كتب محرر الشؤون العبرية
كشف رئيس أركان جيش العدو، بني غانتس، عن الرؤية الأمنية الإسرائيلية إزاء
التطورات التي يشهدها العالم العربي مقراً باتساع طوق التهديدات المحدقة
بالكيان الصهيوني وتحديدا في ضوء التغيرات التي يشهدها العالم العربي. رغم
أنه لم يغلق الباب أمام الرهانات الإسرائيلية، خاصة في ضوء إمكانية احتواء
الثورة المصرية ومحاولة تطويع أو إسقاط النظام السوري (من دون أن يصرح بذلك
مباشرة).
في ضوء ذلك، أكد غانتس على ضرورة قصر مدة أي قتال يخوضه، وهو ما يفرض برأيه استخدام "نار كبرى على نحو خاص وبكل القوة". ما تقدم يفرض التساؤل عن خلفية الإصرار على قصر مدة المعركة، لكن غانتس يوضح ذلك بالقول إن "ما تحتمله الكاميرا في الأيام الثلاثة الأولى من القتال لن تحتمله في الأيام الثلاثة التالية لذلك"... مع ما في ذلك من إشارات ضمنية إلى التداعيات الإعلامية والدولية لصور المعارك ونتائجها الأمر الذي يفرض على"إسرائيل" الحسم قبل حصول تدخل دولي يفرض عليها التوقف.
من جهة أخرى ينطوي حديث غانتس حول ضرورة قصر مدة المعركة، على أبعاد
إستراتيجية أخرى، تتصل بخطورة خوض "إسرائيل" حرب استنزاف طويلة تعجز فيها
عن حسم المعركة مع أعدائها، خاصة في ظل وجود قدرات صاروخية لديهم تمكنهم من
استهداف العمق الاستراتيجي كما لم تشهده الدولة العبرية في تاريخها.
أما لجهة حديث غانتس عن استخدام "إسرائيل" "الكثير جدا من القوة" في
المناطق المأهولة الأمر الذي سيتسبب "بأثمان أليمة في الطرف الآخر"... يبدو
أن المقصود من ذلك المعارك التي سيخوضها الجيش داخل القرى في الجنوب
اللبناني، التي يرى العدو أنها تحولت إلى معاقل عسكرية وحصون لمقاتلي حزب
الله. لكن غانتس أقر بأن "إسرائيل" مضطرة إلى أن تأخذ بالاعتبار الأبعاد
الدولية التي ستترتب على هذا النوع من القتال، في تعبير عن قناعة لدى
القادة الإسرائيليين بأن تغييرا ما حصل في البيئة الدولية، من هنا أضاف
غانتس انه في مثل هذا النوع من القتال سيرافق الجيش ممثلو النيابة العامة
العسكرية كي يعطوا موقفهم في إطار القتال من الجوانب المختلفة للقانون
الدولي. إلى ذلك، اقر غانتس، خلال لقائه مع لجنة الخارجية والامن التابعة
للكنيست، بأن التغييرات التي يشهدها الشرق الأوسط، وسَّعت قوس التهديدات
المحدقة بإسرائيل، لافتا إلى أن "التهديدات تتراوح بين السكين والنووي...
من إحباط عملية فردية وحتى النووي الإيراني".
يكشف تقدير غانتس، إزاء التهديدات، عن تقدير المؤسسة العسكرية للبيئة
الإستراتيجية المحيطة بإسرائيل عامة وعن المخاوف من تداعيات الثورة العربية
ـ خاصة ـ على الأمن القومي الإسرائيلي، على الأقل في المدى البعيد. ويشير
إلى المسار الانحداري الذي يشهده الكيان الغاصب الذي تسارع خلال الأشهر
الماضية. من هنا فإن التقديرات المتشائمة لا تعني عدم وجود رهانات
إسرائيلية وأميركية على تطورات تسمح باحتواء الحراك الثوري العربي، وإعادة
التوازن نوعا ما إلى المشهد الإقليمي وتحديداً عبر محاولة تطويع النظام
السوري أو إسقاطه.. وبخصوص نتائج هذا المسار وتداعياته أوضح غانتس ذلك
بالقول إن الرئيس "الاسد لا يعرف اليوم بنفسه كيف ستبدو سوريا في نهاية
الأسبوع هذا أو الأسبوع القادم. انعدام اليقين هذا يقلقه مثلما يقلقنا". في
المقابل، كشف غانتس ايضا عن جانب من رهانات "إسرائيل" على المسار المصري،
بالقول إن "مصر منشغلة في هذه المرحلة أساساً في محاولة الاستقرار الذاتي
اقتصاديا وأمنيا واستقرار الحكم نفسه". مضيفاً أن "مصر لا تشكل تهديدا على
"اسرائيل". لدينا سلام معهم وهذا مصلحة ينبغي تعزيزها". مع ذلك رأى غانتس
انه بسبب عدم اليقين في مصر فان "مستوى ضماناتنا معها يجب ان يكون أوسع مما
كان في الماضي".
وعليه، يمكن القول ان "إسرائيل"، ما زالت وستبقى لفترة غير قصيرة في حالة انتظار لما ستؤول إليه التطورات التي يشهدها العالم العربي، لجهة تنامي وتطور التهديدات وقدرة الولايات المتحدة على احتواء الثورات العربية وتوجيهها في اتجاهات محددة، فضلا عن انتظار مدى نجاحها في محاولة استعادة التوازن الذي اخل به إسقاط حسني مبارك في مصر.