من هي القوى الدينية في الكيان الصهيوني؟
لم يكن المتدينون اليهود، في يوم من الأيام حزمة واحدة. والانطباع بأنهم الأكثر تطرفا في المجتمع الإسرائيلي غير صحيح. فهم منقسمون إلى عدة تيارات سياسية وحزبية، وحتى تدينهم يقسم إلى عدة مستويات.
فهنالك متدينون معتدلون في تدينهم ويرفضون اعتبارهم متدينين، ويسمون أنفسهم «تقليديين»، ويشكلون حسب آخر إحصاء لدائرة الإحصاء المركزية ما يعادل 25% من نسبة اليهود في إسرائيل. وهناك من يسمون أنفسهم «تقليديين متدينين» وتبلغ نسبتهم 13%، وهم أيضا معتدلون من الناحية الدينية. وهناك الذين يعتبرون أنفسهم «متدينين» ويشكلون نسبة 12%. والأقلية تعتبر دينية متزمتة (بالعبرية «حريديم» وتعني بالعربية «الورعين»)، وهي تشكل نسبة 8% من اليهود في إسرائيل وتسمى بالتيار الأرثوذكسي.
هذا التقسيم، لا يعكس بالضرورة المواقف السياسية لهم. فهذه المواقف متباينة، خصوصا لدى التقليديين والمتدينين الذين يشكلون الأكثرية. فنجد أن المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بغالبيتهم الساحقة متدينون أو تقليديون متدينون، وهم من أشد المتطرفين سياسيا، ومن بين صفوفهم خرج الإرهابي الذي قتل رئيس الوزراء، إسحق رابين، والإرهابيون الذين نفذوا عشرات العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين.
والأحزاب التي يصوتون لها هي بالأساس أحزاب تحالف «الاتحاد القومي»، وهو يميني معارض ومتطرف لا يؤمن بتسوية سياسية على أساس مبدأ «دولتين للشعبين» ويعتبر «أرض إسرائيل (أي فلسطين الكاملة) ملك للشعب اليهودي، لأن الله سبحانه وتعالى منحها لليهود منذ القدم». وهو ممثل بأربعة مقاعد (من مجموع 120 مقعدا) في البرلمان الإسرائيلي. وحزب آخر هو «البيت اليهودي»، الممثل بثلاثة مقاعد فقط، ويعتبر أقل تطرفا من الاتحاد القومي، لكنه ليس بعيدا عنه كثيرا، وهو ممثل في الحكومة بوزير العلوم.
لكن هناك متدينين كثيرين يصوتون للأحزاب العلمانية، خصوصا الليكود. لكن يوجد بينهم أيضا مصوتون لحزب كديما وحزب العمل وحتى حزب ميرتس اليساري الصهيوني. وتصويتهم مبني بشكل تدريجي، الأكثرية يمينية والأقلية يسارية وهناك قوى كثيرة في الوسط.
وأما المتدينون المتزمتون («الحريديم» الأرثوذكس)، فهم من قوى اليمين السياسي في إسرائيل لكنهم يقفون على يسار الحزبين السابقين، الأقل تزمتا. وما يميزهم أنهم ملتزمون تنظيميا أكثر من بقية المتدينين، لكنهم هم أيضا منقسمون على أنفسهم إلى ثلاث فرق كبيرة وبعض الفرق الصغيرة..
الفرقة الأولى والأكبر، هي «الحريديم» الشرقيون: وهم منضوون سياسيا تحت يافطة حزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين. وهو أجدد الأحزاب الدينية في إسرائيل، حيث تأسس فقط في سنة 1982. وأصبح أكبر الأحزاب الدينية على الإطلاق. وعلى عكس الأحزاب الدينية الأرثوذكسية الأخرى، أعلن منذ البداية أنه ليس معاديا للصهيونية.
واقترب من الحركة الصهيونية ومؤسساتها. وأعضاؤه غالبيتهم يخدمون في الجيش. ونوابه يشاركون في الحكومة. في المرة الأولى التي خاض فيها الانتخابات العامة (1984) حصل على 4 مقاعد، لكن قوته زادت رويدا رويدا ووصلت إلى أوجها في سنة 1999 عندما فاز بـ17 مقعدا.
وقوته اليوم 11 مقعدا. سبعة من وزرائه ونوابه في البرلمان أدينوا بتهم الاحتيال وسرقة خزينة الدولة. يتميز عن الأحزاب الدينية المتزمتة الأخرى بانفتاحه على الجمهور الواسع أولا وتركيزه على الطابع الطائفي. فقد نجح في جرف مئات الألوف من اليهود الشرقيين، بعد أن وضع في رأس الاهتمام محاربة العنصرية الأشكنازية ضد الشرقيين، وتمكن من سحب مئات الألوف من مصوتي الليكود لصالحه. ومن الناحية السياسية كان لدى تأسيسه على يسار الليكود،
وتعاون مع حزب العمل، وامتنع عن التصويت لدى توقيع اتفاقيات أوسلو، وبذلك أتاح لها أن تحظى بالأكثرية.
وزعيم هذا الحزب الروحي، الحاخام عوفاديا يوسيف، معروف بفتوى بالغة الأهمية، قال فيها: «الإنسان أغلى من الأرض»، وبذلك أجاز الانسحاب من أراض فلسطينية محتلة بهدف تحقيق السلام والحفاظ على الإنسان. وقبل شهور قليلة أفتى بجواز وقف الاستيطان في القدس، إذا كان ذلك يمنع الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية.
الفرقتان الكبيرتان الأخريان هما: الليطائيون (حزب «ديغل هتوراة») والحسيديون (حزب «أغودات يسرائيل»). وهم طائفتان من اليهود المتزمتين الأشكناز، أي من أصول أوروبية. كل طائفة منهما متعصبة لتنظيمها، وقد حصل أن تحولت خلافاتهما إلى شجار دام، لكنهما متحدتان سياسيا في تحالف واحد هو «يهدوت هتوراة» الممثل في الكنيست بستة نواب. من الناحية الآيديولوجية، لا تؤمن قيادة هذا التيار بالصهيونية، بل تعتبرها معادية لليهودية. فهي تؤمن بأن قيام إسرائيل يكون فقط عندما تقوم القيامة ويصل إلى إسرائيل المسيح المخلص. وفي البدايات لم تقبل المشاركة في الحكم.
وحتى عندما دخلت الائتلاف لم تقبل أن تمثل في الحكومة. وقد خففت من حدة رفضها، شيئا فشيئا، واليوم يشغل ممثلها يعقوب ليتسمان منصب نائب وزير الصحة، مشترطا ألا يكون وزير آخر فوقه. وهكذا، فإن الوزير رسميا هو رئيس الحكومة، نتنياهو، لكن الوزير الفعلي هو ليتسمان. المواقف السياسية لهذا الحزب تعتبر يمينية لكنها على يسار اليمين المتطرف. عندما قرر رئيس الوزراء الأسبق، آرييل شارون، الانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، عارضوه لكنهم لم ينسحبوا من حكومته. يعارضون تقسيم القدس لكنهم لا يقفون عثرة أمام تسوية.
هناك فرق أخرى صغيرة مختلفة. فنجد فرقة «نطوري كارتا»، وهي متطرفة جدا ومتمسكة بالموقف الآيديولوجي القديم ضد الصهيونية. فلا تعترف بها ولا تعترف بالدولة. وتقيم لنفسها دولة بداخل دولة. لها وزير خارجية مستقل. ونكاية في قيادة الحركة الصهيونية وقيادة إسرائيل السياسية، تقيم علاقات حميمة مع أعداء إسرائيل. وقد بدأت العلاقات مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وتقيم علاقات مع الرئيس الحالي، محمود عباس. وسافر وفد عنهم إلى إيران متضامنا مع قيادتها ضد العدوان الصهيوني.
وهناك فرقة أخرى أقل راديكالية، تنشط في العمل السياسي كحركة سلام، وتدعى «يش دين» (أي «توجد عدالة»). وهي التي تثير الكثير من القضايا ضد الاحتلال ودفاعا عن الفلسطينيين، ومنطلقها في ذلك ديني. فهي تعتبر الديانة اليهودية أم الديانات. وعليها أن تتعامل مع الديانات الأخرى بشكل ودود وإنساني. وتسير على مبدأ الآية التوراتية «وأحب لغيرك ما تحب لنفسك".
المصدر: مقتطف من مقالة نشرت في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات