه، يمكن القول أن "نتنياهو" مارس نوع من التضليل والتزوير التاريخي خدمة لقرار ينص على ضرورة رفع مستوى التهويل بأنه على وشك شن هجوم عسكري على ايران، للضغط على الإدارة الأميركية، ومحاولة استبدال صورة الانكفاء الأميركي بالاندفاع الإسرائيلي، بل وربما الاستغداد لخوض مغامرة جنونية.
"الانتقاد"