المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار العدو

الحرب على قطاع غزة مؤجلة أو ربما... منتفية


حسان إبراهيم (موقع الانتقاد)

لم يكن الكيان الإسرائيلي، من ناحية مادية عسكرية، أكثر اقتدارا مما هو عليه الآن، طوال تاريخه، منذ غرسه في المنطقة عام 1948 حتى الآن، فالقدرة العسكرية الاسرائيلية أكثر فاعلية وتأثيراً وحداثة وتطوراً من ذي قبل، لكن في نفس الوقت، لم يشهد صانعو القرارات في تل أبيب ضعفا وارتداعا في تحريك أي من خياراتهم العسكرية في وجه أعدائهم، عما هو حالهم في هذه المرحلة.
قبل أسابيع، قصفت المقاومة الفلسطينية انطلاقا من قطاع غزة، مدينة بئر السبع وجوارها بصاروخ "غراد" متطور، سقط في وسط المدينة، الأمر الذي اعتبر تطوراً غير مسبوق منذ العدوان الصهيوني على قطاع غزة أواخر العام 2008.. عُد الصاروخ أيضا تطوراً يكشف أن موضوع الردع الاسرائيلي حيال الفلسطينيين، لم يكن قائماً في الأساس، وما رواية الردع وارتداع الفلسطينيين سوى عملية استغفال من تل ابيب للمستوطنين أنفسهم، قبل ان تكون توظيفاً لواقع الهدوء الذي كان سائداً في السنوات الماضية على الجبهة الفلسطينية، باتجاه إظهار أن السطوة الاسرائيلية هي المهيمنة ميدانيا.
ايضا، منذ ايام، قتل خمسة مستوطنين في مستوطنة "ايتمار" بالقرب من مدينة نابلس في الضفة الغربية، بطريقة بثت الذعر والرعب في نفوس المستوطنين. رد الفعل الاسرائيلي على الحادثين، كان كافياً ليُظهر أن القدرة الاسرائيلية الفعلية على الرد وعلى الفعل الابتدائي في نفس الوقت، حيال اعداء "اسرائيل" في هذه المرحلة.
كان لافتا، في إطار الرد الاسرائيلي، ان تقدم طائرات جيش الاحتلال، على قصف منشآت مخلاة في قطاع غزة، إضافة الى محاولة قصف مواقع غير مؤثرة، قال الجيش الإسرائيلي إنها تابعة للفصائل الفلسطينية في القطاع، ردا على قصف مدينة بئر السبع، اضافة الى قصف اماكن مخصصة لتصنيع الوسائل القتالية، بأسلوب وطريقة تظهران حرصا زائداً على عدم التسبب باصابة مدنيين فلسطينيين.
وكان لافتا ايضا، ان يقتصر رد الفعل على عملية "ايتمار"، برغم مشاهدها المتطرفة، على حملة اعتقالات عشوائية في منطقة نابلس طالت عدداً من الفلسطينيين من غير ذي الصلة، في الوقت الذي شددت فيه تل ابيب على انها سترد على منفذي "الجريمة" بالمصادقة على استئناف الاستيطان وبناء 400 وحدة سكنية في الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. كما كان لافتا أن يجري تصوير "الرد السياسي" كما اشار اليه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، بأن "هم يطلقون النار ونحن نبني"، من دون أي حراك عسكري اعتدائي لافت.
الواضح ان اليد الاسرائيلية مغلولة ومنكفئة. وفي تشريح الانكفاء عن الرد، مجموعة من الاعتبارات والعوامل:
انها المرة الاولى التي تواجه فيها تل أبيب عمليات في مرحلة ما بعد سقوط الانظمة الحليفة العربية، او التهديد بسقوط اخرى، وتحديدا في مصر. وفي ذلك دلالة على القدرة الاسرائيلية الفعلية، وعلى الموقف الاسرائيلي من التطورات الحاصلة في العالم العربي، من ناحية "اسرائيل"، وتساقط انظمة حليفة لها. كما يبدو، فان تطورات العالم العربي تمسك بصانع القرار الاسرائيلي وتمنعه من تفعيل أي من خياراته العدائية في فلسطين ولبنان وسوريا.. وايضا في ايران، على فرض وجود خيارات عدائية فعلية حيال الاخيرة..
كما هو معروف، خرجت الساحة المصرية عن صمتها، وبات الجمهور المصري عاملا أساسيا، يجب حساب رد فعله جيداً في خلفية قرارات صانع القرار في تل ابيب، الذي عليه ان يجاري هذا الجمهور وعدم استفزازه منعا او محاولةً لمنع، مزيدٍ من التداعيات السلبية مصريا، على الكيان الغاصب، وهي كثيرة جدا بطبيعة الحال.
لجهة الشرق والساحة الاردنية، التي هي عامل أكثر أهمية وتأثيراً على تل ابيب من من أي ساحة اخرى، تحرص "اسرائيل" على عدم اثارة الشعب الاردني، الذي تربطه علاقة خاصة بالفلسطينيين، وهو بطبيعة الحال سريع التأثر بما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة. والحرص على النظام الاردني وعدم التسبب بسقوطه من خلال الامتناع عن ايجاد شعلة تلهب الشارع فيه، على خلفية اعتداء اسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة او قطاع غزة، يكبح اسرائيل عن تنفيذ اعتداءاتها، سواء لناحية الفعل الاعتدائي الابتدائي، او الفعل الاعتدائي الردي، كما حصل في اعقاب عمليتي بئر السبع وايتمار.
في نفس الوقت، تجب الاشارة الى عامل، كان الاسرائيلي قد رصده في العام الأخير، بل وأعلن عنه ايضا، وهو التصاق الجبهات بعضها ببعض، وعدم امكان فصلها في أي مواجهة مقبلة قد تعمد اليها تل ابيب. بحسب تعبيرات رئيس اركان الجيش الاسرائيلي السابق "غابي أشكينازي"، قبل ايام من انتهاء ولايته، في خطاب ألقاه في مؤتمر " هرتسليا" الأخير، انه "يتوجب على اسرائيل الاستعداد لحرب شاملة على ضوء المتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط والاستعداد للمواجهة في أكثر من ساحة وجبهة"، مضيفا ان "طبيعة التهديدات اختلفت، ويجب ان نستعد ليس فقط لمواجهة محدودة، انما لمواجهة شاملة وواسعة، لأنه ليس من السهل التدريب على حرب محدودة او مواجهة غير تقليدية او أقل من تقليدية ومرة واحدة نطلب من القوات الانتقال لمواجهة شاملة".
اما رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، الذي غادر منصبه قبل فترة وجيزة، فقال في جلسة للحكومة الاسرائيلية إن "الهدوء الحالي على الصعيد الأمني، يجب ألا يضللنا لأن أعداءنا لا يزالون يواصلون التعاظم والتزود بالمزيد من الوسائل القتالية"، ورأى يدلين أنه إذا "نشب نزاع مسلح آخر جديد، فهو سيشمل أكثر من جبهة واحدة"، متوقعاً أن تصبح مدينة تل أبيب جبهة أيضا.
من ناحية ثانية ـ هي في الأصل كافية بذاتها لردع "اسرائيل" عن تفعيل اي خيار اعتدائي تجاه ساحات المقاومة ـ بات من الواضح ان الاعتداءات الاسرائيلية الجديدة، على جبهات المقاومة عامة، لن يواجه من قبل المقاومين كرد، بحجم الردود السابقة التي شهدتها "اسرائيل" على اعتداءاتها، سواء في لبنان وايضا في قطاع غزة. تدرك تل أبيب جيداً، ان القدرات التي باتت لدى المقاومين، أكثر عدداً وأكثر دقة وأكثر تدميراً، كما ان العنصر الاساسي في الرد موجود، وهو الارادة في استخدام ما لدى المقاومين من وسائل قتالية وقدرات عسكرية.
الاستنتاج من العوامل المشار اليها، بأن "اسرائيل" لن تقدم على شن اعتداءات على الساحتين اللبنانية والغزاوية، قد يكون استنتاجاً مجازفاً فيه، خاصة اذا جرى اطلاقه، لكن في نفس الوقت، يجب الادراك أن جيش تل أبيب لم يعد كما كان، اذ كان يكفي بأن تشير بإصبعها الى ما تريده، كيف يتحقق من دون جهد... فعامل الردع الذي كان محفورا في الوعي العربي زال، وانتقل ليحفر في وعي الصهاينة أنفسهم.
17-آذار-2011

تعليقات الزوار

استبيان