حسان ابراهيم
اسئلة "اسرائيل" حيال مرحلة ما بعد صدور القرار الاتهامي ضد حزب الله،
واتهامه باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولا الى السؤال "عن شطب حزب الله
من لبنان"، تعبّر عن آمال مفرطة جدا.
الواضح، كما يظهر من مضمون المقاربة الاسرائيلية والنتائج المتوخاه، ان تل
ابيب ترى في القرار الاتهامي والمحكمة الدولية عموما، خيارا او فرصة، يمكن
الرهان عليه للوصول الى نتيجة الحرب المتعذرة حاليا ضد حزب الله، او ما
يقرب منها. وتبدو "اسرائيل"، لجهة توقع إمكان تحقيق النتيجة، وكأنها محكومة
لظروف واوضاع المرحلة التي اعقبت عملية الاغتيال نفسها في العام 2005، لكن
من الصعب التسليم بانه يتعذر على صانع القرار الاسرائيلي ان يدرك ان
امكانيات وميزان قدرة الاطراف المعنية بما يشمل "اسرائيل" نفسها، بل
والقدرة التي تملكها المحكمة والاتهام نفسه، غير قادرة على تحقيق النتائج
المرجوة ضد حزب الله، الا في حال جرى الاكتفاء بمستويات ازعاج ضد الحزب،
دون التهديد الفعلي.
من هنا يأتي التساؤل: هل تكتفي "اسرائيل" بما انجزته وحلفاءها الى الان،
وتنتظر نتائج مسارات المحكمة الدولية، التي تبدو انها لن تكون قادرة على
اشباع الرغبات الاسرائيلية ضد حزب الله، ام تعمد الى حراك فعلي ميداني
لاعطاء جرعة، قد تراها ضرورية، باتجاه رفع درجة الاحتقان الداخلي الى حدود
مرغوبة اسرائيليا لملاقاة القرار. المنطق وتاريخ "اسرائيل" في تعاطيها مع
امور مشابهة، يشير الى ذلك، كما انها تملك القدرة الفعلية على الحركة في
الساحة الداخلية اللبنانية، برغم كل ما اصاب استخباراتها من نكسات في
الاونة الاخيرة.
عدا رئيس اركان الجيش الاسرائيلي، غابي اشكنازي، سكتت "اسرائيل" الرسمية
الى الان، ولم يطلق مسؤولوها، العسكريون او السياسيون، مواقف مباشرة حيال
القرار الاتهامي واتهام حزب الله، كما صمت هؤلاء حيال تقدير اليوم الذي يلي
الاتهام، مع العلم ان المسألة في صلب المصلحة الاسرائيلية، وفي بؤرة
اهتمام الاجهزة الامنية والعسكرية في تل ابيب، نظرا للانعكاسات المتوقعة
لأي تطور في لبنان، وتحديدا ما يتعلق بحزب الله، على المواجهة القائمة بينه
وبين الدولة العبرية.
ويعد سكوت المسؤولين الاسرائيليين، مقصودا لمنع امكان استغلاله من قبل حزب
الله في الرد على الاتهامات المنساقة ضده، عدا عن "خطأ" اشكنازي وحديثه عن
اتهام حزب الله وتوقيت صدور القرار الاتهامي ضده، وايضا تأكيده على التوتر
الذي سيعقبه في لبنان.
برغم ذلك، تبث وسائل الاعلام الاسرائيلية، بين الحين والاخر، "معطيات" عن
التحقيق ونتائجه وبنود الاتهام، املا في تحقيق بيئة احتقان داخلية مؤاتية
لملاقاة القرار الاتهامي لدى صدوره، وصولا الى الفتنة الداخلية المنشودة في
لبنان، وفي هذا الاطار يمكن وضع تقارير القناة الاولى الاسرائيلية،
والمتكررة، والتي تتحدث عن اسماء لمسؤولين رفيعي المستوى في حزب الله، على
انهم المسؤولون الرئيسيون عن عملية الاغتيال.
في اطار التغطية الاعلامية لما يصدر عن القرار الاتهامي وحوله، وتحديدا
الحراك الدفاعي – الهجومي من قبل امين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله،
والردود عليه في لبنان وخارجه، تبرز العناوين الآتية، والتي تحمل دلالات
على الامال الاسرائيلية، ومنها:
نصر الله في قفص الاتهام؛ نصر الله خائف؛ الايرانيون ملّوا من سوريا؛ لبنان
على وشك الانفجار؛ مسؤول رفيع في حزب الله هو المتهم الرئيسي بتصفية
الحريري؛ الشكوك تحوم حول نصر الله؛ وغيرها.
ويجب التفريق بين ما تنشره وسائل الاعلام الاسرائيلية، وبين التقدير الفعلي
لاجهزة الاستخبارات في تل ابيب. فحديث وسائل الاعلام موجه الى الداخل
الاسرائيلي اضافة الى اتجاهات اخرى، والهدف تطمين الاسرائيليين بأن اوضاع
حزب الله صعبة وتتجه نحو صعوبة اكثر، ما يعني انشغاله عنهم، كما انه جرعة
ضرورية ايضا باتجاه تحسين فرص الفتنة في لبنان، خاصة ان المتلقفين للكلام
الاسرائيلي كثر، ولا يتوانون في البناء عليه باتجاه تعزيز الازمة، الامر
الذي يفسر، تماهي التغطية والتحليل الاعلامي الاسرائيلي، مع تحليلات ومواقف
اطراف لبنانية، هي عادة تتقاطع مع تل ابيب في كل ما يضر حزب الله.
لكن بين الحديث الاعلامي واهدافه، وبين تقدير الاستخبارات الاسرائيلية
لمآلات القرار الاتهامي ضد حزب الله، وعدم امكان الرهان عليها باتجاه تحقيق
النتائج الكاملة والمرجوة ضد حزب الله، يبرز التساؤل الآتي: هي تكتفي تل
ابيب باطلاق مواد اعلامية في مسعاها لتحقيق الفتنة، برغم ادراكها انها لن
تكون قادرة على تحقيق النتيجة، ام انها تقدم على إذكاء الفتنة بوسائل
اخرى... السؤال مشروع، ويوجب التنبه، وخاصة ان مواقف اطراف في لبنان تظهر
للاسرائيلي انها مهيأة لتقلف اي شيء، ومهما كان، للاضرار بحزب الله.