حسان إبراهيم
أنهى مركز دراسات الامن القومي في تل ابيب، قبل ايام، ندوة نظمها
المركز بعنوان "المقاومة، تعاظم التحدّي وأثره على الأمن القومي
لإسرائيل".. تحدث في الندوة عدد كبير من الخبراء الإسرائيليين، ومن بينهم
رئيس مركز موشيه دايان للدراسات، "ايال زيسر"، الذي يُعد احد اهم الباحثين
في الشؤون السورية واللبنانية في الكيان الإسرائيلي. وجاءت كلمة زيسر تحت
عنوان "بشار الاسد واسرائيل.. لمصلحة من يعمل الوقت". شدد فيها على "
المقاومة ومسألة الوقت في النزاع العربي الإسرائيلي في فكر بشار الأسد".
وقال الباحث الاسرائيلي، "عندما نمعن النظر في الأدبيات والدراسات التي
تتناول الصراع الإسرائيلي العربي، يساورنا شعور بنهاية التاريخ.. هناك شعور
بان منظومة العلاقات الاسرائيلية العربية تسير بشكل واضح جدا نحو عدم
استعداد العالم العربي للتسليم بـ"إسرائيل".. وكلما مر الوقت هناك تغيير
أساسي فيما يسمى التسليم العربي بـ إسرائيل"، والاستعداد العربي للاعتراف
بها وإجراء مفاوضات معها، وفي نهاية المطاف إقامة علاقات سلمية أيضاً".
وشدد زيسر على ان "المقاومة، وفيما خص إسرائيل، حزب الله، ادخلت تغييرا
مهما جدا في العام 2000، شكل نقطة تحول، لان فرضية العمل لدى العرب كانت
بانه إذا اردت البقاء مع اقتصاد مزدهر وعلاقات ودية مع الغرب، فعليك العمل
مع إسرائيل، الفرضية تقول بانه إذا اردت استرجاع اراض سيطرت عليها إسرائيل
في العام 1967، فعليك توقيع اتفاق معها.. ما حدث الان، وتحديدا في اعقاب
العام 2000، منعطف ويجب الاعتراف بذلك.. جاء حزب الله وقدّم نموذجاً
مختلفاً يمكن من خلاله النهوض بدولة مزدهرة، حيث فيها أسعار العقارات في
بيروت أغلى من تل أبيب، دولة مقبولة وزعماؤها يُستَقبلون بإجلال في كل
العالم، بل وايضا يمكن استرجاع الأراضي التي احتلتها إسرائيل، من دون عقد
سلام معها ومن دون اعتراف بوجودها". وأضاف "هذا هو الأسفين الذي غرسه حزب
الله في عملية السلام، وفي مفهوم السلام..".
حديث "ايال زيسر"، كاحد اهم الخبراء الاسرائيليين في الشؤون اللبنانية
والسورية، ومن على منبر احد اهم مراكز البحث في تل ابيب، يشير إلى حجم
ومستوى المشكلة التي يواجهها الاسرائيليون في اعقاب نجاح مشروع المقاومة
مقابل فشل المشاريع الاخرى البديلة، كمفاوضات التسوية والركض وراء
الاميركيين، بلا طائل.
يعتبر زيسر، ان لسان حال السوريين، يشير إلى انهم سيصلون إلى النقطة التي
يسألون فيها انفسهم السؤال الآتي: لماذا نريد السلام مع "إسرائيل". ويضيف
قد نصل إلى نقطة إذا سألت "إسرائيل" السوريين انها تريد ان تعطيهم الجولان،
فانهم سيقولون لها لا شكرا، إذا كان السلام مقابل ذلك، فنحن لا نريد هذا
السلام.
تنصب دعوة زيسر، والمؤتمر، وغيره من المؤتمرات المنعقدة اخيرا في
"إسرائيل"، إضافة إلى توصيات يرددها بين الحين والاخر مسؤولون رفيعو
المستوى في المؤسسة الأمنية الاسرائيلية، على ان على صانع القرار في تل
ابيب ان يسارع إلى إحراز تسوية مع سوريا.
بالطبع المنطلقات التي تجمع رؤية كل من السياسيين والاكاديميين والمؤسسة
العسكرية في "إسرائيل"، قد تكون واحدة لجهة "تسليك الهدف"، وهو انهاء ظاهرة
المقاومة وواقعها وتأثيرها على الامن القومي الاسرائيلي، برغم وجود اختلاف
في المقصد والغاية النهائية.. إذ يسود اعتقاد لدى نخبة "إسرائيل" بإمكانية
سحب دمشق من "محور الشر" وبالتالي إضعاف المقاومة عبر تجفيف مصادر قوتها،
لكن يجب على "إسرائيل" لتحقيق ذلك ان تحرز تسوية مع سوريا، على ان يلقى على
الأخيرة مهمة قطع علاقاتها بمحور المقاومة والانتزاع عن ثوابتها.
الجيش الاسرائيلي، واستخباراته، يرى وجوب العمل على هذا المسار، أي مسار
نزع سوريا عن محورها، لانه لا يجد، أي الجيش الاسرائيلي، حلا عسكريا لتهديد
المقاومة، وفي نفس الوقت هو معني بتقديم حل حتى وإن كان حلا غير عسكري،
برغم ان الميل في الاونة الأخيرة بدأ يشير، وتحديدا لدى الاستخبارات
العسكرية، الى ان سوريا تترسخ أكثر فأكثر في المحور المعادي.
بالنسبة لعدد من السياسيين والاكاديميين والخبراء في الشؤون السورية
واللبنانية، على شاكلة "ايال زيسر" وغيره، ينظرون إلى المسألة من منظور
اخر، أي من منظور بقاء "إسرائيل" وعدم التسبب بتدمير ذاتي لنفسها.. حسب
هؤلاء فان البقاء على الصراع قائما، وعدم ايجاد حل للمشكلة الفلسطينية
والسورية من خلال اتفاق، سيؤدي في نهاية المطاف إلى دولة ثنائية القومية،
تكون الغلبة الديموغرافية فيها لاحقا للفلسطينيين، وفي حينه لا يمكن لاي حل
سلمي ان يشفع لـ"اسرائيل". من هنا يأتي الحديث الاكاديمي عن عامل الوقت،
الذي بات يعمل لمصلحة اعداء "إسرائيل".
عامل الوقت أيضا مشترك بين السياسيين والعسكر، فالجيش الاسرائيلي ينظر إلى
الوقت كعنصر يزيد من التهديدات ولا ينقص منها. أكثر من مرة وفي أكثر من
تصريح، يتحدث المسؤولون العسكريون الاسرائيليون ان كل يوم يمر من دون ايجاد
حل للتهديد من جانب حزب الله، فان التهديد يتراكم أكثر ويشتد فاعلية،
وصولا إلى الحد الذي لا يمكن للحلول العسكرية ان تعالجه، وايضا، بالتبعية،
للحلول السياسية ان تعالجه. بحسب تنظير عسكر "إسرائيل"، فان ترسخ الاعتقاد
لدى الطرف الاخر بان "إسرائيل" عاجزة عسكريا، سيعني تعنتا في المطالب
السياسية، وصولا إلى مطالب لا يمكن لتل ان تتقبلها، وستكون شبيهة بنتائج أي
هزيمة عسكرية على ارض الميدان.
انها عينة حية في النقاش القائم لدى نخبة "إسرائيل"، حيال قدرتها وخياراتها
المحدودة، وحيال القدرة التي باتت لدى المقاومة، والتي تجاوزت كل التوقعات
السلبية التي كان بإمكان "إسرائيل" ان تتخيلها... ومن المفيد للقارئ ان
يطّلع عليها على الدوام، ويواكبها.