لا أمل في تسوية سياسية
المصدر: "موقع nfc ـ يهونتان دحوح هليفي"
"أنهى
خطاب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن) في الجمعية العامة للأمم
المتحدة (23/9/2011)، وتقديم طلب الإعتراف بدولة "فلسطين"، فصلاً إضافياً في سجل
إتفاقية أوسلو. أبو مازن دق المسمار الأخير في نعش الفرضية الإسرائيلية الأساسية،
التي بموجبها يمكن الوصول لتسوية النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني على أساس المعادلة:
أرض مقابل سلام.
المعادلة السياسية التي قدمها أبو مازن تعود وتؤكد مبدأ "الحق"
الفلسطيني كأساس لأي تسوية سياسية. مبدأ "التسوية" غير موجود في القاموس الفلسطيني،
وكل هدف الأمم المتحدة هو الوصول الى إنجاز "الحق" الفلسطيني، الذي يتوسّع الى
"تسوية" متاحة فقط في الاستعداد الفلسطيني للموافقة على إنجاز "الحق" الفلسطيني في
خطة مراحل.
رؤية أبو مازن للسلام، المرتكزة على "الحق الفلسطيني، تثق بشكل كامل
بالإرث السياسي لسلفه، ياسر عرفات، ولا تختلف بشكل جوهري عن موقف حركة حماس.
الإجماع الفلسطيني هو على اعتبار "لا بد من ذلك ولو كلف الأمر الحياة"، ولا يترك أي
مجال لمناورة وتسوية في المواقع الأساسية، وعلى رأسها القدس وحق العودة للاجئين
الفلسطينيين ("حق العودة").
الخطوة في الأمم المتحدة معدّة لتجريد إسرائيل من كل
مكتسباتها السياسية في المفاوضات ودفع العملية التي تؤدي الى إقامة دولة إسرائيلية
قُدماً، وذلك من دون أن يُطلب من الفلسطينيين التنازل ولو عن أي تفصيل تافه من
مطالبهم الأساسية. تراجع الى حدود الـ 67 لا يُغلق بوابات الصراع، إنما هي بمثابة
خطوط محسنة لمواصلة الصراع على حق المطالبة بعودة خمسة ملايين فلسطيني الى بيوتهم
والى ممتلكاتهم داخل أرض دولة إسرائيل. بعبارة أخرى: إخلاء المستوطنين اليهود من
مدن تل أبيب، القدس، حيفا وغيرها من المستوطنات من أجل إستيعاب
الفلسطينيين.
الخطة السياسية التي تبنتها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عرفات
في العام 1974 اعترفت بمحدودية الصراع المسلح واتخذت مبدأ الحل على مراحل حتى تحقيق
كافة حقوق الفلسطينيين، بما في ذلك عودة اللاجئين. مفهوم عرفات "سلام الشجعان"،
الذي جاء في أساس إتفاقية أوسلو، استخدمت ممارسة خطة المراحل.
مفهوم "الشجاعة"،
بحسب عرفات، كان مختلفاً عند بداية "سلام الشجعان" لدى زميله الإسرائيلي في إتفاقية
أوسلو رئيس الحكومة المتوفّى إسحاق رابين. عرفات اعتزم مواجهة الصعوبة الكبيرة
المرتبطة بتأجيل تحقيق الحقوق الفلسطينية في إطار خطة مراحل، في حين أن رابين رأى
في "سلام الشجعان" تنازلات مشتركة عن مواقع أساسية من أجل تعهد تعاون وسلام
دائم.
الجمعية العامة للأمم المتحدة أخرجت أبو مازن من النعش. لا يوجد بعد زعيم
أشيب وضعيف يُغطي عمله الظل التاريخي لعرفات، إنما زعيم مبدع لا يخاف قيادة خطوة
سياسية مستقلة ويحتمي بالساحة السياسية. أبو مازن لم يكن ليتحوّل الى "أبو علي"،
لولا ثورات "الربيع العربي" التي خلقت معادلة سياسية جديدة لزميلتها إسرائيل.
الفلسطينيون (وفي هذا السياق أيضاً حماس) يرون بصورة الوضع الجديدة في الشرق الأوسط
فرصة تاريخية مفتوحة أمامهم، ولا سيما أن هذا الكلام قيل بصعود تركيا كدولة إقليمية
عظمى معادية لإسرائيل وفي تحول السياسة المصرية إزاء إسرائيل بعد إبعاد
مبارك.
الشرق الأوسط لا يسير كالماضي. هو يتحرر تدريجياً من السيطرة الأمريكية
والغربية بقوة الشعب، وهو يخلق من جديد وتدريجياً جبهة عربية إسلامية تهدد إسرائيل.
السلطة الفلسطينية تلائم نفسها مع الظروف الجديدة وهي تعمل في الجبهة السياسية على
قاعدة الفرضية الأساسية، التي تواجه إسرائيل بموجبها أزمة سياسية إستراتيجية ونطاق
عملها يتقلّص كثيراً. إسرائيل، من وجهة النظر الفلسطينية، سلّمت منذ الماضي بإقامة
دولة فلسطينية في معظم أراضي يهودا والسامرة، وهي غير قادرة في الظروف السياسية
الحالية على ضم هذه الأراضي أو الإستمرار بالوضع القائم على طول الزمن.
من وجهة
النظر الإسرائيلية، لحظة الحسم تقترب. ما من هوامش لعملية سياسية تتيح مناورات
سياسية والتوصل الى إتفاقيات مرحلية. القضايا الجوهرية هي الموجودة على جدول
الأعمال، وعلى رأسها القدس واللاجئون. المشكلة هي، أن جدول الأعمال محدد على أساس
تسوية تاريخية غير ممكنة. السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة أبو
مازن لا تُمثل كافة الشعب الفلسطيني وليس بإمكانها الإلتزام باتفاقية تسري أيضاً
على قطاع غزة وتشمل الفلسطينيين في الشتات. حماس وزعامة الشتات الفلسطيني يعترضون
على مسألة الشرعية الحكومية لأبو مازن ويعارضون كل خطوة سياسية، بما في ذلك
الإعتراف في الأمم المتحدة، التي لا توجد فيها مساعدة لـ "حق العودة"
للاجئين.
المعضلة
الإسرائيلية صعبة وتمس بمسألة أصل وجودها كدولة يهودية. الموافقة على المطالب
الفلسطينية تعني إنتحاراً عن طيب خاطر، والوضع القائم سيؤدي بالضرورة الى دولة
مزدوجة الجنسية. أمام القادة هناك خيار مواصلة إعتماد أسلوب "إدارة أزمات" على أمل
تطورات تحمل في جعبتها فرصاً سياسية، أو سلوك نهج مبتكر أحادي الجانب،
يركز على إعادة ترسيم حدود يمكن حمايتها، من خلال دراسة إحتمال فتح الحدود بين
السلطة/ الدولة الفلسطينية مع الأردن".