كتب محرر الشؤون العبرية
يؤكد كتاب "أسرى في لبنان ـ الحقيقة عن حرب لبنان الثانية" وهو من تأليف
عوفر شيلح، المعلق السياسي والعسكري في صحيفة "معاريف" وقناة التلفزة
الإسرائيلية "العاشرة" ويوءاف ليمور، المعلق العسكري في قناة التلفزة
الإسرائيلية "الأولى" أنّ الإدارة الأميركية حثّت "إسرائيل" على توجيه
ضربات عسكرية إلى سورية خلال الحرب.
وقد جاء فيه في هذا الشأن أنه خلال الأعوام، التي سبقت الحرب على لبنان،
وعمليا منذ أن صاغ الرئيس الأميركي السابق جورج بوش مفهومه بشأن "محور
الشر"، الذي يضم كلا من إيران وسورية وحزب الله وحركة حماس "أوضحت الولايات
المتحدة بطرق عديدة لإسرائيل أنها ستكون في غاية السرور إذا ما وجهت ضربة
إلى سورية في إطار محاولة ترتيب الوضع في لبنان، مبينة للأسد [الرئيس
السوري بشار الأسد] تبعات نهجه المعادي لأميركا عند حدود سورية ـ العراق،
وبذا تساهم إسرائيل بقسطها في اجتثاث علاقة طهران ـ دمشق ـ بيروت".
وأضاف أن مسؤولين إسرائيليين اجتمعوا، خلال الأعوام الفائتة، مع نائب
الرئيس الأميركي ديك تشيني، ووزير (الدفاع) الأميركي دونالد رامسفيلد،
خرجوا بانطباع مؤداه أن"الولايات المتحدة تكاد تطلب من إسرائيل إيجاد ذريعة
لضرب سورية" وأن "الصقور في البيت الأبيض ووزارة الدفاع عرضوا هذه المهمة
على أنها بمثابة مهمة يتوجب على إسرائيل تنفيذها، بصفتها حليفة الأميركيين
في المنطقة البالغة الإشكالية بالنسبة للإدارة الأميركية".
وكشف الكتاب أنه "في الأيام الأولى لحرب لبنان تجددت هذه الرسائل
[الأميركية] بقوة أكبر". ونقلت جهات أمنية إسرائيلية في واشنطن إلى
القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل تقارير مفادها أن الأميركيين
يريدون "أن نقحم سورية" في الحرب. كما نقل سفير الكيان الغاصب لدى واشنطن،
داني أيالون، أقوالا بروح شبيهة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود
أولمرت.
كما استمع رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، موشيه يعالون، الذي
كان موجودًا في حينه في واشنطن بصفة شخصية، إلى أقوال مماثلة من مسؤولين في
قيادة الإدارة الأميركية جاء فيها "إذا ما احتجتم إلى أي مساعدة فإننا
سنهتم (بتزويدكم) بكل شيء من معلومات استخباراتية وسلاح وكل ما تحتاجونه".
وأشار المؤلفان إلى أقوال الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية
الأميركية (CIA)، جيمس وولسي، في "مؤتمر هرتسيليا" في نهاية العام 2006،
والتي اعتبر فيها أن "إسرائيل أخطأت بعدم مهاجمة سورية في الصيف الأخير"،
أي في أثناء حرب تموز في صيف ذلك العام. وأكدا أن أقوال وولسي عبرت على ما
يبدو بشكل صريح عما قيل خلال الحرب في داخل الغرف المغلقة.
غير أنه كان هناك خلاف في الآراء في إسرائيل بشأن هذه الضغوط لضرب سورية،
بالإضافة إلى وجود موقف صاغه الجيش الإسرائيلي مفاده أن "أحد أهداف القتال
هو أن تبقى سورية خارج نطاق الحرب". وقد شدّد وزير (الدفاع) عمير بيرتس على
هذا الموقف عدة مرات خلال الحرب في اجتماعات الحكومة الإسرائيلية المصغرة
للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت).
كذلك فإن "العلة الأساس لمعارضة رئيس هيئة الأركان (دان حالوتس) لعملية
عسكرية برية أوسع (في جنوب لبنان) هو خطر اندلاع مواجهة مع سورية"، فيما
أيد نائب رئيس هيئة الأركان موشيه كابلينسكي ضرب سورية وقال في مداولات
عسكرية داخلية في يوم 12 تموز 2006، أي يوم اندلاع الحرب، إنه قد "تنشأ
فرصة" لضرب سورية وإذا ما نشأت فرصة كهذه فعلا فإنه لا بُدّ من استغلالها.
كذلك فإن رئيس جهاز الموساد، مئير داغان أبدى تأييده، في 12 تموز، لمهاجمة
أهداف سورية، وتحدث في اجتماع لدى أولمرت، سبق اجتماع الحكومة الإسرائيلية
الذي عقد في إثر هجوم حزب الله وأسر الجنديين الإسرائيليين في صبيحة اليوم
ذاته، عن "هجمات انتقائية في سورية".
وبعد ذلك بيومين وخلال اجتماع اللجنة الوزارية السباعية، التي تضم أولمرت
ونوابه ووزير الأمن الداخلي آفي ديختر، وتقرر فيه قصف ضاحية بيروت
الجنوبية، تحدث ديختر عن إمكان مهاجمة سورية.
وبحسب الكتاب فإن أولمرت، الذي كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تكيل له
المديح خلال الأيام العشرة الأولى للحرب، أخذ يفكر في إمكان مهاجمة سورية،
ورغم أنه لم يتحدث في الموضوع في اجتماعات رسمية إلا إن مقربين منه أكدوا
أن الفكرة بدأت تستهويه، لكن قسما من هؤلاء المقربين حذره من مغبة الإقدام
على تنفيذ ذلك وطالبه بعدم الانصياع للمطالب الأميركية.
ويبدو، بحسب الكتاب، أن ما حسم الأمر إلى ناحية عدم مهاجمة سورية هو حالة الجيش الإسرائيلي المتردية وعدم قدرته على خوض مواجهة معها.
ففي اليوم الأول للحرب طالب قائد الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي،
الجنرال أودي آدم، بتجنيد لواء في تشكيلات الاحتياط للدفاع عن هجوم محتمل
لوحدات كوماندوز سورية، لكن بدلا من ذلك تم إرسال كتيبة نظامية تم نشرها من
جبل الشيخ والمناطق الواقعة غربه الأمر الذي أفقد هذا القطاع من الجبهة أي
أهمية دفاعية، فيما تم تجنيد لواء احتياط فقط في 17 تموز بعد ورود معلومات
عن حالة استنفار في صفوف قوات الكوماندوز السورية، أمّا تشكيلات الاحتياط
المدرعة الإسرائيلية التي كانت غايتها الدفاع عن الجولان فلم يتم تجنيدها
بتاتا سوى في وقت متأخر وتم توجيه معظمها إلى الجبهة اللبنانية.
وشكل حالوتس طاقما برئاسة قائد شعبة التنصت، أودي شاني، وكلفه بإعداد تقرير
حول وضع الجيش واستعداده لحرب مع سورية، لكن نتيجة التقرير كانت واضحة
للغاية وجاء فيها أن الجيش الإسرائيلي غير مستعد لتطور كهذا.
كذلك اتضح بعد الحرب أن سلاح الجو الإسرائيلي ما كان في إمكانه مهاجمة
أهداف كثيرة في سورية بسبب انشغاله المفرط في الغارات على لبنان، علاوة على
أن الذخيرة التي تستخدمها المقاتلات الإسرائيلية أخذت تنقص في مخازن
الجيش.
وفي موازاة ذلك كله بعثت الحكومة الإسرائيلية برسائل تهدئة لسورية عبر
قنوات أجنبية تفيد بأنه لا توجد لدى إسرائيل نيات لمهاجمة سورية.
لكن الأميركيين لم يكونوا راضين عما اعتبروه "ترددا إسرائيليًا". وينقل
الكتاب عن مسؤولين أميركيين كبار قولهم لمندوبين إسرائيليين "يبدو أنكم
تخافونهم"، أي السوريين، و"كان الشعور في واشنطن هو أن إسرائيل أظهرت ضعفا
سيكون له تأثير بالغ في أماكن مؤلمة للغاية بالنسبة للأميركيين، وعلى رأسها
العراق".
كما يطرح الكتاب تساؤلات بشأن فشل حملات الاحتجاج الإسرائيلية، التي أعقبت
الحرب، في الإطاحة بأولمرت. وقد أرجع ذلك، أساسًا، إلى مشاعر الإنهاك التي
تجتاح المجتمع الإسرائيلي، وانعدام الثقة لديه أن في إمكان هذه الحملات أن
تؤدي إلى التغيير المطلوب.
(*) المصدر: مقتطف من كتاب "أسرى في لبنان ـ الحقيقة عن حرب لبنان
الثانية" الذي صدر عشية نشر التقرير الجزئي للجنة فينوغراد، التي تقصت
وقائع تلك الحرب، في نيسان/ أبريل 2007.