نقولا ناصيف
صحيفة الاخبار اللبنانية - 12/9/2007
رغم المواقف المتصلبة في الظاهر بين طرفي النزاع، قوى 14 آذار والمعارضة، حيال مسار الاستحقاق الرئاسي، يتداول بعض الأوساط الوثيقة الصلة بمراجع رسمية احتمال توصلهما إلى تسوية بالاستناد إلى مبادرة الرئيس نبيه بري: نصاب الثلثين يخرج منه رئيس توافقي. إلا أن هذه الأوساط، المثابرة على التحرّك بعيداً عن الأضواء، تتكتّم عن مؤشرات التسوية تلك التي تقتصر في رأيها على إجراء انتخابات رئاسية تفادياً لإغراق لبنان في فوضى. يدفعها ذلك إلى الاعتقاد بأن التحرّك الدبلوماسي الاستثنائي حيال لبنان، في الساعات المقبلة، يعبّر عن حاجة المجتمعين الدولي والعربي إلى رعاية هدنة طويلة للوضع اللبناني، يناط بالرئيس المقبل للجمهورية خلالها إدارته، في محاولة لاستعادة تجربة الرئيس الراحل إلياس سركيس (1976 ـــــ 1982) لإدارة خلافات اللبنانيين في ما بينهم. لكن من غير أن يجد الرئيس الجديد نفسه محاصراً بين جيوش أجنبية على أرض لبنان.
وتشير الأوساط الوثيقة الصلة بمراجع رسمية، في المقابل، إلى بضعة معطيات تعزّز وجهة نظرها، وأبرزها:
1 ـــــ تيقّن طرفي النزاع من أن أياً منهما لا يملك سلاحاً سياسياً فتاكاً ضد الآخر في الاستحقاق الرئاسي. ولذا يغاليان في التصلب والشروط المتبادلة بحثاً عن ثمن يعرف كل منهما أنه لا يملك كذلك أن يعطيه ندّه. بل إن مبادرة رئيس المجلس تعبّر عن المأزق الذي يتخبطان فيه وعن المخرج الملائم لهما، وهو أن أياً منهما ليس في وسعه الذهاب إلى الاستحقاق الرئاسي بمفرده، ولا فرضه على الآخر. وعَكَسَ ما سمعه زوار رئيس المجلس منه، في الساعات الأخيرة، ما يصب في هذا الرأي. وهو استغرابه من تردّد قوى 14 آذار في تحديد موقفها من مبادرته بعد 12 يوماً على إطلاقها، في 31 آب في بعلبك، واعتقاده أن المبادرة تلقى تأييداً متفاوت الأهمية بين أركان هذا الفريق.
وبحسب بري أمام زواره، فإن أربعة من هؤلاء الأركان يؤيدون المبادرة في شكل مطلق هم الرئيس أمين الجميل والوزير محمد الصفدي والنائبان غسان تويني وبطرس حرب، وأربعة آخرون ــــ لم يسمّهم ــــ هم «معها، ولكن». بل ذهب إلى أبعد من ذلك، آخذاً على عاتقه قيادة مبادرته إلى النهاية إذا انضمت إليها قوى 14 آذار، قائلاً إنه ينتظر عودة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير إلى بيروت للبحث معه في مبادرته، وإنه، إذا اتفق معه على مرشح توافقي، سيكون في وسع قوى 14 آذار أن تتأكد بأم العين من أن في إمكانه إمرار الاتفاق في مجلس النواب وانتخاب الرئيس التوافقي بما يملك من دور.
2 ـــــ لا يعدو تخلي مبادرة رئيس المجلس عن المطلب المتصلب للمعارضة، وهو تأليف حكومة الوحدة الوطنية، وردود الفعل المشروطة عليها من بعض أركان قوى 14 آذار والتلويح بخيار النصف الزائد واحداً في الانتخابات الرئاسية لا تعدو هذه كونها جهداً يحاول به كل منهما بيع الآخر بضاعة نافقة، أو في أبسط الأحوال خيارات غير مجدية وعديمة التأثير. لا المعارضة قادرة بعد اليوم على إرغام قوى 14 آذار على تأليف حكومة وحدة وطنية تسبق الاستحقاق الرئاسي، ولا قوى 14 آذار تملك نصاب النصف الزائد واحداً كي تهدّد به الفريق الآخر.
في واقع الأمر ـــــ ومن دون مفاجآت في الأسابيع المقبلة ـــــ فقدت قوى 14 آذار الأكثرية النيابية التي كانت قد سيطرت عليها غداة الانتخابات النيابية عام 2005، على الأقل بالنسبة إلى قدرتها على تأمين نصاب النصف الزائد واحداً لانتخاب الرئيس الجديد. ويقتصر هذا التناقص، حتى الآن، على الاستحقاق الرئاسي دون سواه من الملفات السياسية الساخنة بين هذا الفريق والمعارضة. وبعدما كانت قد خسرت مقعد النائب الراحل إدمون نعيم في بعبدا ومقعد النائب الراحل بيار الجميل في المتن وخروج نائب عكار مصطفى حسين من فريق الغالبية، تدنّى عدد نواب هذه من 72 نائباً إلى 69، لن يذهبوا جميعاً إلى جلسة انتخاب رئيس جديد بنصاب النصف الزائد واحداً.
ووفق ما يجري تداوله في أوساط واسعة الاطّلاع في قوى 14 آذار، فإن التكتل الطرابلسي برئاسة الصفدي بات قاطعاً في رفض المشاركة في جلسة لا يلتئم فيها نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس الجديد، سواء كان توافقياً أو من فريق معين، ما دام يحظى بتأييد النصاب الموصوف. ولا يفتأ الصفدي، يوماً بعد آخر، يؤكد هذا الموقف. كذلك لن يشارك نائب تيار المستقبل المعتكف بهيج طبارة في جلسة لا تلتئم بنصاب الثلثين.
وبحسب المعلومات نفسها، فإن نواب التكتل الطرابلسي الأربعة وطبارة سيحضرون إلى مجلس النواب في 25 أيلول وينتظرون اكتمال نصاب الثلثين كي ينضموا إلى سائر النواب في قاعة الجلسات، إلا أنهم لن يكونوا في عداد نصاب النصف الزائد واحداً في 25 أيلول أو في اليوم العاشر الذي يسبق نهاية ولاية الرئيس إميل لحود في 14 تشرين الثاني المقبل. يعني ذلك تناقص نواب الغالبية، في موضوع نصاب الثلثين، إلى 64 نائباً، اللهم إلا إذا تناقص العدد أكثر لأسباب مختلفة. وهو رقم دون الأكثرية المطلقة التي لا يزال أركان قوى 14 آذار يهدّدون باللجوء إليها، في حين أنها لم تعد في أيديهم.
3 ـــــ ما يبدو واضحاً حتى الآن في خريطة توزّع المرشحين المعلنين لرئاسة الجمهورية، أن العدد النهائي للجديين منهم في قوى 14 آذار استقر على ثلاثة فقط هم النائبان بطرس حرب وروبير غانم والنائب السابق نسيب لحود. في المقابل ثمة مرشح واحد للمعارضة هو الرئيس ميشال عون. أمّا المرشح المعلوم ـــــ المجهول الوزير شارل رزق فلم يجد من يرشحه حتى الساعة. وتبعاً لسلسلة مواقف أدلى بها مرشحو قوى 14 آذار، في أوقات متفاوتة علناً وفي حلقات مغلقة، فإنهم يفضلون انتخابهم وفق نصاب الثلثين، وهو مصدر تركيز كل منهم، في تبرير ترشيحه، على أنه يأمل أن يكون مرشحاً توافقياً أو وفاقياً ورئيساً لكل اللبنانيين. وهم بذلك يميّزون بين انبثاق ترشيحهم من فريق معيّن وطرحهم هذا الترشيح على اعتبار أنه برسم الأفرقاء اللبنانيين جميعاً. أضف أن انتخاباً بنصاب النصف الزائد واحداً يستبعد المرشحين الثلاثة هؤلاء دفعة واحدة لتعارضه مع مواصفاتهم، ويوجّه الاهتمام إلى صنف آخر كترشيح رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع.