المصدر: هآرتس - افنير هليفي
خدمت سياسة "المناطق مقابل السلام" اسرائيل في مفاوضتها الدول العربية
لكنها لم تعد منذ زمن خيارا حقيقيا للتفاوض مع الفلسطينيين. ان قرار
الجمعية العامة للامم المتحدة المرتقب، على اعتراف بدولة فلسطينية في حدود
1967، هو فرصة للصحوة نهائيا عن فكرة ارض مقابل سلام مع الفلسطينيين.
عشية حرب الايام الستة، لم تكن دولة مستقلة أو حق الفلسطينيين في تقرير
المصير في برنامج العمل الدولي البتة. وقد تلخص الشأن الفلسطيني آنذاك في
ملايين اللاجئين من حرب الاستقلال اعتنت بهم منظمة الغوث الدولية باعتبار
ذلك مشكلة انسانية. لكن الفلسطينيين في الاربعين سنة الاخيرة استطاعوا ان
يحصلوا على شرعية دولية واسعة لطلبهم دولة مستقلة غربي الاردن تقوم مساحتها
على خطوط 1967 وهو أمر أزاح البساط من تحت خط الارض مقابل السلام لأن
الفلسطينيين أصبحوا قد "سجلوا في الطابو" حدود دولتهم.
جاءت المساعدة الرئيسة لمنظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات في
الطريق الى هذا الانجاز من الاحتلال الاسرائيلي الطويل الذي استُخدم قاعدة
دعائية لعرض الفلسطينيين بأنهم شعب مضطهد ذو حق في استقلال. وكان هناك عامل
آخر في المشايعة التي حشدها الفلسطينيون هو تليين مطالبهم السياسية. لم
تُغير م.ت.ف الميثاق الفلسطيني، لكن مواقفها السياسية العملية تغيرت
بالتدريج. وهكذا اعترفت م.ت.ف بقرار التقسيم في 1947، واعترفت بالقرار 242
الذي يطلب الى اسرائيل ان تنسحب فقط من الارض التي احتلتها في 1967، ووافقت
في اوسلو على تعايش سلمي مع اسرائيل وتسوية دائمة معها.
تخلى رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الحكومة الفلسطيني سلام فياض ايضا علنا
عن سياسة الارهاب، وعملا على نحو حقيقي على ضبطها. وكان من نتيجة ذلك أن
تغير التفاوض في ارض الدولة الفلسطينية وحدودها قبل سنين. ففي 2002 اتخذ
مجلس الامن قرارا بتأييد انشاء دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل لاول مرة
منذ قرار التقسيم في 1947. وفي 2004 طرح الرئيس بوش خريطة الطريق ورؤيا
الدولتين. وبعد ذلك تبنت السلطة الفلسطينية طلب خطوط 1967 باعتباره موقفا
مبدئيا، وطلبت في التفاوض مع رئيس الحكومة ايهود اولمرت في 2008 تقليص
المساحة التي ستبقى في يد اسرائيل الى 3 في المئة، وان تحصل مقابلها على
مساحة بديلة مساوية.
من المعلوم ان الشرعية الدولية حيوية لأمة صغيرة معرضة لتحدٍّ. فقد استعانت
الصهيونية بها بنجاح في النضال لانشاء دولة يهودية، وجند الفلسطينيون
مشايعة دولية وهم يستمتعون بالثمار. يحسن ان تتذكر اسرائيل هذا من جديد. ان
قرار الامم المتحدة سيمنح الفلسطينيين تعزيزا آخر للتهرب من التفاوض، بأمل
ان تفقد الجماعة الدولية صبرها وتفرض على اسرائيل دولتهم.
قد يفضي هذا السبيل الى دولة فلسطينية بلا حدود متفق عليها، الى انهاء
للصراع وبلا تسوية لموضوع حق العودة وبلا اتفاق سلام مع اسرائيل. وهكذا
ستفقد اسرائيل نهائيا امكانية التوصل الى تسوية متفق عليها في المنطقة
وضمان مصالحها الحيوية. فمن اجل مواجهة عزلة اسرائيل التي أخذت تزداد ينبغي
تغيير المبدأ. ان الجماعة الدولية التي تؤيد انشاء فلسطين، تؤيد ايضا طلب
ألا تنشأ فلسطين باعتبارها دولة معادية وان تتوصل الى اتفاق سلام مع
اسرائيل.
هذه هي مصالح اسرائيل الحيوية الحقيقية وعليها ان تتمسك بمطالب سياسية
مشتقة منها هي: ان يكون انشاء دولة فلسطينية مشروطا بالتوقيع على اتفاق
سلام مع اسرائيل يشمل انهاء الصراع والمطالب المتبادلة. وألا تكون الدولة
الفلسطينية مسلحة، وأن تتخذ خطوات لمضاءلة امكانية ان تُعرّض اسرائيل
للخطر. وأن يُقرر في الاتفاق ألا تكون عودة للاجئين الى مناطق سيادة
اسرائيلية دون موافقة اسرائيل (لا يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن حق
العودة باعتباره جزءا من روحهم الوطنية العامة)، وأن تُحدد الحدود بتفاوض
بين الطرفين على أساس خطوط 1967 ومع أخذ الواقع على الارض وحاجات الطرفين
العملية في الحسبان.
ستكون هذه سياسة "دولة مقابل السلام"، بدل "مناطق مقابل السلام". فاذا كانت
مصحوبة باستعداد اسرائيلي لاجراء تفاوض هادف فستحظى بتأييد دولي وتُبين
للفلسطينيين انهم يستطيعون انشاء دولة اذا كانوا مستعدين فقط للتفاوض
ولقرارات وطنية صعبة.