كتب محرر الشؤون العبرية
تناول المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس" الصهيونية "الوف بن"،
سياسات الحكومات السابقة تجاه الاستيطان، ورأى أنها ارتكزت على قاعدة
مفادها أنه "عندما كانت المسيرة السلمية في جمود وواجهت "اسرائيل" عزلة
دولية، توقف التوسع الاستيطاني. وعندما كان يلوح السلام، وتتمتع "إسرائيل"
بموقف حسن في العالم اندفعت المستوطنات إلى الأمام".
من الناحية العملية، هذا ما حصل في عهد كل من مناحيم بيغن، (السلام مع مصر
ومائة مستوطنة جديدة في الضفة)، واسحاق رابين (اتفاق أوسلو وشق الطرق
الالتفافية، التي قرَّبت المستوطنين من قلب البلاد)، وبنيامين نتنياهو في
ولايته السابقة (بناء هار حوما بعد اتفاق الخليل)، وإيهود باراك (آلاف
الشقق الجديدة في المناطق في الطريق إلى قمة كامب ديفيد)، وإيهود اولمرت
(بناء واسع حول القدس بعد مؤتمر انابوليس).
وعليه لن يكون من الصعوبة التقدير، انه مع انتهاء فترة تجميد البناء في
المستوطنات، في ظل النظام العربي الرسمي الحالي، بأغلبية حكامه، وفي ظل
خيارات السلطة الفلسطينية، أن هذا ما سيحصل ايضا في فترة ولاية نتنياهو
الحالية، بعد أن يتم ابتكار صيغة جديدة للجمع بين استئناف المفاوضات
والاستمرار في الاستيطان، يتم من خلالها احتواء بعض الضغوط الدولية وتلبية
مطالب المستوطنين بشكل مدروس ومتدرج وبعيدا عن الأضواء الإعلامية بأن يسمح
ببناء الوحدات السكنية، وإبقاء خطط البناء الواسعة جدا إلى حين تبلور لحظة
سياسية معينة من اجل إقرارها. عندها سيتسارع البناء مرة أخرى وسيتركز في
الكتل الاستيطانية الكبرى، لتعزيز موقف " إسرائيل" في المفاوضات على الحدود
وتثبيت حقائق أخرى على الأرض. ويمكن القول اننا لن نشهد فقط استمرار
البناء في المستوطنات، بل بغطاء من المفاوضات السياسية نفسها، وانطلاقا من
تجارب السنوات السابقة، قد نشهد اندفاعة متزايدة في البناء الاستيطاني.
أما بخصوص أسباب هذا الواقع، قد نقرأ الكثير، ونسمع أكثر، عن التحليلات
التي تتناول الجذور الكامنة وراء هذا الواقع، إلا انه مهما تعددت التقديرات
والتحليلات لا يمكن تجاهل حقيقة وجود جذر أساسي يتمثل في خيار السلطة الذي
أعلنه ويعلنه رئيسها مرارا وتكرارا، بالاقوال والأفعال، انه "لا بديل عن
السلام إلا السلام" الأمر الذي جرَّده من أدنى مقومات القوة والضغط، بحيث
رأى العدو انه مهما تغطرس وتصلَّب وفرض وقائعه على الأرض فإن ذلك لن يدفع
الطرف الآخر إلى اللجوء إلى خيارات بديلة، وستبقى العملية السياسية تتحرك
وفق شروطه وقواعده. وعليه لن يكون غريبا أو مفاجئا أن نشهد المزيد من
الغطرسة من جانب العدو، والمزيد من التنازلات من جانب أنصار أحادي الخيار
(التسوية أولاً وأخيراً).