كتب عامير رابيبورت في صحيفة "معاريف" الصهيونية أن "مسير خطوة وتصبحون في لبنان، هذه هي المسافة بين السور الامني وبين موقع أعمال مفعم بالحياة في الجانب اللبناني. من داخل موقع الجيش في "نوريت" (قبالة عيتا الشعب) يمكن رؤية ما يجري هناك، في كلّ ثانية، وفعلاً تحت الأنف، حتى إنّه لا حاجة للمنظار.
وعلى مدى أربع وعشرين ساعة يومياً، تدفن الجرافات أيديها العملاقة في الأرض، أحياناً تتفتت صخرة ونسمع ضجة تفجير عميقة، تدخل شاحنة وأخرى تخرج، تحمّل وتفرغ أطناناً من التراب. خراج قرية عيتا الشعب، منطقة مفتوحة، أقل من كيلومتر عن خط تقرير 105، المكان الذي خُطف فيه أودي ريغيف وإلداد غولدفاسر، ولم يعودا على قيد الحياة.
حتى حزب الله لا يحاول التخفي. ما الذي يقومون به هناك؟ من الصعب معرفة ذلك، لكن من المؤكد أنّه لا يصبّ في مصلحة "إسرائيل". يستعد التنظيم الشيعي دون توقف للمواجهة المقبلة ضدّ "إسرائيل" وهو مصمّم على الانتقام لاغتيال عماد مغنيّة.
عودة "المحميات الطبيعية" إلى مناطق جنوب لبنان أيضاً، لا فقط إلى الساحة اللبنانية الداخلية، عززت موقف حزب الله خلال الصيف الماضي. فعدا الأعمال الحثيثة مقابل "نوريت" قام حزب الله بأعمال بنى تحتية عديدة أخرى، إذ نشر شمالي نهر الليطاني خطاً دفاعياً جديداً، انطلاقاً من فرضية أنّ الجيش الإسرائيلي سيحاول مهاجمته من هناك، من خلال إنزال قوّات بالمروحيات، إذا ما وقعت حرب أخرى.
حتى من جهة جنوبي نهر الليطاني، يعمل حزب الله حالياً بحريّة مطلقة. صحيح أنّه جنوبي الليطاني ينتشر ما يزيد على عشرة آلاف جندي من اليونيفيل وفقاً لقرار مجلس الأمن 1701، الذي اتُخذ في نهاية حرب لبنان الثانية، لكنّ حزب الله تعلّم التعايش معها (القوة الدولية). فعناصره في كلّ نقطة في المنطقة. الميزة الوحيدة عما كانت عليه الحال قبل حرب لبنان الثانية هي أنّه في الوقت الحاضر لا يحمل عناصر حزب الله السلاح علناً ولا يلبسون بزات عسكرية. وما عدا ذلك لا شيء تغيّر، حتى الوقاحة. ويروي جنود الاحتياط أنّهم حين يخرجون في جولة على طول السور الواقي يحظون مرّات عدّة بصحبة ملاصقة لجيب تابع لحزب الله. ويروي عناصر الاحتياط: "نوافذ جيباتهم داكنة ويسيرون بمحاذاتنا على الطرف الآخر من السور. وعندما نتوقف لدقائق، يتوقفون أيضاً" .
منظومة حزب الله الجديدة تمهيداً للحرب المقبلة تشمل بيوتاً بُنيت في قرى في جنوب لبنان، وهي مهيأة للاستخدام كمراكز قيادة أو قتال، كما نشر حزب الله في المنازل على طول الحدود منظومة مراقبة مكثفة ومنظومة تنصّت على الهواتف وعلى أجهزة الاتصال الإسرائيلية، مرتكزة على التكنولوجيا الإيرانية. وفي قرى عديدة، عيتا الشعب مثلاً، بُنيت بيوت في "مساحات ميّتة" وذلك من أجل تشكيل كثافة بناء من الجانب اللبناني للسور الحدودي، بحيث يصعب على جيش الدفاع الإسرائيلي "كسح" المنطقة، إذا ما قرر التوغل إلى الداخل.
حزب الله لا يكتفي بالمنظومة المعقدّة التي بناها داخل القرى الشيعية في جنوب لبنان تمهيداً للمواجهة المقبلة مع جيش الدفاع الإسرائيلي، هو أيضاً يستصلح "المحميات الطبيعية" الموجودة في خراج هذه البلدات. "المحميات" هي التسمية المعطاة في جيش الدفاع الإسرائيلي للنقاط الموجودة في قلب المنطقة المفتوحة والتي استخدمها حزب الله لإَطلاق الصواريخ خلال حرب لبنان الثانية. من داخل كلّ "محميّة" يمكن تشغيل صواريخ الكاتيوشا بطريقة أوتوماتيكية، بضغطة زرّ حاسوب. عناصر كلّ محمية بإمكانهم المكوث أسابيع تحت الأرض دون أن يُصابوا. لديهم مؤونة كافية، مياه، حمامات، وكل الظروف المطلوبة للمكوث فترة طويلة. التحصينات تحت الأرض محميّة من كل أنواع القصف. كل الإشارات تدل على أنّه في الفترة الأخيرة عاد حزب الله لصيانة بعض "محمياته الطبيعية" بعدما أهملها لفترة طويلة بعد حرب لبنان الثانية.
قضية إضافية، حتى إنها أخطر، وهي أن حزب الله معني بنشر تشكيل مضاد للطائرات كأحد العبر التي استنتجها من حرب لبنان الثانية، والتي نجح فيها بواسطة صاروخ محمول على الكتف في إسقاط مروحية واحدة للجيش الإسرائيلي. وأخيراً نفّذ حزب الله أشغال بنى تحتية قبيل نشر بطاريات صواريخ ضد الطائرات في عدة مواقع استراتيجية في لبنان، وقد صرّح مسؤولوه بأن في نيّتهم محاولة ضرب طائرات سلاح الجو التي تنفّذ غارات فوق أرض لبنان للتصوير الاستخباري.
بكلمة واحدة، لا يمكن اتهام الجيش حيال التوتر الشديد على الحدود الشمالية في الفترة الأخيرة: باطمئنان. فقوات الجيش على طول الحدود ليست كبيرة بالشكل الهام مقارنة مع الوضع عشية اندلاع حرب لبنان الثانية، لكن روتين النشاط تغيّر كلياً. والجيش يعمل من جهتي السياج الأمني، بمعنى أنه يعبر أحياناً إلى منطقة شمالي السياج، في الأجزاء التي توجد فيها الجهة الشمالية في أرض تحت السيادة الإسرائيلية وفق خرائط الأمم المتحدة.
في الجيش يدركون منظومة التنصّت الواسعة لدى حزب الله والمختلفة عن الوضع الذي كانت فيه قبل حرب لبنان الثانية، لذلك تعزّزت توجيهات أمن الميدان هذه الأيام بنسبة مفرطة. كل القوات في المنطقة، حتى الجنود النظاميون والاحتياط، لا يسمح لهم بحمل هواتف خلوية، من جراء فرضية أن حزب الله قادر على التنصّت على كل ما يحصل بالقرب من الهاتف النقال، حتى لو لم يكن في الخدمة.
كما يفتش الجيش عن حلول "إبداعية" من أجل مواجهة أساليب عمل حزب الله المتطورة. وقد أدخلت آلية جديدة، تدعى "قاتلة"، "جيب" هامر مصفّح ذي قوة نيران قاتلة، إلى الجولات الاستطلاعية الروتينية التي تنفّذ على طول الحدود.