حسان ابراهيم
بالطبع، تحمل مناورة الجبهة الداخلية
الاسرائيلية، نقطة تحول (5)، والمناورات الاخرى التي سبقتها في السنين الاخيرة،
فوائد وفرصا. تمكّن هذه المناورات صانع القرار الاسرائيلي، من الوقوف على مكامن
العيوب ومواضع التهديدات، وبالتالي محاولة العمل على مواجهتها وحلها. في نفس الوقت،
تحمل هذه المناورات مساوئ غير قليلة، في غنى عن اظهارها للعلن، كلٌّ من القيادة
والجمهور الاسرائيليين، خاصة في زمن عدم الحروب، لأنها تؤكد للاسرائيليين على مختلف
مستوياتهم، من ناحية عملية، ان حجم التهديد ومداه كبير جدا، والقدرة على مواجهته
وصده، متعذرة.
لم تشهد دولة في الماضي، ما تشهده "اسرائيل". "فوبيا" فشل الجيش
الاسرائيلي عام 2006، وما حملته في تداعيات في الوعي الاسرائيلي، تلقي بظلالها،
وبقوة، على التخطيط والفعل الاسرائيليين، بما يؤدي الى الحاق الضرر بصورة "اسرائيل"
المفترض ان تكون مقتدرة، والتي جرى المحافظة عليها (الصورة) طوال السنوات الماضية،
سواء لدى مستوطنيها او حلفائها واصدقائها، وايضا وقبل اي شيء اخر، لدى
اعدائها.
انتهت مناورة نقطة تحول (5)، واتضح لدى القيادة الاسرائيلية ما حذر منه
باحثون اسرائيليون قبل اجرائها... بحسب هؤلاء، كان الاولى اجراء موازنة ما بين
الاضرار والفوائد التي يمكن ان يجبيها تنفيذ المناورة، وفي اعقاب ذلك يتقرر ما اذا
كان من الاصح اجراؤها ام لا.
من نتائج نقطة تحول (5)، يمكن رصد جملة من الفوائد،
التي تبقى، من ناحية واقعية وفعلية، في خانة الهوامش، كأن تظهر "اسرائيل" بأنها
الضحية في الحرب المقبلة، وأن ما تقوم به دفاعي لصد الاعتداءات المقدرة عليها،
بينما يمكن رصد جملة من الاضرار الاساسية، التي قد تكون كبيرة جدا لناحية تداعياتها
السلبية، بل يمكن لها ان تسلب من "اسرائيل" فوائد الحرب إن تقرر اللجوء اليها، او
تقرر التلويح بها.
لجهة الاضرار، يشار الى الآتي:
اقرت "اسرائيل"، من خلال
اجراء المناورة والتأكيد عليها، سواء لمستوطنيها او اعدائها، ان ليس لديها حل عسكري
للتهديدات الماثلة امامها في الحرب المقبلة، وتحديدا خطر الصواريخ، التي باتت اكثر
دقة وتدميرا ومدى، سوى التشديد على تكتيكات الاختباء والتحصن، غير المدروكة اساسا
كما يظهر من المناورة نفسها، لكبر حجم التهديد وسعة مداه. اي ان "اسرائيل" تقر أن
قدرة اعدائها، باتت عصية على المعالجة، وهو ما لم تكن قد اعتادته في السابق. كما هو
معلوم، عمدت اسرائيل في الماضي الى ضرب مكامن الخطر عسكريا او امنيا، من خلال
عمليات وحروب وقائية، ومنعت اصل الخطر من التشكل، لكنها هذه المرة تقر بأنها عجزت
وعاجزة عن ذلك...
في نقطة تحول (5) وغيرها من مناورات الجبهة الداخلية، تقر
"اسرائيل" من ناحية عملية، بأن القدرة الدفاعية لدى اعدائها، قد سبقت بالفعل
امكاناتها العسكرية، وبالتالي تستسلم امامها وتعمد فقط، الى تفعيل وتعزيز اجراءات
الاختباء والتحصن، وهو ما لم تعتد عليه سابقا.
تقر "اسرائيل"، تبعا لذلك، بأن
بنود واسس العقيدة الامنية الاسرائيلية، والمرتكزة اساسا على الحسم السريع ونقل
المعركة الى ارض العدو وانهاء الحرب من دون ضرب الجبهة الداخلية، باتت عاجزة عن
تأمين المطلوب منها، وبالتالي تلجأ الى منطق التخفي والاختباء، كما تشير المناورة
نفسها.
اكتشفت "اسرائيل"، وهي مفارقة اكتشاف سنوي منذ بدء مناورات نقطة تحول، ان
الملاجئ، وهي عماد منطق الاختباء الاسرائيلي في الحرب المقبلة، ما زالت الى الان
غير جاهزة في معظم المستوطنات الاسرائيلية، سواء في الشمال او الوسط او الجنوب.
الحديث عن هذا الواقع كان سائدا جدا لدى المراسلين والمعلقين الاسرائيليين، خلال
ايام المناورة... انها خمس مناورات كبرى اسرائيلية للجبهة الداخلية، خلال السنوات
القليلة الماضية، وما زالت الى الان، الملاجئ، غير جاهزة لاوقات الطوارئ وزمن
الحرب.. وكأن العبر من المناورات السابقة غير موجودة للعمل عليها.
كان البارز في
مناورة العام الحالي، لامبالاة الجمهور حيال تعليمات قيادة الجبهة الداخلية، وبحسب
المعطيات الصادرة في وسائل الاعلام الاسرائيلية، تجاوب اقل 15 بالمئة مع المناورة..
ما يشير الى وجود نوع من عدم الثقة بضرورتها وفاعليتها وإسهامها في اعداد
الاسرائيليين للحرب المقبلة.. كما هو تعبير احد المراسلين الاسرائيليين: "من الصعب
على الاسرائيلي ان يسارع الى الملجأ لدى سماعه الصافرة، وهو يدرك على غير ما اعتاد
عليه، ان في ذلك اقرارا بعجز اسرائيل عن حماية جبهتها الخلفية" من خلال الدفاع
الإيجابي.
كان لافتا، في ايام المناورة الماضية، ان كل جزء علني منها، ويتطلب
مشاركة الجمهور او اخراج اجراءات ميدانية الى العلن، كان يبوء بالفشل الكامل او
النسبي، اما كل ما جرى في الغرف المغلقة، على مستويات القيادة، فجرى التكتم عليه
وعلى مدى نجاحه. مثلا: دوت صافرات الانذار في مناطق كبيرة من اسرائيل، بأسلوب
الانذار الحقيقي وليس الافتراض المحاكاتي، كما هو متبع في المناورات، الامر الذي
ادى الى هلع وسط المستوطنين، ادى الى دخول البعض للمستشفيات؛ ايضا عدم استجابة شبه
كاملة، اذ ان 85 بالمئة من المستوطنين لم يبالوا بإطلاق الصافرات الافتراضية في
اليوم ما قبل الاخير من المناورة، وهو فشل ذريع للمناورة نفسها؛ ايضا، سجلت
المناورة عدم تجاوب الوزراء واعضاء الكنيست، المفترض بهم ان يكون مثالا للمستوطنين،
فبحسب وسائل الاعلام الاسرائيلية، اظهر المسؤولون الاسرائيليون عدم مبالاة شبيهة
بعدم مبالاة المستوطنين انفسهم؛ وايضا، وللمفارقة، عدد كبير جدا من صافرات الانذار
لم تطلق في الوقت المحدد لها، وهذا الخلل يسجل للمرة الخامسة بلا معالجة منذ
مناورات الجبهة الداخلية الخمس... وغيرها ايضا.
كشفت المناورة ايضا، ان كل الخطط
والمشاريع الاسرائيلية للدفاع الايجابي، وكل الحملات الاعلامية والحرب النفسية التي
جرى تفعيلها في الاعوام الماضية، كانت مجرد دعاية اعلامية وحملة علاقات عامة.. فاذا
كان لدى اسرائيل منظومات دفاع ايجابي فعال، فما الحاجة لتنفيذ مناورات للجبهة
الداخلية تستند اساسا على منطق الاختباء والتحصن... ما هي فائدة منظومة القبة
الحديدية، التي "طنطن" العدو لها الى حدود غير مسبوقة؛ ما هي فائدة منظومة "مقلاع
داوود"؛ او منظومة الحيتس لاعتراض الصواريخ البعيدة المدى، بأنواعها المختلفة؛
وغيرها من المنظومات؟؟؟.
على اي حال، المناورة دليل على الفشل الاسرائيلي في منع
تعاظم القدرة العسكرية لدى اعدائها؛ ودليل على عدم القدرة على تأمين رد عسكري ناجع
خلال الحرب لمنع الاعداء من تفعيل ما لديهم من وسائل قتالية وقدرات عسكرية؛ ودليل
ايضا على أن الردع الاسرائيلي غير فاعل وغير مُجدٍ، والا لكان الردع كافيا لمنع
اعداء "اسرائيل" من محاولة الاضرار بها؛ وأكثر من كل ذلك، تبقى المناورة، كما بانت
من نتائجها ومستوى تجاوب المستوطنين معها، دليلا على ان "اسرائيل" غير جاهزة، الى
الان، على خوض حرب جديدة، تمكّنها من تدارك وتجاوز ما برز لديها من عيوب وثغرات عام
2006... علما ان قدرات اعداء "اسرائيل" في حينه، تختلف كما ونوعا وقدرة تدميرية،
عما هي عليه الان.