حسان ابراهيم
مرت الذكرى الخامسة لحرب الكيان الصهيوني على لبنان عام 2006.
ووجدت التغطية والتحليل الاسرائيليان للحرب، واخفاقاتها وتداعياتها السلبية
المستمرة منذ اعوام، تعبيرا غير مسبوق في وسائل الاعلام الاسرائيلية...
الفشل، وبعد خمسة اعوام، ما زال قائما ومتناميا ويلقي بظلال ثقيلة على
المؤسسة الامنية في كيان العدو، وعلى القادة الاسرائيليين، وعلى الجمهور
الاسرائيلي.
برز، في النقاش الاسرائيلي، الذي جاء غنيا وغزيرا على غير عادة الاعوام
الماضية، موضوع القرار 1701 والقوات الدولية العاملة في الجنوب اللبناني ـ
اليونيفيل. الا ان هذا البروز بقي محدودا، لحساسيته.. كان من الصعب على
الاسرائيليين، في ظل فشل حملة إعادة إنتاج صورة مغايرة لنتائج حرب 2006، ان
يجري التركيز على اليونيفيل ودورها في تحسين صورة "اسرائيل" المراد
تسليكها لدى الجمهور الاسرائيلي. مع ذلك، برز تصريحان وتعليق واحد. الاجدى
الاطلاع على ما ورد فيها، ليكتمل مشهد التعليقات الاسرائيلية في الذكرى
الخامسة لـ"حرب لبنان الثانية".
في اطار عرضها لنتائج حرب تموز 2006، اعترفت وزير الخارجية الاسرائيلية
السابقة ابان الحرب، "تسيبي ليفني"، بمحدودية القدرة الاسرائيلية انذاك على
تحقيق نتائج سياسية في الحرب، مشيرة الى ان ما جرى التوصل اليه، لجهة
اليونيفيل والقرار 1701، هو اقصى ما كان يمكن التوصل اليه في ظل ظروف
"اسرائيل" وما آلت اليه المواجهة العسكرية مع حزب الله.
بحسب ليفني (الاذاعة الاسرائيلية 12/07/2011)، "الكل مسؤول عما حصل، حتى
المسؤولون العسكريون يقولون امرا واحدا وواضحا، ان القرار 1701 هو خديعة
اتاحت انهاء الحرب بمشاركة من العالم كله، لكنه لم ينتج وضعا مختلفا في
جنوب لبنان"، مضيفة ان "هذا القرار لم يمنع ولا يمنع نقل السلاح إلى لبنان،
لكن كان على "اسرائيل" ان تختار بين خيارات مختلفة، وبدلا من هذا القرار
(الخديعة)، كانت لتقدم على الاستمرار في الحرب والتوغل داخل لبنان اكثر، اي
التمرغ في الوحل اللبناني كما فعلت في الماضي، حيث النتيجة كانت سيئة
جداً".
تضيف "ليفني"، وكاعتراف منها بفشل ما اعلن عنه كأهداف للحرب عام 2006،
"اننا موجودون في وضع ليس فيه سلام مع لبنان ولا مع سوريا، بل وأيضا مع
السلطة الفلسطينية حيث ما زلنا مترددين، يوجد صواريخ في لبنان ويوجد صواريخ
في سوريا ويوجد صواريخ في إيران، كما يوجد صواريخ في غزة، السؤال هو ماذا
تفعل اسرائيل حيال ذلك؟ هل نقدم على احتلال لبنان. بالطبع لا فهذا ليس
خيارا واقعيا، بل ان هذا الخيار لم يوضع أبداً على طاولة البحث، ولذلك فإن
ما تريده ضمن الامكانات هو تحقيق ردع حيال تلك الصواريخ، بحيث ان حزب الله
يفهم بانه اذا استخدم هذه الصواريخ فان الحرب ستقع، اي علينا ان نخرج للحرب
للدفاع عن أنفسنا، ويجب على إسرائيل أن تتصرّف مقابل المنطقة بالشكل الذي
يبعد الصواريخ، ليس فقط مادياً، بل يمنع أيضا ايجاد مصلحة قائمة لدى
الاعداء من استخدامها وضرب إسرائيل (ابتداءً)، وهذا جزء من المسؤوليات
الملقاة على عاتق متخذي القرارات قبل اندلاع الحرب في اسرائيل".
اي ان "ليفني"، المسؤولة عن السياسة الخارجية الاسرائيلية خلال الحرب
الماضية، وهي الان رئيسة اكبر كتلة برلمانية معارضة في الكنيست وتطمح لتولي
رئاسة الحكومة الاسرائيلية المقبلة، تقول وتعترف بأن كل ما تريده اسرائيل
حاليا، هو ايجاد حالة نفسية ما لدى اعداء "اسرائيل" كي يمتنعوا عن استخدام
ما لديهم من قدرات عسكرية للاضرار بها، متناسية، وعن قصد كما يبدو، بهدف
تحسين صورة اسرائيل المقتدرة لدى جمهورها، ان اعداءها (حزب الله)، يعلنون
صراحة بأن مهمتهم ووظيفتهم هي الدفاع ومنع اسرائيل من شن اعتداءات،
وبالتالي فان امتناع او ارتداع اسرائيل عن شن هذه الاعتداءات، سيعني
بالمقابل عدم استخدام القدرات العسكرية للمقاومة في وجه "اسرائيل"، لانتفاء
السبب. وكما يبدو، فان ليفني، تريد ان تقول، وهو ما يجري تظهيره حاليا في
تصريحات ومواقف لمسؤولين اسرائيليين، ان ارتداع "اسرائيل" عن شن هجمات
واعتداءات على لبنان، ناتج عن ان لبنان لا يعتدي على "اسرائيل"، وهذا بحد
ذاته نجاح اسرائيلي، علما ان المعادلة مختلفة في الواقع، في ظل تحديد وظيفة
المقاومة الدفاعية. انها محاولة يائسة لاظهار الارتداع الاسرائيلي عن
المهاجمة والاعتداء، كإنجاز اسرائيلي امام المقاومة، رغم انه في الواقع،
خوف اسرائيلي من رد المقاومة نفسها.
اشارت ليفني في المقابلة الى ان ظروف حرب عام 2006 كانت مؤاتية، لكن
"اسرائيل" فشلت في تحقيق اهدافها، وقالت ان "العالم في حينه وقف الى جانب
"اسرائيل" وأعطاها الفترة العسكرية المطلوبة للاستمرار في القتال حتى
النهاية، دُعمت من قبل مجموعة الثمانية، وكل الدول المهمة والكبرى في
العالم، لكن ما حصل كان مغايرا"، وتعترف بالقول: "اليوم يوجد إدراك أكبر
بوجوب النظر الى حرب لبنان بواقعية، اما القول بأننا ننمي عضلاتنا ونتكلم
بقوة، فهي مسألة انتهت، وبالتالي ادعو الله ان لا يسمح بوقوع حرب جديدة".
"سيلفان شالوم"، وزير الخارجية الاسرائيلي السابق، ونائب رئيس الحكومة
الاسرائيلية الحالي، وعراب القرار 1559 باعترافه اكثر من مرة علنا في وسائل
الاعلام الاسرائيلية، يقول (الاذاعة الاسرائيلية 11/07/2011)، ان " القرار
1701 الذي انهى حرب لبنان الثانية عام 2006، انتهى، وبالطبع لم يؤدِّ إلى
التغيير الذي أردناه، ومن المؤكّد أنّ نتيجته لم تكن جيدة لاسرائيل".. انه
اقرار واضح، لا لبس فيه.
في نفس السياق، انما اكثر مباشرة، جاء اقرار "دوري غولد" رئيس مركز القدس
للدراسات الاستراتيجية، وكبير مستشار رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين
نتنياهو، وشغل في السابق منصب سفير "اسرائيل" في الامم المتحدة، الذي تحدث
عشية الذكرى الخامسة لحرب تموز مع اذاعة الجيش الاسرائيلي. بحسب "غولد"،
"قد كان هناك الكثير من الآمال، آمال كبيرة على وظيفة ومهمة القوات الدولية
في جنوب لبنان ـ اليونيفيل، لكن للأسف فإن هذه الآمال لم تؤدّ الى نتائج
جيدة"، واضاف ان "ما حدث هو أنهم اعتقدوا أننا ربما نتحدث عن "يونيفيل مع
أسنان"، "يونيفيل جديدة"، وأدخلوا قوات أوروبية إلى هناك، وليس فقط
فيدجية.. لقد تحدثوا عندنا في اسرائيل عن خطة تفويض أكثر أهمية حيال كل ما
يحصل في جنوب لبنان، ولكن في النهاية لم نر قوة فعالة".
ويشير "غولد" الى وجوب اخذ نتائج حرب لبنان الثانية كنموذج يجب ان يكون
حاضرا في اي عملية لاحقة، اذ يشير الى انه "في حال عدنا إلى العام 2006،
فقد تحدثوا عن أنه يجب وضع قوة هناك، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم
المتحدة، قوات كتلك التي عملت في العراق ضد صدّام حسين في حرب الخليج
الأولى، لكن الامر لم يحصل كما اردنا. لقد تحدّثوا بآمال عالية جدا عن
وظيفة الأمم المتحدة وفجأة تبدّل كل شيء، وكل ما نعرفه من نتائج هو انه في
السنوات الأخيرة نجح حزب الله بالدّخول إلى جنوب لبنان، ولديه حضور داخل
القرى، اما الأمم المتحدة، وبشكل يعلمه الجميع، لم يستطيعوا منع ذلك".
وتحدث "غولد" عن مهمة اليونيفيل كما أرادتها "اسرائيل" وما آلت اليه، اذ
يقول ان "مهمة اليونيفيل حاليا هي البقاء، ليس اكثر. فليس لديهم قوة كافية
أو سلاح كافٍ، وهم يواجهون منظمات إرهابية أو ميليشيات مستعدّة لقتل قوّات
حفظ السلام، لذلك يقومون بعقد صفقات مع حزب الله"، اما لجهة ما ارادته
اسرائيل فلم يحصل، اذ يقول: "بعد الحرب يجب ان تحدد ما يجب ان يحصل على
الارض، ارادوا قوة متعددة الجنسيات، قوة تابعة للأمم المتحدة، وهذا ما حصل،
لكن في حال قمنا بدراسة وفحص الميدان نجد ان اياً من الاهداف التي حددوها
مسبقا، وفقا لقرار مجلس الامن 1701، لم يتحقق... لقد تحدثوا عن اليونيفيل
الجديدة بعد حرب لبنان الثانية، تحدّثوا عن قوة أوروبية متطورة محسّنة،
وليس جنود فقراء يأتون من أفريقيا حيث إنهم مع قليل من البقشيش يساعدون حزب
الله.. الا ان هذا كله لم ينجح، وهذه القوات في وضع سيّئ، وفي النهاية
يتوصلون الى اتفاقات مع السيئين وليس فقط مع الجيدين".
اذاً، مهمة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، بعد حرب عام 2006،
ارادتها اسرائيل مغايرة لما هي عليه الان، الا انها فشلت في فرض ارادتها،
وهذه عينة من الاعترافات الاسرائيلية. انها احدى نتائج الحرب التي لم تردها
اسرائيل. فمحدودية القوة، كما تشير اليها تسيبي ليفني، تفرض على اسرائيل
النتائج، وما لم يتحقق بالقوة العسكرية، لا يمكن تحقيقه بالقوة والحيلة
السياسية.