المصدر: "موقع نعنع الاخباري ـ عمري نحمياس"
" حظي رئيس السلطة الفلسطينية بتصفيق حادّ أثناء خطابه في الجمعية
الـ-66 للأمم المتحدة، في حين اضطُرَّ رئيس الحكومة أن يكتفي بتصفيق زهاء ـ
20 عضواً من البعثة الإسرائيلية. "نتنياهو" ملزم بالعمل الآن، لأنَّه في
نهاية المطاف سوف يقنع الفلسطينيون العالم أنَّ إسرائيل متهمة بالجمود
السياسي وسيُقبلون كأعضاء كاملين في الأمم المتحدة.
"بنيامين نتنياهو" و "أبو مازن"، زعيمان قديمان يقطنان على مسافة تستغرق
رحلتها بضع دقائق عن بعضهما البعض، قطعا مسافة عشرة آلاف كلم تقريباً
خصوصاً من أجل التشاجر على منصّة الأمم المتحدة، في مبارزة الخطابات التي
لم تُحدث أيَّ أمر جديد. لم يصدر أي كلام هامّ وجديد هناك، في الموقف الذي
كان من المفترض أن يكون تاريخياً وغير منسي، لكن يبدو أنه كان بمثابة "حياة
من هذا النوع" للصراع الشرق أوسطي.
جلس "أبو مازن" في الجهة اليمنى، مفعم بالروح القتالية والعنفوان. وقبل أن
يرنّ الجرس بدأ بتوجيه الضربات إلى إسرائيل واتهامها، من بين جملة أمور،
بالتطهير العرقي. في حين جلس "نتنياهو" في الجهة اليسرى. خلافاً لـ "أبو
مازن"، هو لم يكن مفعماً بالروح القتالية، إنما كان هامداً ومتعباً. حجَّته
الأساسية كانت الممانعة الفلسطينية. وفي الوقت الذي اختار فيه "أبو مازن"
خطاباً واضحاً معادياً لإسرائيل، بالطبع ليس كذاك الذي يثير أملاً بسلام أو
بغد أفضل، ويشدِّد فقط على جانب واحد في الصراع، اختار "نتنياهو" خطاباً
مبهماً وعديم الإلهام يكرِّر فيه عشرات الكلمات عن استعداده لإدارة
المفاوضات في أي وقت.
اعتدنا القول إنَّ الأمم المتحدة هي مكان لا تهواه إسرائيل. ولذلك، كان يجب
أن نكون هناك بشكل مادي لكي ندرك كم هو خطير ومزعج العزل الدولي الواقعة
فيه إسرائيل. وبينما قُوطع خطاب "أبو مازن" مرات عديدة بالتصفيق العالي
لممثلين من دول عديدة في أفريقيا، أوروبا وأميركا الجنوبية، لاقى كلام
"نتنياهو" تصفيق زهاء- 20 عضواً من الوفد الإسرائيلي الذين كانوا منتشرين
في القاعة، وكذلك بعض أعضاء التنظيمات اليهودية من الشرفة.
يمكن التناقش حول مستوى موضوعية الأمم المتحدة، نفاق وغياب الإعتبارات
الأخلاقية هناك، لكن لا يمكن التناقش حول الوضع اللا متألق لإسرائيل في هذا
المنتدى، إذ إنّه لولا التدخّل الشخصي للرئيس "أوباما" لكانت سُجِّلت منذ
الغد هزيمة دبلوماسية نكراء في مجلس الأمن. ففي الوفد الإسرائيلي ذُهلوا من
خطاب "أوباما"، الذي كان خطاباً مؤيّداً للصهيونية فعلاًَ ولاقى انتباهاً
حتى من كتلة الاتحاد القومي في الكنيست.
ربّما تكون هذه الوتيرة المتدنّية للهبات اليهودية، ربّما هذه حقيقة دخولنا
عام الإنتخابات في الولايات المتحدة الأميركية، وربّما هذا هو إدراك أنَّ
القرار المزمع حيال وجود دولة فلسطينية صديقة حتى لمصالح أميركية دفع
"أوباما" إلى تشغيل كامل قوّته من أجل إلغاء القرار. على أيّ حال،
"نتنياهو" مدين له بهبة.
واقع المنطقة لن يتغيَّر
ربّما بدأ بالأمس في اجتماع الأمم المتحدة مفصل تاريخي سيحصل في نهايته
الفلسطينيون على دولة. لكن عندما يزول غبار الخطابات، وتُكنس قصّاصات الورق
التي ستنثرها اليوم الحشود في رام الله على "أبو مازن" من الشوارع، سنكتشف
أنَّ الكثير لم يتغيَّر: قد يكون مطلب الفلسطينيين في الحصول على عضوية في
مجلس الأمن موضع نقاش في غضون أشهر، سيبقى فيها واقع المنطقة على حاله
بالتحديد.
وللحؤول دون هذا الجمود، أصدرت الرباعية الدولية لشؤون الشرق الأوسط بياناً
نُشر فور انتهاء خطابي الزعيمين، في محاولة للدخول في الفراغ، وإنزال
الأطراف من على الشجرة وإجلاسهم حول طاولة المفاوضات. "نتنياهو" يوقّع على
هذا البيان دون أن يرفَّ له جفن: فهو (البيان) يدعو إلى مفاوضات دون ذكر
مسألة تجميد البناء في المستوطنات، الأمر الذي يُعدُّ إيجابياً وهاماً
للغاية حيال موقف رئيس الحكومة.
وبذلك يطلب أيضاً أعضاء الرباعية التوضيح لـ "أبو مازن" أنّه من الأفضل له
التفكير بمسار موازٍ لخطوة الإعتراف في الأمم المتحدة، التي يتوقع أن تنتهي
بخيبة أمل بالنسبة له. إلاَّ أنَّ رئيس السلطة لم يتأثَّر من الدعوات، ولا
من حقيقة أنَّه ليس لديه أغلبية في مجلس الأمن، ويسير بكل عزمه نحو
التصويت على ضمّ فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة: "إننا نطرح على طاولة
مجلس الأمن طلباً قد يُرفض في المرة الأولى، الثانية، لكن ربّما سيُقبل في
المرة الثالثة. فإسرائيل قُبلت في المرة الثانية، الأردن في المرة الرابعة
وإيطاليا في المرة الثامنة"، هذا ما قاله عضو الكنيست "أحمد طيبي" نهاية
الأسبوع، عندما سألته لماذا يصرّ الفلسطينيون على مواصلة العملية التي تبدو
إلى الآن عديمة الأمل.
الهدف الفلسطيني: البقاء في وجدان العالم
على الأرجح أنَّ الفلسطينيين سيفكِّرون بخطواتهم بحذر، وسيمدِّدون الوقت في
مجلس الأمن. في الأشهر المقبلة، ستبقى القضية مطروحة على جدول الأعمال
الدولي، وسيُمارس ضغط شديد على الدول غير الدائمة في مجلس الأمن مثل
بريطانيا ونيجيريا، حتى تدعم الخطوة الفلسطينية. في المقابل، سيستغلّ
الفلسطينيون استمرار الرواية المطوّلة من أجل هزم إسرائيل. وفي حال أدركوا
بعد مرور عدة أشهر أنَّه لا يوجد أمل باتخاذ قرار في مجلس الأمن، عندها
يمكنهم إعادة الطلب إلى الجمعية العامة والحصول هناك على أغلبية ساحقة.
أما عن المفاوضات، إن حصلت، يبدو أنه ليس ثمة ما نتكلّم عنه في هذه
المرحلة. فقد صرّح "أبو مازن" هذه الليلة فقط أنه لن يوافق على إدارة
مفاوضات دون تجميد تام للبناء في المستوطنات والنقاشات حول خطوط الـ 1967.
"نتنياهو" يسمع تلك المطالب ويغضب. حيث قال في جلسات مغلقة: "ذهبت أبعد من
أي رئيس حكومة، حتى أبعد من رابين"، "إذاً من أين ظهر هذا الطلب المتعلّق
بالتجميد بغتة؟ هذه نكتة".
في المدى القصير سيحظى "نتنياهو" بنقاط، سواء إزاء الداخل أو إزاء دول
الرباعية. فموافقته الفورية على تحريك المفاوضات على أساس شروط الرباعية
ستمنحه رصيداً بعض الشيء. لكن السؤال هو ماذا سيحصل في المدى البعيد.
"نتنياهو" هو ذاك الذي يحذِّر صباحاً ومساءً من الزوابع، التقاذف والهزات
الأرضية في الشرق الأوسط. ربّما كان يجدر به التقدّم بملء إرادته للبحث في
قضايا جوهرية الآن، وعدم انتظار تعميق عزلة إسرائيل في الشرق الأوسط أمام
مصر، الأردن، تركيا، وسينجح الفلسطينيون، في نهاية المطاف، وإنْ استغرق
الأمر سنة أو سنتين، في إقناع العالم أنّ إسرائيل مذنبة وفي الحصول على
عضوية كاملة في الأمم المتحدة، تحت نفس الحدود التي رفض "نتنياهو" النقاش
حولها حتى كأساس للمفاوضات".