حسان إبراهيم
عدا عن تصريحات ومواقف "عرض عضلات"، تخدم سياسة الردع حيال اعدائها، تكتفي
تل أبيب، من ناحية فعلية، بمراقبة ما يجري في الساحتين اللبنانية والسورية،
بانتظار اليوم الذي يلي.
لكنها في نفس الوقت، تتشارك وقوى 14 آذار في لبنان، الامل بأن تؤدي تطورات
الأزمة في سوريا، الى سقوط النظام السوري، لكن، مع الامل ايضا، بأن لا يؤدي
ذلك الى تداعيات وسيناريوهات متطرفة لليوم الذي يلي السقوط. هذا من ناحية
"اسرائيل".
اما من ناحية الآذاريين، فيأملون من دون إعلان، ان يسقط النظام السوري، لكن
ان لا يؤدي ذلك الى تعقيدات اضافية، قد تكون مميتة، على أوضاعهم المتأزمة
اساسا في لبنان. وكلا الطرفين، يتشاركان الامل بأن تتسبب الأزمة في سوريا،
في نهاية المطاف، بسقوط حزب الله في لبنان ومقاومته، بالتبعية وبالتلازم.
قيل الكثير في دوافع وآمال 14 آذار حيال الأزمة في سوريا، ولا فائدة من
دخول سجال حيالها، خاصة انها لا تملك قدرة فعلية على تغيير موازين قوى او
حرف اتجاهات عن مسارها. لكن من ناحية تل أبيب، المسألة مختلفة، بل ومختلفة
جدا. وعلى نقيض من قوى "الاعتدال" في لبنان، لدى "إسرائيل"، من ناحية
فعلية، قدرة مادية كبيرة جدا، من الممكن استخدامها نظريا ضد سوريا، ناهيك
عن ان الموقف والتقدير الاسرائيلي، المسموعين جيدا لدى صناع القرار الدولي،
وكلاهما ذو تأثير، بطبيعة الحال، على التعاطي الدولي مع المشهد السوري
ومجرياته.
إحداث تغيير في سوريا، كخيار بديل عن الحرب المتعذرة ضد المقاومة، وبالتالي
التسبب بإيجاد بيئة استراتيجية في المنطقة تكون مناسبة ومؤاتية للمصلحة
الاسرائيلية، لطالما كان خيارا اسرائيليا قائما ومطروحا، بل وكان محور
نقاشات صناع القرار في تل ابيب. في السنوات القليلة الماضية، اي في الفترة
التي اعقبت الفشل العسكري في لبنان عام 2006، صدرت في تل ابيب تصريحات
ومواقف، بل ومنشورات ايضا، ترتبط بالخيار السوري وإمكاناته، باعتباره خشبة
خلاص تمكّن الدولة العبرية من احداث تغيير استراتيجي في المنطقة. الا ان
خلاف تل ابيب مع نفسها، تمحور بين جلب سوريا للجلوس الى طاولة المفاوضات،
وصولا الى تسوية تدفع دمشق ثمنها بأن تنزع نفسها عن "محور الشر"، اي عن
ايران وحزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة، وبين العمل على محاصرتها
ومعاقبتها، وصولا الى اخضاعها لاحقا. المقاربتان والوسيلتان مختلفتان، لكن
الهدف، كان واحدا.
كما تبين، اي من الخيارين، لم يكن بالامكان سلوكه وتحقيقه. بمعنى ان لا
نتائج متوخاة منهما، لتعذر تسليكهما، من ناحية واقعية. فلا الحكومة
الاسرائيلية كانت بقادرة على جلب سوريا الى طاولة المفاوضات، ولم يكن لديها
الامل، الفعلي، بإمكان فرض عقوبات مؤثرة على سوريا، من شأنها ثني دمشق
وقلب خياراتها.
في المقابل، لم يكن الخيار العسكري، الهادف الى اسقاط النظام وإحلال نظام
آخر بديل موال للغرب ولـ"اسرائيل" بالتبعية، بممكن ايضا. القدرة
الاسرائيلية محدودة، نسبيا، قياسا بالاثمان المقدر دفعها، وقياسا بالمخارج
السياسية التي يمكن ان تعقب الخيار العسكري نفسه، اذ ان التقدير لليوم الذي
يلي، كان محفوفا بالمخاطر، وغير مضمون النتائج... ايضا كان لدى واشنطن،
صاحبة القرار النهائي في السماح او الحض على حروب "اسرائيل"، اجندة مختلفة
ومغايرة، وكانت أولوياتها لا تتساوق مع مغامرة عسكرية، اسرائيلية تحديدا،
غير محسوبة النتائج.
كان هذا هو واقع العدو الصهيوني قبل الأزمة السورية، وفي الاجمال، وبمعظم
مكوناته، هو واقع الكيان الغاصب خلال الأزمة السورية ايضا، الامر الذي يفسر
ارتداع تل أبيب عن اللجوء الى قدراتها العسكرية، لتغيير مسارات الأزمة او
دفع اتجاهاتها بما يتوافق مع المصلحة الاسرائيلية الكاملة. لكن ذلك، بطبيعة
الحال، لا يعني عدم استعدادها وتجهّزها لليوم الذي يلي الأزمة، وتحديدا،
في ظل التقديرات والفرضيات المتطرفة، كأن تؤدي الى فوضى في مرحلة ما بعد
سقوط النظام، على فرض سقوطه، او تشهد الساحة سقوطا بلا بدائل مناسبة.
في اطار توصيف الموقف الاسرائيلي من الأزمة في سوريا، فإن تل أبيب تنظر
اليها كمصلحة اسرائيلية بامتياز، كونها، في حد ادنى، تشغل النظام السوري
داخليا عن اولوياته الخارجية القومية، كعنصر اساسي في محور المقاومة
والممانعة، اي بعيدا عن لبنان، كمثال، اذ في هذه الحالة سيحاول التركيز على
معالجة ازمته الداخلية، طالما هي قائمة ومتواصلة. لكن المشكلة الاسرائيلية
تكمن في اليوم الذي يلي، وفي ان لا تبقى الحال على ما هي عليه، باتجاه
استقرار النظام او، ضمن فرضية متطرفة، سقوطه. بمعنى ان سيناريوهات اليوم
الذي يلي، هو الذي يؤثّر على الموقف الاسرائيلي الحالي من الأزمة نفسها،
والذي بات كما يبدو، مركبا من ثلاثة عناصر: الانتظار والامل والخشية.
والسؤال المرتبط بمرحلة الأزمة من ناحية "اسرائيل"، قبل انهاء الأزمة، يأتي
على الشكل الآتي: هل من مصلحة اسرائيل، او هي قادرة على تسليك خيار عسكري
ما، كبير او صغير، في حال تبين ان النظام قادر على احتواء الأزمة، وهو ما
يتبين حاليا، وبالتالي الدخول في مغامرة عسكرية ما؟. على ما يبدو، السؤال
اشكالي من ناحية تل ابيب، والاجابة عنه غير سهلة، كون فرضياته غير مضبوطة
وغير محققة.
على ذلك، من مصلحة تل أبيب، وهو الحراك العملي المفعل حاليا، ان تنتظر
طالما الامور لم تنته، مع حث القوى الفاعلة والمؤثرة، الخارجية تحديدا، على
ابقاء الأزمة قائمة. ما دام ان منسوب الخشية مرتفعا لليوم الذي يلي،
فسينصبّ الجهد الاسرائيلي على ابقاء الأزمة من دون ان تنتهي فعليا. ويبدو
من الحراك الخارجي ضد سوريا، انه في هذا الاتجاه ايضا. ومن اللافت ان
المقاربة والصراخ الخارجي، يتأثر ارتفاعا وانخفاضا بمجريات الاحداث في
سوريا. في هذه المرحلة، وهي المرحلة التي تتسم بظهور قدرة لدى النظام على
احتواء الأزمة، ترتفع الاصوات التي تحاول جبر الانكسار لدى من يُسَمَّوْن
بالمعارضين، في محاولة للتعويض عن نفس الانكسار والحث على مواصلة الطريق،
وبالتالي الأزمة.
كما يظهر، فان الارادة والفعل الاسرائيليين، منصبّان حاليا، كما هو حال
الاخرين في الغرب، بعناصره ومؤيديه واتباعه على كثرتهم، على التحقق والدفع
باتجاه استمرار الأزمة في سوريا، بلا نهايات. هذا هو التوصيف الحالي
للمقاربة الاسرائيلية، ما لم يحدث تغيير ما، وأساسي، في عناصر المقاربة
نفسها، والعناصر التي تردع "اسرائيل" عن سلوك خيارات عسكرية، صغيرة او
كبيرة، ضد سوريا، وهو ما لا يبدو ممكنا في المدى المنظور.