المصدر: "معاريف ـ حنان غرينبرغ"
"تبدو مهاجمة المنشآت النووية في إيران بنظر كثيرين كمهمة لعدة طائرات
حربية تجتاح سماء "نتانز"، "بوشهر" و"أراك"، تطلق عدة قذائف خارقة
للتحصينات و"سلام على إسرائيل". الخبراء ليسوا واثقين أن هذا هو الأسلوب
الذي سيتم اختياره. وكما قال أحدهم: "سايبر بدل طائرة، فايروس بدل قنبلة"،
تعبّر ربما أفضل من أي شيء آخر عن ساحة الحرب التي تطوّرت في السنوات
الأخيرة، وإن أردنا الحكم وفق الدودة الخفية "ستاكسنت"، ـ وفق تصريحات في
الخارج ـ، التي هاجمت في صيف 2009 المنشآت النووية الإيرانية وتسببت بعدة
ظواهر مفاجئة أدت إلى تأخير البرنامج، من الممكن التوصل إلى إنجازات
عملانية لا مثيل لها.
هذا الأسبوع، حين سقطت لعدة ساعات مواقع انترنت تابعة لعدة وزارات حكومية،
الجيش الإسرائيلي والشاباك، أثيرت مباشرة الخشية بأن الأمر يتعلق بعمل
موجّه. قال هذا الأسبوع غدي عفرون، سابقاً مدير حماية المعلومات للبنى
التحتية للحكومة في عصر الانترنت (برنامج تثقيف أساسي للبالغين) ومؤسس موقع
حماية المعلومات الحكومية، إن الأمر يتعلق بخطأ في أحد أنظمة الحواسيب
ومَن سارع لنسب ذلك إلى قراصنة الانترنت على اختلافهم فقط أخطأ. "من كل
مكان، تُشن هجمات كثيرة على مواقع إسرائيلية سواء بطريقة تمنع عمل الموقع
أو بدلاً من ذلك اختراقه وتدميره. هاتان الطريقتان ليستا معقّدتين، ويمكن
أن نرى ارتفاعا بحجمها حيث أن هناك مواقع أمنية ـ سياسية في الدولة". وأشار
أن هناك أسلوبا هجوميا آخر ومألوفا كثيراً هو التجسس، "يجري ذلك من خلال
الدخول إلى الشبكات واستخراج معلومات. غالباً لا يعرفون عموماً أن ذلك
يحصل. مَن هو مسؤول عن توجيه الهيئات الاستراتيجية في الدولة، هو الشاباك
عبر سلطة حماية المعلومات التي تأسّست عام 2002 ـ قال رئيس الشاباك الأسبق
يوفال ديسكين عشية انتهاء ولايته إنه في إسرائيل لم تُهاجم بنى تحتية
خطيرة، لكن "كشفنا رموزاً محددة، وهذا لا يعني أنه كان هناك محاولة هجوم،
لكن بالطبع كان هناك آثار وبصمات أصابع. هذا تهديد ليس على الورق فقط، إنما
يطرق على الباب. قال هذا الأسبوع العميد في الاحتياط "شموئل كينان"،
سابقاً ضابط الاتصالات المحوسبة الرئيسي حول هذا الإجراء في الجيش
الإسرائيلي: "حصل النقاش في هذا الأمر خلال عام 2008، حلّلنا التهديدات
القائمة، إلى أين يتجه المستقبل، وتوصلنا إلى نتيجة أنه هناك حاجة لتأسيس
جهاز يعرف كيفية الحماية وأيضاً الهجوم في مجال السايبر".
في هيئة الأركان العامة، حيث يعرف معظم ضباطها الميدان الحربي عبر الأهداف،
أدركوا جيداً ماذا ينتظرهم. في عام 2009 عرّف رئيس الأركان السابق، غابي
أشكنازي، السايبر بأنه "ساحة حرب استراتيجية وفعّالة". ليس فقط الجنود
الذين يجلسون أمام الحواسيب ويبقون أعينهم مفتوحة كي لا تتسلّل يد غريبة،
إنما الميدان الحربي الحقيقي هو الدفاع والهجوم. ساحة لا يجدر أن نُهزم
فيها. تأسس في ذلك العام في الوحدة 8200 هيئة للسايبر خاصة بالجيش
الإسرائيلي. تضم هذه الهيئة عناصر للاتصالات المحوسبة واستخبارات، وعلى
رأسهم ضابطان برتبة عقيد. بعضهم مسؤول عن الحماية، منع جهات خارجية من
اختراق حواسيب الجيش الإسرائيلي، آخرون هم " لاعبو الهجوم".
في الجيش الإسرائيلي لا يتكلم كثيرون عن هذا المجال الحسّاس، لكن من الكلام
الذي قاله في تلك الفترة رئيس أمان الأسبق، اللواء عموس يدلين، يمكن أن
نفهم دور هذه الهيئة. "في السايبر هناك ثلاثة مجالات، جمع معلومات، هجوم
ودفاع. هذا البعد مناسب جداً لمفهوم الأمن في إسرائيل... الجيش الإسرائيلي
يعتزم توفير حماية جيدة للشبكات وكذلك تشغيل هجمات سبرانية خاصة به".
إلى جانب ذلك، أسّسوا في مركز الشيفرة والأمن "طاقما أحمر" (متسوف)، يعمل
بشكل مماثل لسلاح الجو كـ "عدو"، ودوره اختبار المنظومات الدفاعية". يعمل
يومياً عشرات الجنود والضباط الأكاديميين، معظمهم خريجو البرنامج الرائع
"تلفيوت" (حصن) لتحدي مجال حماية معلومات في الشبكة العسكرية بشكل هام.
قال ضابط شغل في السابق منصباً أساسياً في الهيئة إن الأمر يتعلق بمجال
يتطور بشكل سريع جداً، وإنه يجب تنسيق بدائل دفاعية قبل أن تتمكن جهات أخرى
من كشف نقاط الضعف. "في حالة الاستهداف السبراني لا تقع إصابات في
الأرواح، لكن حجم الأضرار قد يكون هائلاً".
في شهر أيار أسّس رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو "هيئة السايبر القومية"
التي أساسها "زيادة قدرات دفاع الدولة عن منظومات البنى التحتية الأساسية
إزاء هجمات السايبر الإرهابية". لم تكن إسرائيل الأولى التي عملت بهذا
المستوى، فقد عرّف رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما التهديد كأحد أخطر
الأمور على الأمن القومي للولايات المتحدة وعلى اقتصادها، وفي العام الماضي
عرّفت وزارة الدفاع الأميركية ساحة السايبر بساحة حربية. تأسّست هذه
القيادة برئاسة الجنرال المتقاعد مايكل هايدن، وكذلك فرنسا، ألمانيا
وبريطانيا تعمل بنفس الاتجاه.
في الصين مقابل ذلك، يستخدمون هذا المجال بشكل ملحوظ لحاجة التجسس، وخصوصاً
إزاء أهداف في الولايات المتحدة وأوروبا. أُفيد في عام 2009 عن تسلّل إلى
حواسيب في الولايات المتحدة وسرقة برامج طائرة حربية متطورة، ووُجهت أصابع
الاتهام نحو الصين.
قبل عدة أشهر حلّل المحققان الدكتور "شموئل أفن، من معهد بحوث الأمن
القومي، و"دافيد سيمن" من معهد البحث الاستخباراتي، الحرب في مجال السايبر.
أحصى الاثنان سلسلة من المميزات لساحة الحرب الجديدة: قدرة عمل سريعة
قريبة من سرعة الضوء، قدرة عمل سرية، استخدام سلاح يعتبر فتاكاً، خطر بسيط
على الحياة البشرية.
أحد الأحداث السبرانية المثيرة للاهتمام حصلت في إيران ونُسبت إلى إسرائيل
والولايات المتحدة. كشف تقرير مفصّل أعدّته شركة التأمين سيمنتك أن الدودة
نُسّقت لضرب محولات تردّد محددة مركّبة على أجهزة الطرد المركزي لتخصيب
اليورانيوم. أوضح الدكتور "أفن" أن الأمر يتعلق بحادث محكم: "الأمر يتعلق
بوسائل متطورة، للمرة الأولى يتجه العمل في مجال السايبر إلى العالم
المادي، بعبارة أخرى هناك تأثير نتج حتى الآن من خلال العمل الحركي، على
سبيل المثل إلقاء قنبلة". ووفق كلامه، يُظهر هذا الحادث كيف يمكن لهجوم
سبراني أن يتسبب بضرر كبير، بما في ذلك في الجانب الاستراتيجي.
كجزء من استعداد هيئة السايبر في الجيش الإسرائيلي، تقرّر تأسيس عدد من
المهن الجديدة، على سبيل المثال "حماية السايبر"، حيث يتم تدريب الجنود في
كلية شعبة الاتصالات المحوسبة. يمكن الافتراض أنه بهذه الطريقة يدرّب الجيش
الإسرائيلي "مهاجمي السايبر".
ويروي العميد في الاحتياط "كينان" أن تحديد مكان الجنود الذي يعملون في
هيئة السايبر الإسرائيلية يتطلب تفكيراً عميقاً. "هناك أولاد عباقرة يمكنهم
اختراق أي أمر. هذا يعطي لإسرائيل أفضلية كبيرة".
تعتقد الجهات التي تُعنى بهذه المسألة، سواء من الجانب العسكري أو الجانب
الأكاديمي، أن هذه هي فقط بداية عصر السايبر. التقدير هو أن إسرائيل ستوسّع
قدراتها في هذا المجال، ولا مانع من أن تعيّن لهذه المسألة ضابطا برتبة
لواء. وختم ضابط رفيع المستوى قائلاً: "نحن نعيش في عصر آخر تماماً، تجري
المواجهات والحروب بصورة مختلفة لما هو معروف، ومع مرور الوقت سنرى مناورات
برية وغارات جوية أقل، سيُدار الميدان الحربي من داخل غرف العمليات التي
يجلس فيها جنود وضباط ببدلات عسكرية رسمية. الحسم سيكون أقل وضوحاً، كذلك
الردع سيغير أوجهه، لكن في نهاية المطاف، ستُحبط تهديدات، وهذا هو الأمر
الأساسي الذي يطمح إليه الجميع".