رغم محاولة الإيحاء بجدية الطرح، إلا أن الحديث عن إلغاء اتفاق أوسلو ليس
سوى ورقة من أوراق التلويح الإسرائيلي التي تهدف إلى ردع السلطة الفلسطينية
عن طرح إعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، لكن من دون أي فرصة
واقعية لتنفيذه على ارض الواقع بما تحمله كلمة إلغاء من معنى.
كشفت صحيفة "هآرتس" الصهيونية عن أن فريقا برئاسة مستشار الأمن القومي،
اللواء احتياط "يعقوب عميدرور"، بدأ مشاورات مع مندوبي وزارات الحكومة لبحث
إمكانية إلغاء اتفاق أوسلو ردا على إصرار السلطة على طرح قضية إعلان
الدولة الفلسطينية على الأمم المتحدة، وما يمكن أن يعقبها من تداعياتها.
تنبع أهمية فكرة إلغاء اتفاق أوسلو، بعيدا عن مدى واقعيتها، من دور هذا
الاتفاق التأسيسي في منظومة العلاقات القائمة بين "إسرائيل" والسلطة،
ولكونه الإطار الذي يضبط وينظم هذه العلاقات في مجال الأمن والاقتصاد
والبنى التحتية وغيرها... لكن المسألة الجوهرية أن الحديث عن إلغاء هذا
الاتفاق، هو حديث نظري، لا يملك أي أرضية لتطبيقه انطلاقا من مصالح
"إسرائيل" نفسها، ولما قد يترتب عليه من نتائج وتداعيات. إذ في حال تم ذلك،
بالمعنى الحقيقي للكلمة، ينبغي على "إسرائيل" أن تحدد مكانة السلطة
الفلسطينية في الضفة الغربية، ويستوجب ذلك أيضا إلغاء التعاون الأمني بين
"إسرائيل" والأجهزة الأمنية الفلسطينية، على الأقل من الناحية الرسمية
والعلنية، فضلا عن إلغاء الغلاف الجمركي الإسرائيلي في الضفة وفي قطاع غزة،
الذي تم التوصل إليه في إطار اتفاقات باريس في العام 1995، وتجبي
"إسرائيل" بموجبه الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية.
ولا يخفى أن من تداعيات إلغاء الاتفاق، وليس الاقتصار فقط على تعليق بعض
بنوده، هو حصول انهيار اقتصادي في السلطة، أضف إلى تحرر الأخيرة من كثير من
القيود السياسية والأمنية التي يفرضها الاتفاق، وهو ما ليس في مصلحة
"إسرائيل"، فضلا عن أن كل ذلك سوف يؤدي إلى تعليق اتفاقات تجارية بينها
وبين الاتحاد الأوروبي. وإذا ما ذهبنا ابعد من ذلك، يمكن للسلطة لو توافرت
الإرادة السياسية لدى قيادتها، أن تلوّح هي بحل نفسها، الأمر الذي سوف يشكل
عنصرَ ضغطٍ كبيرا على "إسرائيل"، وهو ما سوف يستدرج بالضرورة ضغوطا دولية
على تل أبيب إن شعرت عواصم القرار في العالم الغربي بجدية هذا الطرح.
أما لجهة خلفيات المخاوف الإسرائيلية من طرح الدولة الفلسطينية في الأمم
المتحدة، فيعود إلى أن ما تخشاه تل أبيب هو أن يتم فرض صيغة تسوية عليها،
من جهة دولية، وهو ما يتعارض مع ثوابتها التي حرصت على تطبيقها طوال فترة
المفاوضات في السنوات الماضية، حتى عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة.
في ضوء ذلك يتخوف الإسرائيلي من أن يكون إعلان الأمم المتحدة عن الدولة
الفلسطينية سابقة في مسار فرض الحلول من الخارج، مع ما قد يترتب على ذلك من
نتائج سياسية فورية ولاحقة. فضلا عن مخاوفها من حراك شعبي فلسطيني يصل إلى
حد الانتفاضة يعقب قرار الأمم المتحدة، الأمر الذي سوف يؤدي الى تصاعد
الضغوط الدولية على "إسرائيل".