كتب المحرر العبري
ذكرت صحيفة "هآرتس"، أن "إسرائيل" وجهت رسالة، عبر الولايات المتحدة وفرنسا
والسكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة بان كي مون، إلى رئيس الحكومة
اللبنانية سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال سليمان، تدعو فيها إلى منع
الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، من زيارة الجنوب لما تشكله من "استفزاز
ومصدر قلق" للدولة العبرية، قد تمس باستقرار المنطقة.
ولفتت "هآرتس" إلى أن وزارة الخارجية الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية تجريان مداولات حول الزيارة وكيفية الاستعداد لها.
يأتي التحذير الإسرائيلي، في الوقت الذي يفترض أن يزور فيه نجاد لبنان في
الـ13 و 14 من الشهر الجاري، حيث يتوقع أن يزور بلدة بنت جبيل ومارون الرأس
إضافة إلى مناطق أخرى في الجنوب اللبناني.
بداية لا بد من التأكيد على ان موقف تل أبيب من الزيارة ليس سوى تعبير عن
التمادي في الغطرسة، بدعم مما يسمى بالمجتمع الدولي, وإلا كيف تبيح الدولة
العبرية لنفسها، وتبيح لها الدول العظمى والأمم المتحدة، بأن تحذر
المسؤولين الرسميين اللبنانيين من استضافة رئيس جمهورية دولة أخرى، خاصة
وان وزير خارجيتها افيغدور ليبرمان اعتبر أن منشأ الاهتمام الإسرائيلي
بزيارة الرئيس الإيراني إلى الجنوب اللبناني كون هذه المنطقة تحظى باهتمام
خاص من قبلها. هذا مع التذكير بأن لبنان يشهد زيارات دائمة لرؤوساء
ومسؤولين لدول قد لا يكون مرحب بهم من قبل أكثرية الشعب اللبناني.
في المقابل، يمكن القول أن خلفيات الغيظ الإسرائيلي من زيارة الرئيس أحمدي
نجاد، واضحة سواء لجهة أصل حدوثها أو توقيتها أو الأماكن التي ستشملها.
بالنسبة لأصل الزيارة، ترى "إسرائيل" فيها تعبيرا وإقراراً وتكريساً للموقع
المتقدم الذي تحتله إيران في البلد الذي مُني فيه الجيش الإسرائيلي بسلسلة
من الهزائم التي شكلت منعطفا انحداريا في تاريخها.
من جهة اخرى، ما يعمق من أبعاد الزيارة، بالنسبة للكيان الإسرائيلي، كون
الضيف هو احمدي نجاد نفسه (كقيمة مضافة إلى كونه رئيسا للجمهورية) لما
يمثله من مواقف حاسمة وحازمة من أصل وجود سلطة الاحتلال التي يؤكد على
الدوام أنها آيلة حتما إلى الزوال. هذا فضلا عن رؤيته وموقفه من المحرقة
اليهودية في أوروبا.
أما بالنسبة لتوقيت الزيارة الإشكالي بالنسبة لتل أبيب، فينبع من كونها
تأتي بعد القفزات النوعية الهائلة التي حققها البرنامج النووي الإيراني رغم
العقوبات الدولية المتوالية والتهديدات المتواصلة من إسرائيل ومن بعض
المسؤولين الأميركيين، وبعد بدء الانسحاب الأميركي من العراق، وبعد
المعادلات التي أرساها حلفاء إيران في مواجهة "إسرائيل"، وفي ظل الهجوم
الأميركي الإسرائيلي عبر جبهة المحكمة الدولية.. اذ ان حدوث الزيارة مع كل
هذه الاحداث يُضفي عليها طابعا خاصا وتظهيرا لحقيقة موازين القوى المحلية
والاقليمية التي يبدو فيها أن يد إيران وحلفائها هي العليا.
أما بالنسبة لخصوصية المناطق التي سيزورها نجاد، بنت جبيل ومارون الرأس،
فإنها تختزن في داخلها كافة الأبعاد السابقة إضافة إلى ما تمثله من رمزية
لهزيمة الجيش الإسرائيلي ودور إيران في ذلك. ولتلمس موقف كيان العدو
وانطباعاته، تكفي الإشارة إلى أن "إسرائيل" تعتبر الدعم الإيراني للمقاومة
في لبنان (وفلسطين) جزء من المعركة الدائرة بين تل أبيب وطهران، حتى أن بعض
الصحفيين الإسرائيليين وصف "حرب لبنان الثانية" بأنها في الواقع ليست سوى
"حرب إيران الأولى". وبالتالي فإن هذه الزيارة تشكل بالنسبة لـ"إسرائيل"
تتويجا لنصر حققته إيران في مواجهتها، ورفعا في مستوى التحدي الإيراني لها.
أما فيما قد تحفره هذه الزيارة في الوعي الإسرائيلي فإنها وما سيرافقها من
مواقف (للرئيس الإيراني) ستشكل تجديدا وإحياءً لخطاب "بيت العنكبوت" الذي
ألقاه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي حُفر عميقا في
الذاكرة الإسرائيلية وما زال يشكل هاجسا في خلفيات صانع القرار السياسي
والأمني في تل أبيب.
أما لجهة ما لما قد تقدم عليه "إسرائيل" من خطوات عملانية مباشرة ضد الرئيس
نجاد، يمكن الاكتفاء بالقول أن "إسرائيل" واضعف واجبن من أن تبادر إلى أي
استهداف مباشر له، ولا حاجة إلى شرح الاعتبارات والعوامل التي تؤكد على هذه
الحقيقة.