نصوص من الصحافة الإسرائيلية
جريدة السفير - 08/09/2008
حلمي موسى
لا يكف رئيس الحكومة الإسرائيلية، "إيهود أولمرت"، عن إبلاغ كل من يقترب منه أنه مصمم على أن ينهي هذا العام باتفاق هام مع الفلسطينيين أو مع السوريين. ولهذا فإنه يجتمع بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ويلتقي بوزيرة الخارجية الأميركية وسوف يسافر إلى العاصمة الروسية لحث الاتصالات مع دمشق. بل أنه يذهب أبعد من ذلك فيفتح الباب في الحكومة لمناقشة ما يعرف بقانون "الإخلاء ـ التعويض" الذي يشجع المستوطنين على التفكير بترك المستوطنات المراد إخلاؤها في أي تسوية مع الفلسطينيين.
غير أن هذه الحركة تبدو منقطعة بشكل تام عن الواقع. ففي مطلع الأسبوع المقبل ستجري الانتخابات التمهيدية في "كديما" والتي لا هدف لها سوى استبدال "أولمرت" وإبعاده عن رئاسة الحكومة وزعامة الحزب. وأمس بدأت الشرطة مداولاتها الأخيرة بشأن تقديم لائحة اتهام بقضايا فساد عدة ضد "أولمرت" الذي سبق وأعلن أنه سيقدم استقالته حال تقديم لائحة اتهام ضده. والأهم من كل ذلك أن "إسرائيل" تعيش هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى حالة انتقالية بانتظار الانتخابات العامة المبكرة أو تشكيل حكومة مؤقتة سواء أكانت حكومة طوارئ أو حكومة وحدة وطنية أو أي شيء كهذا.
ويبدو من إصرار "أولمرت" على إظهار تمسكه بالسعي لتحقيق اتفاق حتى لو كان "اتفاق رف" عزمه على أن لا يبدو جثة ميتة وهو على رأس الحكومة؛ فهو يريد التأكيد لكل الحلبة السياسية أنه لا يزال يمسك بدفة القيادة وأنه يوجهها حيث يريد؛ ولكن لا يبدو لا في الحلبة الإسرائيلية ولا في الخارج أن هناك كثيرين يأخذون هذا الإصرار كما يريد صاحبه. ولا أدل على ذلك من أقوال الرئيسين السوري بشار الأسد والفلسطيني محمود عباس بأنهما لا يعلقان أهمية كبرى على "أولمرت" وحكومته.
بل أن الرئيس الإسرائيلي وكذلك مصادر عليا أميركية أبدوا مؤخراً تقديرات باستحالة التوصل لاتفاق قبل نهاية هذا العام؛ ولا تقل أهمية عن ذلك مواقف المتنافسين على خلافته من زملائه في "كديما" والذين لا يعلقون كبير أهمية على مساعي "أولمرت" بل يبدون رفضهم العلني لها؛ فالجميع يتفق على أن صفحات التاريخ باتت مغلقة أمام "أولمرت" وإمكانية تحقيق الاختراق السياسي المطلوب الذي يمنع ذكره كأبرز فاسد في تاريخ حكومات "إسرائيل".
ولكن "أولمرت" ليس أكثر من معلم يشهد على ما يجري في الحلبة السياسية الإسرائيلية. فالقصة في نظر الكثيرين ليست مجرد رئيس حكومة على طريق التقاعد وإنما مستقبل الحلبة السياسية بأسرها؛ فالأخطار التي تواجهها "إسرائيل" من الوضع القائم والغامض في السلطة الفلسطينية إلى القلاقل في الوضعين الدولي والإقليمي إلى ما يسمى بالخطر الإيراني لا تزال على حالها. وثقة "إسرائيل" بنفسها وبتحالفاتها ضعفت حتى لو أظهرت خلاف ذلك. وتفتقر "إسرائيل" لزعامة حيث باتت مترددة تجاه اختيارها كلاً من تسيبي ليفني أو موفاز من "كديما" أو "بنيامين نتنياهو" من الليكود أو "إيهود باراك" من العمل.
فالتجربة الإسرائيلية مع هذه الأحزاب تكرر نفسها وبأشكال بائسة أحياناً. وتكفي نظرة واحدة لتدفق "الوصوليين" من القادة العسكريين أو السياسيين السابقين إلى الليكود و"إسرائيل بيتنا"، وهما حزبان صاعدان في استطلاعات الرأي لفهم الوجهة. فالجنرال "عوزي ديان" الذي يعتبر من أصول يسارية يرى في الليكود أمله في التغيير. والسفير السابق في واشنطن داني أيالون ينضم إلى حزب أفيغدور ليبرمان معلناً أن هذا "حزب وسط".
ولا ريب أن ذلك يشهد على أن ما كان يعرف بمعسكر اليسار أو المعسكر العمالي في "إسرائيل" يكاد ينتهي. فقد غدت قوة "تسيبي ليفني" القادمة من "الليكود" وهي من تربية حيروتية عنصر الجذب الأكبر لدى أنصار "حزب العمل" الذين لم يعودوا يرون في حزبهم خشبة خلاص. فالرسالة الاجتماعية لهذا الحزب دفنت تحت أقدام الأمنيين. كما أن الأمنيين في الحزب مثل "إيهود باراك " صاروا عاجزين عن خلق رسالة جذابة بعد تجربة "نزع الأقنعة" عن وجه السلطة الفلسطينية التي أقدم عليها "باراك" في "كامب ديفيد" وقادت لانتفاضة الأقصى.
ورغم أن الشيء نفسه حدث بأشكال مختلفة مع "الليكود" إلا أن الليكوديين من الخائبين من "كديما" يعودون لنتنياهو على أمل أن يغدو أفضل في المرة المقبلة.
يصعب القول هذه المرة إن الجمهور الإسرائيلي يركض وراء فكرة أو برنامج سياسي أو اجتماعي وهو يتقدم نحو الانتخابات. فانتخابات "كديما" في الأسبوع المقبل تحفل بكل شيء عدا البرامج السياسية أو الاجتماعية لأي من المرشحين. بل إن أياً منهم لم يكلف نفسه كثيراً عناء إفهام الجمهور بأنه مختلف عن الآخرين.
وهذا ما دفع أحد كبار المعلقين في "إسرائيل" إلى القول بأن مرشحي "كديما" الأربعة "يعتقدون أنهم كلما قللوا من الكلام زادوا فرصهم بالفوز. الظهور الوحيد كان لـ"شاؤول موفاز" وهو يرتدي الصندل الذي يظهر قدميه الحافيتين، رداً على الادعاء بأنه يلبس زياً رسمياً جداً. لم نفهم من ظهوره هذا لماذا يجب اختياره هو رئيساً للوزراء. أهكذا ينتخبون القائد في هذه البلاد؟".