نتنياهو والاقرار بالهزيمة أمام حزب الله
حسان ابراهيم
شكاية رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو امام الكونغرس الاميركي قبل ايام، بان لبنان سقط في ايدي حزب الله، دليل اضافي على انتصار المقاومة والممانعة، في وجه الهجمة الاميركية ـ الاسرائيلية، رغم استمرار الهجمة ومحاولة الابقاء على حيويتها .
ويمكن التعامل مع كلام نتنياهو على انه توصيف لواقع قائم، بمعنى توصيف لتموضع الطرفين وميزان القدرة بينهما، وايضا إقرار بالعجز امام المقاومة، والعجز في الحؤول دونها.
ورغم ان كلام نتنياهو محاولة منه، كعادة الاسرائيليين، لتحويل التهديد الى فرصة، الا انه بالامكان اعادة صوغ كلامه، على الشكل الاتي:
نحن في "اسرائيل"، وكاصحاب القرار فيها، ورغم اننا نمتلك اقوى واعتى قوة عسكرية في المنطقة، "نقر ونعترف" بان مشروعنا في لبنان قد سقط امام حزب الله، مع كل ما قمنا به، وبالتالي لم يبق امامنا سوى و"ضع اليد على الخد"، والشكاية امام الاميركيين. لقد وجد نتنياهو في الكونغرس حائط مبكى جديد، علّ من خلاله يمكن استدرار قوة فعل مفقودة، في زمن الهزائم الاسرائيلية.
توصيف هزيمة "اسرائيل"، من قبل "اسرائيل" نفسها، وان بعبارات اخرى، يعيد بالذاكرة الى الوراء، للاستعراض السريع للمراحل التي ادت بتل ابيب للاقرار اخيرا بالهزيمة، كما يفهم من كلام العدو.
انتصار المقاومة في العام الفين، كان انتصارا على مراحل، ولم يكن نتاجا لمعركة عسكرية واحدة، بل عملا دؤبا استمر ما يقرب من عقدين، اذ اوصل المجاهدون العدو الى حد، لم يكن بامكان جيشه الصمود اكثر، ما اضطره في نهاية المطاف للهرب من ارض المعركة، والانسحاب من جنوب لبنان مقهورا. وقد ادت المواجهات وتواصل العمل الجهادي الى إدراك العدو انه لا يقوى على الاحتفاظ بالارض ومواصلة الاحتلال امام الاصرار على المقاومة، خاصة انه جرّب كل الاستراتيجيات والتكتيكات الممكنة والمتصورة لدحر العمل المقاوم، دون نتائج تؤدي الى ايقافه او احتواء تاثيراته عليه.
مع ذلك لم تتخل "اسرائيل" بعد هروبها من لبنان عن خياراتها الاعتدائية العسكرية، وأن بامكانها شن حرب اجتثاثية اذا شاءت. وبالتالي بقيت امكانات حربها ضد لبنان واطماعها فيه، والامل باستعادة القدرة على فرض ارادتها السياسية عليه، قائمة وتمني النفس بها، اذا ضاقت بها الوسائل البديلة عن الحرب، لكنها كانت تأمل بان تجتث المقاومة باساليب اخرى غير عسكرية، تمثلت اساسا في الرهان على عوامل داخلية واقليمية أمِلت ان تؤدي الى ضرب المقاومة، لكن الرهان كان يفشل في كل مرة، رغم تلقف الفشل واعادة صوغه بحلل اخرى، خاصة ان للعدو امكانات تضافرت معها جهود قوى خارجية سخرت قدراتها لصالحه، مع جهود فعلية لقوى تسمي نفسها اعتدالا، في لبنان والمنطقة.
ولم يكن يُقدّر ان يكون العدوان على لبنان عام ٢٠٠٦، اخر المعارك الاسرائيلية، رغم الهزيمة التي منيت بها "اسرائيل"، بل ان الدافع لضرب المقاومة تعزز اكثر بنتيجة هذه الهزيمة، وهي نتيجة منطقية طبيعية لدى العدو، بان يتعزز الدافع لديه لخوض جولة اخرى من الحرب، لاستدراك واحتواء التداعيات التي اطبقت عليه في الجولة الاولى، على ان تضمن تل ابيب النصر في الجولة المقبلة، فالهزيمة مجددا ستكون كارثية، ولا يمكن التعايش مع تاثيراتها.
مع ذلك لم تبصر الجولة الجديدة، والتي كانت بالفعل موعودة، النور، رغم مرور سنوات مليئة بالدوافع والحوافز الاسرائيلية وغير الاسرائيلية، على حد سواء، لخوض الحرب في وجه المقاومة.. وقد قيل الكثير في الارتداع الاسرائيلي عن المبادرة الى الحرب. اولاها ان "اسرائيل" غير قادرة على تحقيق نتائجها؛ وثانيها انها غير جاهزة لخوضها؛ وثالثها انها لا تقوى على تحمل اثمانها؛ وليس اخرها انها قد تنقلب من ناحية "اسرائيل" من حرب ابتدائية هجومية الى حرب دفاعية، على اكثر من جبهة، وهو ما لا تقدر عليه.
من هنا فان وقوف نتنياهو امام الكونغرس، و"نعيه" لبنان، من شأنه ان يشير الى الملاحظتين التأكيديتين الآتيتين:
اولا: ان "اسرائيل" لم تدرك محدودية القوة لديها، وحسب، بل وصلت الى حد الاعتراف بتداعيات ادراكها لذلك: الفشل العسكري في لبنان، ماضيا وحاضرا وربما ايضا مستقبلا.
ثانيا: انها يئست من امكان الوصول الى الجهوزية العسكرية لخوض حرب جديدة على لبنان، والا لكانت عمدت اليها بدلا من اللطم على الخد.
وليست شهادة نتنياهو واقراره هي الشهادة الاولى، وبالتأكيد لن تكون الاخيرة، بان جهوزية المقاومة الدفاعية سبقت جهوزية "اسرائيل" الهجومية.. وهذا هو معنى ان لبنان سقط في ايدي حزب الله.