لم يكن حريق غابات الكرمل في شمال فلسطين المحتلة، حريقا عاديا. ليس من جهة تمدد النيران أو حجم الخسائر التي الحقها بكيان العدو، بل من جهة سرعة استسلام سلطات الاحتلال أمام حجم الكارثة، والإقرار بالعجز، سريعا، على معالجة حالات مشابهة. كان حجم الحريق وضخامته كافِيَيْن كي يكشفا ضعف إمكانات سلطات الاحتلال وقصورها، رغم أن ما حصل يُفترض بداهة أن يكون اختبارا جزئيا لما ستتعرض له خلال المواجهة العسكرية القادمة على الجبهة الشمالية.
قد يرى البعض عدم صواب الشماتة في مواقف مشابهة، حتى تجاه عدو كالعدو الصهيوني، يحيا ويقتات على مآسي الاخرين. لعل في هذا الرأي وجاهة عندما يتعلق الأمر بنتائج ما حصل بيئياً وإنسانياً. لكنه بالتأكيد ليس ذا صلة في معرض الحديث عن العجز الذي تبدى في قدرات تل ابيب المتصلة بجهوزية جبهتها الداخلية، خصوصا في ظل الزهو والتبجح اللذين دأبت حكومة العدو على ممارستهما في الأعوام الماضية من خلال التباهي باستعدادات تبين أنها لم تكن قائمة، سواء لمواجهة حالات طوارئ طبيعية، شبيهة بما حصل في غابات الكرمل، أو ما يمكن أن تتسبب بها حروب، يهدد الكيان الغاصب أعدائه بها ليل نهار، كـ"حرب لبنان الثالثة".
"إسرائيل غير مستعدة لمواجهة حرب أو حدث ارهابي يحصد خسائر كبيرة في الجبهة الداخلية.." |
الصحف الإسرائيلية كانت أول من صاحت على الملأ بأن الملك – الجبهة الداخلية في هذه الحالة ـ عارٍ. صحيفة "هآرتس" قالت إن الحريق أظهر "أن إسرائيل غير مستعدة لمواجهة حرب أو حدث ارهابي يحصد خسائر كبيرة في الجبهة الداخلية..". "يديعوت احرونوت" أشارت إلى "انهيار جهاز اطفاء الحرائق في مواجهة عاصفة النار، وكانت في منطقة واحدة فقط، فكيف بنا إذا كنا امام مواجهة عشرات ومئات الصواريخ التي من شأنها ان تحدث عواصف نار في عدة مناطق في البلاد، مع وجود مناطق مبنية.."، اما صحيفة "اسرائيل اليوم" فقالت ان "الحكومة الاسرائيلية لم تعالج المشكلة الاستراتيجية في خطر اندلاع الحرائق، رغم تهديد الصواريخ على مراكز البلاد، وبالتالي ستبقى اسرائيل مكشوفة..".
"كي لا يتوهم أحد من سكان إسرائيل أن أحداً ما سيفتح لهم مظلة من فوق رؤسهم، فان هذه المنظومات معدة من أجل الدفاع عن قواعد سلاح الجو، وسلاح البحر، و قواعد التجنيد" |
يمكن للمتابع أن يضيف على الجهوزية المربكة، مصلحة الاطفاء ونجمة داوود الحمراء، كما تتبدى حاليا في غابات الكرمل، ومنظومة القبة الحديدية التي جرى توضيب تجاربها في الثكنات، جهوزية منظومة "الحيتس" المخصصة لاعتراض الصواريخ البعيدة المدى، ومنظومة "معطف الريح" لحماية المدرعات، والتي بدورها لم تبصر النور رغم الوعود المتواصلة حولها، اضافة الى منظومة "مقلاع دافيد" لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى.. وغيرها الكثير من المنظومات التي نبتت كالفطريات، في اعقاب حرب تموز/ يوليو – آب/ أغسطس 2006.
في تعليقه على الكارثة التي ألمّت بالكيان الغاصب، قال رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، إن "ليس من المعيب ان تطلب اسرائيل مساعدة العالم، من اجل اطفاء الحرائق". لكن السؤال الذي لم يجب عنه هو الآتي: كيف ستواجه تل ابيب "المطر الصاروخي" في الحرب المقبلة، وما سيتسبب به من خسائر وأهوال، بلا مساعدة من "16 دولة" من دول العالم؟.