كتب المحرر العبري
كشفت القناة الثانية في تلفزيون اعدو عن وثيقة اطلق عليها اسم "وثيقة غالانت" تنص على خطة تقدم بها قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، اللواء يوآف غالانت لتعبيد الطريق امامه للوصول إلى منصب رئاسة الاركان، عبر تشويه صورة منافسيه. ودعت الوثيقة الى تقديم رئيس الاركان الحالي غابي اشكنازي كمن يشعر بالاهانة جراء تعيين خلف له منذ الان، وعدم الانتظار إلى نهاية العام الجاري ما قد يدفعه إلى الاستقالة بشكل مبكر. اضافة إلى اظهار صورة "غالانت" كما لو انه شخصية "إنسانية وناضجة يتمتع بخبرة وقدرة على القيادة" في مواجهة التهديدات المحدقة باسرائيل. وتدعو الوثيقة ايضا إلى زيادة التوتر والخلافات بين غالانت واشكنازي حول الحرب على غزة، مع الإشارة إلى ان رئيس الاركان الحالي يعارض تعيين غالانت خلفا له. هذا إلى جانب تشويه صورة نائب رئيس اركان الجيش الحالي، واحد المرشحين إلى تولي منصب رئاسة الاركان، اللواء بني غينتس، او الاقتراح عليه تولي منصبا اخر مثل رئاسة الموساد او الشاباك.
ما تم الكشف عنه لا يقتصر على كونه سبق اعلامي قامت به احدى محطات التلفزة، بل احدث هزة داخل المؤسستين السياسية والعسكرية، كونه يتناول مؤسسة كانت حتى وقت غير بعيد بمثابة "البقرة المقدسة" التي من الممنوع المس بها او التشكيك بها وبنزاهتها. ومن التداعيات الاولى لهذه الفضيحة استصدار المدعي العام يهودا فينشطاين، قرارا يقضي بتجميد البت في اختيار بديل لرئيس الاركان الحالي إلى حين جلاء الحقيقة، من دون ان يعني ذلك بالضرورة وقف المشاورات التي يجريها وزير الدفاع ايهود باراك.
المسألة الاساسية في فضيحة غالانت، انه بالرغم من صراعات كثيرة جرت في الماضي بين المرشحين لمنصب رئاسة الاركان او بين رئيس الاركان واحد المرشحين، الا ان الصراع الحالي يختلف جوهريا عن الصراعات السابقة. اذ تجري هذه المرة حرب حقيقية بين وزير الدفاع ورئيس الاركان. واذا ما تم استخدام الشائعات في الماضي كجزء من ادوات الصراع الا انه في هذه المرة تم تجاوز الخطوط الحمراء ووصوله إلى حد ارتكاب اعمال جنائية.
وما يعكس الدقة في التخطيط هو توقيت نشر هذه الوثيقة، اذ كشفت القناة الثانية عنه مساء يوم الجمعة الماضي، أي في الاسبوع نفسه الذي بدأ فيه وزير الحرب الصهيوني بمقابلة المرشحين لمنصب رئاسة الاركان، واذا ما صح، ما قالته قالت بعض التقارير الاعلامية الإسرائيلية، بأن مضمون هذه الوثيقة يتم التداول به منذ عدة اشهر، فإن من يملكها اختار التوقيت المناسب لنشرها كي يضع العراقيل امام وصول غالانت إلى المنصب.
في كل الاحوال، الحقيقة الاهم التي تعكسها هذه الفضيحة هي ان طبيعة وحجم الفضيحة فرضت على المؤسسة الإسرائيلية التعامل معها بحزم والدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق حول من يقف وراء هذه الوثيقة، وان درجة خطورتها هي نفسها سواء كانت حقيقية او مزورة، وهو ما اشار اليه رئيس الاركان غابي اشكنازي نفسه. لأنه في كلا الحالتين المسألة مرتبطة باساليب "وسخة" ترتكز على حرف الحقائق وتشويه المنافسين، من اجل الوصول إلى مركز معين, الامر الذي يؤدي في كل الاحوال إلى اهتزاز صورة الجيش بنظر الجمهور الإسرائيلي.
وبتعابير مهنية، إن ما جرى حتى الان يؤكد على وجود "تعفن قيمي" داخل الجيش الإسرائيلي، بغض النظر عما ستؤول اليه التحقيقات، ومما كشفته هذه القضية مدى تداخل المنافع الشخصية واساليب الخداع والتضليل في عملية اختيار شخص لاكثر منصب حساس في الكيان الإسرائيلي.
اما بخصوص حقيقة هذه الوثيقة فقد نقلت صحيفة هآرتس (8/8/2010) عن الصحافي "امنون ابراموفيتش" الذي كشف "وثيقة غالانت" في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي قوله إن "البنود الأساسية للوثيقة كانت معروفة لنا، وليس لنا فقط، منذ أسابيع، ولا معلومات لدينا حول ما إذا أعدها مؤيدون لغالانت أم معارضون له". لكنه عاد واكد على أن المصدر الذي سرب له الوثيقة هو "مصدر موثوق جدا وليس لديه مصلحة في مسألة تعيين رئيس لأركان الجيش".