مصرـ إسرائيل ـ الولايات المتحدة: مشاكل في الأفق؟
بقلم عوديد إران
INSS Insight
15 أيار، 2011
منذ توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل في العام 1979 وصولاً الى التظاهرات الضخمة في ساحة التحرير في القاهرة، لم يكن هناك أي تساؤل، مطلقاً، من نوع التزام مصر بالاتفاق. فبالرغم من التجارب الصعبة على مدى سنوات، بما فيها قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في بغداد (1981)؛ غزو لبنان والوجود العسكري المستمر لجيش الدفاع الإسرائيلي هناك ( 1982-2000)؛ الانتفاضتان؛ وعمليات مختلفة في لبنان، الضفة الغربية، وغزة، راعت مصر معظم البنود في الجزء العسكري من المعاهدة، وساعدت على تخفيض حرارة الجدل العربي حول مواضيع متصلة بإسرائيل، خاصة ما يتعلق بالقضية الإسرائيلية ـ الفلسطينية.
إنكبت استطلاعات الرأي التي أجريت في مصر منذ بدء التظاهرات الأخيرة على السؤال المتعلق بالتزام مصر المستمر بمعاهدة السلام مع إسرائيل. ففي إستطلاع هاتفي لمعهد السلام الدولي IPI ( International Peace Institute) لـ 615 متجاوباً في نيويورك، صرح 46 بالمئة بأنهم سيصوتون "على الأرجح جداً" لحزب يدعم الحفاظ على المعاهدة مع إسرائيل، المبادرة العربية، وحل الدولتين. وقال 17 بالمئة بأنهم سيفضلون "على الأرجح نوعاً ما" حزباً كهذا. ما يعني بأن 63 بالمئة عبّروا عن استعدادهم لدعم التزامهم المستمر للمعاهدة ( رغم أنه من المستحيل القول من الإستطلاع عما إذا كان الدعم مشروطاً، على سبيل المثال، بتحقيق حل على أساس دولتين لشعبين).
كما أن إستطلاعاً آخر تم لمصلحة مركز أبحاث Pew Research Center في آذارـ نيسان، 2011 لـ 1000 متجاوب قدم نتائج أكثر إقلاقاً. إذ إن 54 بالمئة من أولئك المُستطلعين صرحوا بأن على مصر إلغاء الإتفاقية، في حين أن 36 بالمئة أجابوا بأن عليها المحافظة على الإتفاقية. وكانت نسبة دعم الحفاظ على الإتفاقية أكبر في أوساط أصحاب المداخيل المرتفعة ومستوى التعليم الأعلى. ( بما أن إستطلاع IPI قد تم بواسطة الهاتف، فمن المفترض أن تكون النتيجة الإيجابية مضللة بسبب الوزن الأكبر المعطى لأولئك الممتلكين لهاتف والقادرين على الإجابة عن الأسئلة من دون التواصل وجهاً لوجه).
الى جانب عمليات مسح أخرى، أشار هذان الإستطلاعان الى وزير خارجية أسبق وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى بصفته المرشح الأول في الإنتخابات الرئاسية المصرية. إن وجهات نظر موسى حول العلاقات مع إسرائيل هامة، كما هو حال آراء وزير الخارجية الحالي، نبيل العربي. ففي مقابلة شاملة مع صحيفة "دير شبيغل" الإلمانية بتاريخ 15 آذار، صرّح موسى، رداً على سؤال حول موقفه الحاسم من إسرائيل، بقوله، "إن مصر تدعم بالكامل الموقف العربي المشترك تجاه إسرائيل. الفلسطينيون بحاجة الى دولة قابلة للحياة خاصة بهم، وعلى إسرائيل أن تنسحب من الأراضي المحتلة. وكخطوة أولى تماماً، ينبغي رفع الحصار عن غزة، فوراً وبالكامل." وعما إذا كان يمكنه القيام بنقاش مع نتانياهو رد موسى قائلاً، "قبل كل شيء، على نتانياهو أن يظهر بأنه مهتم بسلام عادل. هذا الأمر سيخفض التوتر في المنطقة".
رداً على سؤال من قبل " لالي ويمووث" من صحيفة الواشنطن بوست عما إذا كان سيحتفظ بالمعاهدة مع إسرائيل، إذا ما أصبح رئيساً لمصر، أجاب موسى قائلاً: "المعاهدة معاهدة. بالنسبة لنا لقد تم التوقيع على المعاهدة وهي معاهدة لأجل السلام، لكن الأمر يعتمد أيضاً على الجانب الآخر. فإذا سألتني ما نوع العلاقات التي أود أن تكون بين العالم العربي وإسرائيل، سأقول بأن الموقف العربي ـ الذي تعتبر مصر جزءاً منه ـ موجود في المبادرة العربية عام 200".
أما نبيل العربي، وزير خارجية مصر الحالي، وهو ديبلوماسي خبير لديه فرصة معقولة بالحفاظ على منصبه في حكومة مصرية مستقبلاً، فقد صرّح قائلاً بشكل واضح لا لبس فيه (في مقابلة لـ لالي ويمووث أيضاً)، "مصر ستمتثل لكل إتفاق وتتحمل مسؤولية كل معاهدة دخلت فيها. هذا هو هدف المعاهدات... ما إن تتم ويتم التوقيع على كل شيء، فإن كلا الفريقين يمتثلان ويتحملان بإخلاص".
تظهر الردود الصادرة عن العربي، وهو محام محترف عمل محاميا معظم السنوات التي قضاها في وزارة الخارجية المصرية، وتصريحات عمرو موسى بأن قراراً مصرياً كاسحاً، برغم نتائج إستطلاع IPI ، بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل هو أمر غير متوقع. فمن الواضح لكل من مصر وقادتها المستقبليين بأن هذا سيسبب ضرراً فادحاً لمصر ولاقتصادها. في كل الأحوال، فإن التدهور مرجح، على الأقل بخصوص موضوعين، إذا ما استمر موسى والعربي بلعب دور مركزي في سياسة مصر الخارجية بعد أيلول 2011. هذان الموضوعان هما القضية الفلسطينية والقضية النووية.
ليس مفاجئاً أن يتحدث عمرو موسى، الذي كان حتى وقت قريب أميناً عاماً للجامعة العربية، عن المبادرة العربية الصادرة عام 2002. أما من جانبه، فإن العربي لم يذع سراً بخصوص حقيقة دعم مصر، بصدق وإخلاص، قراراً للجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 مع تبادل للأراضي، وفق حدود كلينتون التي وضعها في كانون الأول، 2000، وبأن مصر تضغط على أوروبا لدعم قرار كهذا.
يُرجح أن يؤدي الاتجاه، المؤدي الى نقطة واحدة، لانتخابات أيلول في مصر ونقاش الجمعية العمومية الى تصريحات نارية من قبل مرشحي الرئاسة المصريين. إن لإسرائيل مصلحة في الحفاظ على المعاهدة مع مصر ولذا ينبغي عليها الإمتناع عن إطلاق الردود المتسرعة على تعليقات المرشحين الرئاسيين. هذه الأحداث قد تصبح متشابكة أيضاً في قضية المساعدات الأميركية لمصر، وفي هذا النقاش أيضاً ـ ستكون إسرائيل وأصدقاؤها في الكونغرس ميالين للقيام بردود متسرعة. فالمناقشات الدائرة في الكونغرس حول موازنة عام 2012 سترتفع حرارتها جداً في أيلول (تبدأ السنة المالية الأميركية في 1 تشرين الأول). لقد كانت رغبة الإدارة الأميركية بمساعدة مصر واضحة من قبل، في بداية الإنتفاضة في القاهرة. إذ رفعت وزيرة الخارجية كلينتون القضية في اجتماعها مع الناطق الجمهوري في مجلس النواب الأميركي في 14 شباط وبعده بأربعة أيام. وأعلنت كلينتون عن مساعدات بقيمة 150 مليون دولار للانكباب على المشاكل الإقتصادية الناتجة عن التظاهرات في مصر. وفي محادثاته مع الرئيس أوباما، يُرجح أن يرفع رئيس الوزراء نتانياهو هواجس إسرائيل المبررة بخصوص التبدلات في الموقف المصري، لكن من المهم ألا ترسل تعليقاته أية إشارات حول موضوع المساعدات الأميركية الى مصر. ففي مقابل خلفية الإقتطاعات المتوقعة في موازنة المساعدات الأميركية الشاملة، هناك عدد من المشرّعين الأميركيين الذين سوف يكونون سعداء بتحديد إشارات من هذا النوع، لذا من الحاسم بألا تقوم إسرائيل بزج نفسها في هذا النقاش.
إن الرد الإسرائيلي المتسرع بداية الإتفاق بين فتح وحماس المتعلق بوقف نقل الأموال الضريبية المجموعة لمصلحة السلطة الفلسطينية يقدم مثالاً سلبياً عن المضاعفات الجانبية الكامنة في هذا القرار. إذ رد الإتحاد الأوروبي، فوراً، بقرار نقل الأموال الى السلطة الفلسطينية، ما أضر، بطبيعة الحال، بموقف إسرائيل.
إن العلاقة الباردة بين مصر وحماس سوف تذوب، بحسب ما هو مفترض، حتى ولو لم يلعب الإخوان المسلمون دوراً في الحكومة المصرية بعد إنتخابات أيلول 2011. فإذا كانت الآمال التي عبّرت عنها إفتتاحية الواشنطن بوست ستتحقق ـ بأن مصر ستلطف من مواقف حماس وتجعلها معتدلة ـ فإن التوتر في الثالوث الأميركي ـ الإسرائيلي ـ الفلسطيني سيرتفع بشأن الخلافات المتعلقة بالحد الذي سوف تعدِّل فيه حماس من مواقفها. ينبغي على رئيس الوزراء نتانياهو أن يرسي هذه القضية في إطار عمل الشروط الثلاثة للرباعية ـ الإعتراف بإسرائيل، قبول الإتفاقات المعقودة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتخلي عن الإرهاب ـ وتجنب ردود الفعل وسلسلة ردود الفعل التي ستضر بعلاقات إسرائيل مع مصر في فترة ما بعد مبارك.
هذا الإقتراح ينطبق أيضاً على المحاولة المصرية لعقد مؤتمرفي العام 2012 حول منطقة خالية من السلاح في الشرق الأوسط.، كما كان مقرراً في "مؤتمر المراجعة للـ NPT " في أيار، 2010. لقد كان عمرو موسى هو من حول النضال ضد نووية إسرائيل الى داخل سفينة القيادة في الديبلوماسية المصرية. ففي مقابلة مع "لالي ويمووث " يقول عمرو موسى بأن "القضية النووية في الشرق الأوسط تعني إسرائيل ومن ثم إيران". أما نبيل فهمي، الذي عمل سفيراً لمصر في الولايات المتحدة بين عامي 1999 و 2008، فقد كرر كثيراً نداءه بتأسيس منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط تشمل إيران وإسرائيل، مع خطوات عملانية من قبل إسرائيل في هذا الإتجاه وجدول زمني واضح ومحدد. وقد دعمت الولايات المتحدة بالفعل هذا القرار العام الماضي، لكن من المشكوك به أن يساعد الرئيس أوباما، الذي أنكر كبار المسؤوليين لديه القرار حتى في ذلك الحين، وفي ذروة الحملة الإنتخابية الرئاسية وفي مقابل خلفية التطورات الجارية في الشرق الأوسط ، على عقد مؤتمر لن يؤدي إلا الى صب الزيت على النار الإقليمية المشتعلة. وبذلك من المفضل أن تمسك إسرائيل بهذه القضية وتعالجها خلف الكواليس، ولا تنجر الى التهديد والأعمال العنيفة التي ستضر بالعلاقات الدقيقة في المثلث الإسرائيلي ـ الفلسطيني ـ الأميركي.