المصدر: "جيروزاليم بوست – تساحي هنغبي(*)
" انتهت المعركة الأخيرة في مجلس الوزراء بشأن الميزانية الأمنية بتسوية نموذجية: استطاعت وزارة المالية بعد سنوات عدة من المحاولات العقيمة، دفع وزارة "الدفاع" إلى الموافقة على آليات فعالة من الشفافية والمراقبة.
من جانبها، منعت وزارة "الدفاع" اعتماد توصية من لجنة ترجتنبرغ لفرض اقتطاع مهم وتحويل الموارد إلى المجال الاجتماعي ـ كالتعليم الحر للأطفال بعمر الثالثة والرابعة. لكن السؤال الأساسي لم يلق جواباً بعد: هل الميزانية الأمنية الحالية كافية لمواجهة التهديدات الإستراتيجية المتنامية التي تواجهها "إسرائيل" في مروحة من الميادين؟ وجوابي على هذا السؤال واضح: هناك حاجة مُلحّة لزيادة الميزانية العسكرية بطريقة تعكس التغيرات الدراماتيكية التي تجري في الشرق الأوسط منذ تموز 2007، عندما صادق مجلس الوزراء على توصية لجنة برودت بخصوص الميزانية الأمنية.
في النصف الأول من العام 2007، عندما صيغت لجنة برودت، كانت لا تزال الولايات المتحدة مسيطرة على العراق. ولم تُحرز إيران تقدماً تقنياً في مجال الأسلحة النووية. وكانت الحكومة اللبنانية مرتبطة بالغرب وتُخفي ارتباطها بإيران وحزب الله. وكانت مصر يعمها الاستقرار وتوجهها السياسي مؤيد للأمريكيين. ولم تكن شبه جزيرة سيناء تشكل تحدياً لإسرائيل في مجالي الاستخبارات أو العمليات. وكان قطاع غزة محكوماً من قبل السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس.
بعد سنوات خمسة، تغير الاتجاه. فعبّد الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق الطريق لوقوع صراع كبير حول السيطرة على البلاد. ومن هذه الفوضى، يظهر الإيرانيون على أنهم الفائزون وتجد إسرائيل نفسها مرة أخرى في وجه تهديدات من الشرق، ويتطلب الاستعداد لهذا التطور استثماراً هاماً من الموارد.
أي قرار يتخذه القادة الإسرائيليون، سواء بقبول إيران النووية أو تنفيذ عمل عدائي، ستكون له كلفته الاقتصادية |
من الآن فصاعداً، سيُصبح وضعها شبيهاً بوضع كوريا الشمالية. ففيما حصلت الأخيرة على الأسلحة النووية، اكتسب الحصانة في وجه أي عمل عسكري. في الوقت نفسه، تتجنب إيران مسار التصادم، لكن نشاطاتها التي تحصل مؤخراً في الموقع السري في فوردو، بالقرب من مدينة قم المقدسة، دليل على تصميم إيران.
إذا ما افترضنا أن العقوبات لن تدفع طهران من التخلي عن الأسلحة النووية، وأن الولايات المتحدة لن تشن هجوماً على منشأت إيران النووية، تكون المعضلة النهاية في حضن القيادة الإسرائيلية.
إن أي قرار يتخذه القادة الإسرائيليون، سواء بقبول إيران النووية أو تنفيذ عمل عدائي، ستكون له كلفته الاقتصادية.
وتعكس التطورات في لبنان تدهوراً هاماً في السيناريوهات المحتملة للحرب في الشمال. لقد نُقي سعد الحريري من بلده وتسلّم مكانه في رئاسة الوزراء نجيب ميقاتي الذي يأخذ أوامره من حزب الله. ولأمين عام حزب الله (السيد) حسن نصر الله وحلفائه تأثير مباشر على الجيش والقوى الأمنية اللبنانية. لذا إمكانية أن نجد أنفسنا في حرب مع حزب الله والجيش اللبناني عالية جداً.
على الرغم من أنه ليس جيشاً كبيراً ولا يتمتع بالخبرة والتجهيز الجيد، هذا السيناريو لم يظهر في مناورات الجبهة الشمالية للجيش الإسرائيلي لعقود.
وهذا يؤثر مباشرة على القوات التي يتوجب أن نخصصها لهذه المعركة وعدد أيام الحرب وغيرها من العوامل الأخرى، وجميعها لها تأثيرات مالية.
إنّ التطورات في مصر تشكل أيضاً تحدياً أمنياً، تحدياً لم تشهده إسرائيل منذ زيارة أنور السادات إلى القدس قبل 35 عاماً. ورغم أنه من المبكر تقييم تأثيرات فوز الحركة الإسلامية في الانتخابات النيابية على مستقبل اتفاقية السلام، يجب على إسرائيل أن تراقب التحول الدراماتيكي للأحداث في مصر كإنذار إستراتيجي لإمكانية وقوع حرب جديدة في الجبهة الجنوبية. وهذا يتطلب تغييرات أساسية في البنية العسكرية الإسرائيلية وفي جمع المعلومات الإستخبارية وفي جهوزية الجيش لسيناريو وقوع أعمال عدائية بين البلدين. جميع هذه التدابير لها تأثيرات مالية كانت قد وُضعت جانباً منذ السبعينات.
ولم نذكر بعد تحوّل شبه جزيرة سيناء إلى معقل إرهابي. وسيطرة حماس على قطاع غزة وتدهور علاقاتنا مع تركيا وضعف الموقف الأمريكي في منطقتنا وصعوبة تنبأ أهمية الثورة في وجه نظام الأسد في سوريا وامكانية حصول ثورات الربيع الإسلامي في الأردن والسعودية.
يجب على القيادة المسؤولة أن ترسم الاستنتاجات الضرورية من الصورة التي تُشكل. وهذه القيادة يجب أن تضمن أن يكون الجيش مدرباً ومجهزاً على نحو كاف عندما يحين وقت المواجهة. يجب أن نواصل الاستثمار في البحث والتطوير للحفاظ على المستوى النوعي وقدراتنا طويلة الأجل وأسلحتنا المتطورة وأنظمتنا الإستراتيجية.
يجب أن نستثمر جميع ما هو ضروري في بناء أنظمة الدفاع متعددة الطبقات من أجل حماية مواطني إسرائيل في الجبهة الداخلية. لذا، جهود وزارة المالية لعتزيز زيادة الشفافية والفعالية في الجيش مرحب بها وهامة، لكن يجب أن تكون مصحوبة بإدراك حقيقي للشرق الأوسط الجديد".
(*) رئيس لجنة الخارجية والامن سابقا