المصدر: "اسرائيل اليوم ـ يوآف ليمور"
"كانت افتراضات الأجهزة الأمنية الاسرائيلية بالأمس هي أن الاعتداء الارهابي العالمي لم ينتهِ. وتشير التقديرات الى أن الأحداث التي وقعت في الهند وجورجيا كانت جزءاً من الجهود الواسعة للغاية ـ العابرة للقارات ـ ومتشعبة الأبعاد، التي جاءت بهدف منح حزب الله وايران انجازا ثلاثيا: انتقام (جزئي ومتأخر) على اغتيال عماد مغنية، انتقام (صغير وغير متناسب) على اغتيال العلماء، وتحقيق الردع.
وهناك شك في أن الأحداث التي وقعت بالأمس لبّت رغبات طهران وبيروت. زوجة المبعوث التي أصيبت إصابة متوسطة والعبوة التي تم تفكيكها بالطبع لم تكن متناسبة مع سلسلة الاغتيالات المنسوبة لاسرائيل، وبالطبع ستواصل أجهزة الاعتداءات الخاصة بحزب الله برئاسة طلال حمية البحث عن أهداف لضربها. ويكفي النظر الى خارطة محاولات الاعتداء التي نفذها في السنوات الأخيرة لكي ننزعج من مستوى الجرأة ومن قوة انتشار ايران وأتباعها: من تايلاند والى جورجيا، من أذربيجان الى الهند، من تركيا والى عمق الغابات الواقعة في أمريكا الجنوبية.
كل ذلك ولم نقل ولو كلمة عن سيناء أو عن اليونان الغارقة في المشاكل الداخلية والتي تخشى أن تتعرض حاليا لضربة أمنية على غرار الاعتداء ضد أهداف سياحية من شأنها أن تؤدي الى انهيار المورد الوحيد الذي يدر أموالا للصناديق المفلسة. وقد وقفت اسرائيل بنجاح أمام تلك المحاولات.. حتى يوم أمس. فمنذ اغتيال عماد مغنية قبل أربعة أعوام، تم احباط جميع محاولات الاعتداء على اسرائيل أو على اسرائيليين في العالم.
وربطت تسريبات أجنبية هذه النجاحات بالموساد الذي ساعد في الغالب العناصر الأمنية في الدول المستضيفة. ومن الممكن الافتراض أن منع العمليات بشكل ممنهج أدى الى احباط كبير لدى حزب الله، ولكنه في الوقت نفسه زاد من الدافع لتنفيذ عملية اعتداء فورية لكي يثبت حزب الله لاسرائيل أنها ليست القادرة على كل شيء، ولكي يثبت أيضا لنشطائه أنه لم يحكم عليهم بالفشل الى الأبد.
تحت هذه الضغوط اختار حزب الله أهدافا لضربها بأي ثمن. زوجة المبعوث لم تكن تحت الحماية في نيودلهي، بالاضافة الى عامل محلي ليس اسرائيليا أصيب في تبليسي. وقد توجهت عناصر أمنية الى الهدفين للتحقيق في ملابسات الاعتداء وخاصة لمعرفة كيف تم تنفيذهما. وفي الحالتين وقفت سيارة قرب السفارة (في جورجيا في مرأب سيارات خارجي مفتوح وفي الهند في آخر داخلي مغلق وخاضع للحراسة).
والآن سوف يتم فحص من وصل اليهما وكيف، وهل مثلما زعمت الهند يتعلق الأمر براكب دراجة بخارية حقا قام بلصق عبوة على السيارة ـ أسلوب مماثل لأسلوب اغتيال العلماء في طهران ـ أو بطريقة أخرى؟ وأي عبوات تمت زراعتها على السيارات؟.
ويتضح من خلال الفحص المبدئي أن الأمر يتعلق بعبوات بسيطة نسبيا لا تتطلب إحكاما كبيرا لتركيبها أو تشغيلها، ومن غير المعقول أنه سيكون من الممكن تحديد هوية المنفذين أو من أرسلوهم بناءً على هذه العبوات. ويعتقد العديد من الخبراء الأمنيين في اسرائيل أن المنفذين امتنعوا بالأمس عن ضرب أهداف مركزية لكي يتجنبوا حدوث رد صارخ من جانب اسرائيل.
ومنذ اغتيال مغنية يتخبط حزب الله في طبيعة الرد خاصة خشية أن يتسبب اعتداء ضخم مثل اسقاط طائرة أو نسف سفارة بمن فيها في دفع اسرائيل الى الرد بشكل غير متناسب يصل الى شن حرب أخرى في لبنان.
وما زالت معظم المصادر تعتقد أنه على الرغم من هذه المخاوف غير أن حزب الله اختار أهدافا كانت متاحة بالنسبة له (فالسفارات تحت الحماية والشخصيات المركزية تمتنع عن السفر غير الضروري في هذه الفترة)، ولا يمكن معرفة ماذا سيحدث بعد ذلك. بمعنى آخر: ملف مغنية وملف العلماء لم يغلق بالنسبة لايران وحزب الله، وفي اللحظة التي ستكون هناك امكانية لقتل مسؤول اسرائيلي حالي أو سابق أو شخصية أمنية أو دبلوماسية أو حتى ضرب مجموعة من المتنزهين، هناك شكوك في أن أحدهم في بيروت أو طهران سيتردد في اعطاء الضوء الأخضر للعمل.
هذا التقدير قاد المصادر المعنية بالأمس لاصدار أوامر بتشديد الحراسة بشكل غير مسبوق على جميع المفوضيات الاسرائيلية في العالم. وفي الاجتماع الذي عقد بحضور (ص) رئيس شعبة الحماية التابعة للشاباك، و(أ) رئيس لواء الحماية بوزارة الخارجية، تقرر اصدار أوامر لجميع المبعوثين الرسميين الاسرائيليين في العالم بالامتناع في الأيام القادمة عن السفر في سياراتهم ـ الى أن يتم تحديد اذا ما كان الخطر قد زال أم لا.
وبهدف تجنب حدوث حالة من الذعر تقرر فتح جميع المفوضيات الاسرائيلية في أنحاء العالم، ولكن تم تقليص عدد أعضاء السلك الدبلوماسي وساعات العمل وتقييد حجم الأنشطة التي يقوم بها المبعوثون خارج مقار المفوضيات.
ولكن في حال تم وقف موجة الاعتداءات، وعدنا الى التهدئة، سيستمر الفوران من تحت سطح الأرض، فالحرب الرمادية ضد المشروع النووي الايراني المنسوبة لاسرائيل ستحتم مستوى رد فعل كبير وخطوات وقائية وحماية، كما تتطلب تنسيقا مع العالم. ولهذا السبب وجّه رئيس الحكومة ووزير الخارجية الاتهام على الفور لايران لكون جميع أطراف الخيط تتجمع عندها.
وحتى لو كان هذا الكلام قد قيل بدون دلائل، ولكن الهدف واضح: تركيز النيران على ايران بعيد أو قريب، وهو أمر من شأنه أن يشعل نيرانا كبيرة مثلما يعلم رئيس هيئة الأركان العامة الفريق بني جانتس بالطبع، والذي ينهي اليوم عامه الأول في المنصب بشعور ـ أنّ الشر سيأتي من الشمال".