مناورة "نقطة تحول خمسة"... إقرار إسرائيلي بفشل الحرب المقبلة
حسان ابراهيم
تشهد "اسرائيل" هذه الايام فاعليات مناورة "نقطة تحول خمسة"، المناورة
الكبرى للجبهة الداخلية، والتي تتواصل لخمسة ايام، بقيادة وزارة شؤون
الجبهة الداخلية في الحكومة الاسرائيلية، حيث تشارك فيها كل الوزارات
والمؤسسات العامة ونجمة داوود الحمراء والاطفاء والشرطة والجيش الاسرائيلي،
وايضا كل المستوطنين، المدعوين الى دخول الملاجئ والاماكن المحصّنة، قبل
يوم واحد من انتهاء اعمال المناورة. بما يشبه اقرارا فعليا وعمليا، بأن كل
"اسرائيل" ستكون معنية بتلقي اصابات وخسائر في الحرب المقبلة، إن نشبت
بالفعل.
تتميز مناورة العام الحالي عن مناورات سابقة جرى تنفيذها في السنوات
القليلة الماضية، التي اعقبت حرب عام 2006، بأنها تركز على سيناريوهات
متطرفة، من بينها ضرب البنى التحتية، كالمياه والكهرباء والمرافئ العامة،
كما تشمل إمكانية فحص كيفية مواجهة سقوط صواريخ بعيدة المدى ومدمرة، على
مدينة تل ابيب وجوارها في منطقة غوش دان وسط "اسرائيل"... الامر الذي لم
تشهده المناورات السابقة.
في اليوم الاول للمناورة، تجري محاكاة سيناريو مقدر مسبقا، وهو تلقي مدينة
تل ابيب مئات الصواريخ المدمرة، وقصف الكنيست الاسرائيلي بأسلحة غير
تقليدية، وهذا اليوم هو عيّنة للأيام التي تليه ويزداد الوضع سوءا، وصولا
الى فحص كيفية معالجة الالاف من الاصابات التي تسقط في المستوطنات وفي
المراكز العسكرية ومنشآت البنى التحتية، جراء سقوط الالاف من الصواريخ.
الهدف من المناورة كما هو معلن، ان تتفهم الادارات العامة ومؤسسات الاغاثة
والقوات الامنية، كيفية معالجة سيناريوهات الحرب المقبلة، ومعالجة الاصابات
والتخفيف من الاضرار وادارة الازمة، بينما يطلب من المستوطنين البقاء في
الملاجئ والغرف المحصنة، على امل التقيد بالاوقات المعلنة مسبقا بحسب كل
مستوطنة لدرء الخطر، من ثوانٍ عديدة تفصل بين اطلاق الصاروخ وسقوطه، كما هي
حال المنطقة الشمالية من "اسرائيل"، وبين دقيقة او اكثر بقليل في اماكن
اخرى بعيدة عن الحدود.
وتعد المناورة أحد تعبيرات الإدراك الاسرائيلي لخطر الحروب عليها، على نقيض
حروبها التي اعتادت عليها في السابق، اذ ان الداخل الاسرائيلي على مر هذه
الحروب، كان بمنأى عنها، وكان المستوطنون لا يشعرون بها الا من خلال اخبار
الجبهة نفسها، عملا بأحد اهم بنود العقيدة الامنية الاسرائيلية: نقل الحرب
الى ارض العدو بأقصى سرعة ممكنة.
التغيير الحاصل، على بيئة القتال وتكتيكاته واستراتيجياته لدى اعداء
"اسرائيل"، والذي اثبت نجاحه في حرب عام 2006، أن الداخل الاسرائيلي يتحول
الى جبهة ثانية، شبيهة بالجبهة الامامية، حيث يخوض الجيش الاسرائيلي حروبه
ومواجهاته العسكرية. ففي نفس الوقت الذي تسعى "اسرائيل" فيه الى نقل
المعركة الى ارض العدو، وأن جيشها يملك القدرة على اداخل الجبهة الداخلية
لدى الطرف الاخر في القتال، فان اعداء "اسرائيل" قادرون بدورهم على نقل
المعركة الى داخلها، واشراك مستوطنيها وبناها التحتية ومرافئها وثكناتها
العسكرية، في الحرب نفسها، من خلال القدرة الصاروخية التي باتت اكثر تطورا
وفتكا وتدميرا مما كانت عليها سابقا. هذا الواقع غير مسبوق في "اسرائيل"،
وهذا الواقع اوجب على القادة الاسرائيليين العمل على ما يسمى عسكرياً،
بالدفاع السلبي، اي محاولة ابعاد المستوطنين والبنى التحتية عن استهدافات
الصواريخ، من خلال التواري والاختباء عنها، ومحاولة حماية المنشآت ضد
الصواريخ وتحصينها.
في اطار ذلك، لا بد من الاشارة الى الآتي:
يوجد اقرار اسرائيلي غير مباشر، بأن تل ابيب غير قادرة من خلال إعمال
تكتيكات واستراتيجيات الدفاع الايجابي، على ايجاد حلول ناجعة لمشكلة الجبهة
الداخلية خلال الحروب، والدفاع الايجابي هو شل قدرة العدو وضرب امكانياته
عل اطلاق الصواريخ باتجاه الداخل الاسرائيلي، من خلال عمليات تنفيذية
عسكرية واحتلال اراضي العدو. الدفاع السلبي، المعتمد في "اسرائيل" والمعبر
عنه في مناورة "نقطة تحول خمسة"، والمناورات الاخرى التي سبقتها، يشير الى
هذه الحقيقة: لا يوجد في "اسرائيل" إمكانيات مادية على معالجة خطر
الصواريخ، ما يحتم عليها الهروب منها والتخفيف من خسائرها عبر التستر
والتخفي.
مواصلة "اسرائيل" مناوراتها للجبهة الداخلية كل عام، وتطوير هذه المناورات،
بمعنى ان سيناريوهاتها تتطرف كل عام قياسا بالعام الذي سبقه، لجهة التناور
على سقوط انواع جديدة من الصواريخ وعلى زيادة عدد المصابين، وعلى توسيع
رقعة انتشار المناورة وفاعلياتها، يشير الى ان نجاعة وجهوزية القدرة
الهجومية لاسرائيل، قاصرة عن اللحاق بنجاعة وجهوزية القدرة الهجومية الردية
للمقاومة، سواء في لبنان او في غيره من محاور المواجهة المفترضة مع الكيان
الاسرائيلي. كل عام تزيد سيناريوهات المناورة بشكل لافت: زيادة في عدد
الصواريخ المفترض ان تسقط على الكيان؛ زيادة في عدد المنشآت من مرافئ عامة
ومياه وكهرباء، المستهدفة من اعداء "اسرائيل"؛ زيادة في عدد المصابين من
المدنيين والعسكريين؛ زيادة في عدد اسابيع الحرب المفترضة قياسا بالمناورات
السابقة؛ زيادة في عدد السلطات المحلية المشاركة في المناورة (من اربعين
الى ثمانين سلطة)، ما يعني اتساع جغرافية التهديد الى اماكن بعيدة؛ انقطاع
الكهرباء وقطع المياه نتيجة اصابة منشآت الطاقة بصواريخ تدميرية؛ وكل ذلك
دلالة اضافية على ما ورد، من ان جهوزية المقاومة، تسبق جهوزية "اسرائيل"،
والا فلا داعي للدفاع السلبي أساساً، ولتزايد الاهداف والأمداء عاماً بعد
عام.