آية الله فضل الله: مشروعية السلاح انطلقت من الأرض ومن مشروع الأمة المواجه للمشروع الأميركي والإسرائيلي
وطنية - 25/7/2008
ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
"حظي كيان العدو في الأيام والأسابيع الماضية بمزيد من العطف الغربي، وهو الذي لا يحتاج إلى كثير من هذا العطف، لأنه أصبح يتحكم بكثير من الإدارات الغربية ويوجه سياساتها الخارجية، ولكن تصاعد وتيرة العطف الغربي عليه يوحي بأن بعض الدول الغربية قد لاحظت وجود حال من الانكسار بدأت تصيب اليهود في فلسطين المحتلة بعد تساقط الخطوط الحمر التي تحدث عنها الكثيرون، وخصوصا في أعقاب عملية التبادل الأخيرة، وانتصار منطق المقاومة، والتداعي المتواصل لمنطق العدو وشروطه".
أضاف: "وقد كان من اللافت أن يزايد رئيس الوزراء البريطاني (براون) على سلفه (بلير) أمام الكنيست الصهيوني ليعلن أنه كان صديقا لـ"إسرائيل" طوال حياته ـ على طريقة الرئيس الفرنسي ساركوزي ـ وليؤكد وقوف بريطانيا مع "إسرائيل" عندما تشعر بأن سلمها واستقرارها ووجودها باتوا مهددين، وليشن حملة على إيران ويهددها بمزيد من العزلة من خلال رد جماعي، ربما لأن ضمير المسؤولين البريطانيين ـ عموما ـ لا يزال يعمل على وتيرة وعد بلفور... أما حديثه (براون) عن ضرورة تجميد الاستيطان فيأتي في سياق الكلام الذي يسهل صرفه في البورصة السياسية العربية. ولا يبتعد مضمون كلام (براون) حول التزام الأمن الإسرائيلي عن مضمون الكلام والزيارات التي قام بها بوش والمستشارة الألمانية والمرشح الجمهوري الأميركي، وصولا إلى زيارة "أوباما" الأخيرة التي استنفد فيها كل عبارات خضوع لليهود ومن وصف "إسرائيل" بالمعجزة، إلى إصراره على أن تكون القدس عاصمة للكيان الصهيوني، بما ينتظر أن يجني ثماره في الانتخابات الرئاسية القادمة".
وأشار الى "ان تكرار الكلام الغربي حول الالتزام المطلق بأمن "إسرائيل"، والإعلان عن رفض تعرض اليهود لمحرقة جديدة، كما أعلن المرشح الجمهوري الأميركي قبل أيام، لا يهدف إلى طمأنة الصهاينة فحسب، بل يمثل أيضا دعوة غير مباشرة لـ"إسرائيل" إلى استكمال حربها على الفلسطينيين، وقتلهم بدم بارد، بحجة أنها مهددة في أمنها، وأن ذلك يمثل دفاعا عن النفس وعن الحضارة وسط محيط من "المتوحشين"، كما قال الرئيس الحالي لكيان العدو (شمعون بيريز) ذات مرة".
وتابع: "وفي المقابل، فإن على الفلسطينيين ـ بمن فيهم المسؤولين في السلطة ـ أن يعرفوا أن هذا الغرب يبيعهم كلاما استهلاكيا، وأنه عندما يتحدث عن "فرص السلام الحقيقية" ـ كما يقول (براون) - فهو يعني أن على "إسرائيل" أن تستغل الفرص المتاحة للقضاء على الفلسطينيين أو على أي شيء يتصل بالدولة الفلسطينية القابلة للحياة، وهو ما ينبغي أن يثير في الفصائل الفلسطينية كلها ـ وخصوصا فتح وحماس ـ الغيرة الوطنية والدينية للدفع بالحوار الفلسطيني الداخلي إلى الواجهة، ولجعله أولوية حاسمة لا تقبل الجدل ولا تتوقف عند الرهانات السياسية هنا وهناك".
وأضاف مشيراً: "وليس بعيدا من ذلك نلحظ استعجالا أميركيا لإبرام اتفاقية أمنية مع العراق تضمن استمرار الاحتلال، ولكن بطريق التفافية أو بأساليب جديدة، كما نرصد استخداما متزايدا لوسائل القتل والعنف من قبل قوات الحلف الأطلسي ضد المدنيين الأفغان، حيث قتلت قوات الحلف في ضرباتها الجوية اخيرا حوالي 60 مدنيا أفغانيا معظمهم من النساء والأطفال، الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام، وهو ما يكشف حقائق الكثير من الدور الذي يراد للحلف الأطلسي أن يضطلع به في بلادنا بفعل الإشراف الأميركي المباشر على حركته".
وقال: "لقد قام الحلف الأطلسي تحت عنوان مواجهة الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، ولكننا نلاحظ أنه تحول إلى حلف عسكري يواجه الشعوب الإسلامية بكل حقد وعدوانية، ولا يحترم استقلالها وأمنها، لأن ثمة عقيدة جديدة قد رسمت لهذا الحلف ويراد ترسيخها في أذهان جنوده، ومفادها أن الإسلام المتحرك في خط الحرية يمثل الخطر الذي ينبغي مواجهته، وقد قال القائد الأعلى السابق لقوات حلف الأطلسي (جون كالفن) في كلمته الوداعية في بلجيكا: "لقد ربحنا الحرب الباردة، وها نحن نعود اليوم بعد 70 عاما من الصراعات الضالة إلى محور الصراع القائم منذ 1300 سنة، إنها المجابهة الكبيرة مع الإسلام".
أضاف: "إن هذا الكلام الخطير الذي يمثل دعوة صريحة إلى محاربة العالم الإسلامي، ومواجهة الإسلام، كدين وثقافة ومشروع، بات حركة تلاحق بلداننا وشعوبنا لتحاول أن تنتقم منها بطريقة وحشية أو استعراضية بدلا من أن تدخل في حوار حضاري معها، وهذا ما ينبغي للعالم الإسلامي أن يعرفه لترتيب الأوضاع الإسلامية بالطريقة التي لا تسمح للأعداء باختراق نسيجنا الإسلامي، واستغلال نقاط ضعفنا وتمزقاتنا، وهو الأمر الذي يستدعي أن نتوحد سنة وشيعة لدرء الخطر الذي يتهدد الإسلام كله ولا يقتصر على مذهب بعينه".
وتحدث عن لبنان فقال: "اما في لبنان، فإننا لا نعتقد بأن الجدل الذي تستمر الإثارة فيه بين وقت وآخر، وعند هذه المحطة الحكومية أو تلك المحطة البيانية حول سلاح المقاومة وشرعيته، يغير في حقيقة الأمر شيئا حول أهمية هذا السلاح للبنان، وخوف الأعداء منه، وخصوصا أن شرعية السلاح انطلقت فيما يشبه الاستفتاء الشعبي في كل أوجه الاحتفال بانتصارات المقاومة والتي توجتها احتفالات الأسبوع الفائت بعودة الأسرى، كما أن مشروعية هذا السلاح انطلقت من الأرض ومن حضوره الدائم في مشروع الأمة المواجه للمشروع الأميركي والإسرائيلي، ولذلك فإن الحوار ينبغي أن يتمحور حول كيفية انخراط الجميع في مشروع الدفاع عن لبنان، لا أن نسقط من أيدينا ورقة إستراتيجية كبيرة ظلت حاضرة دائما لحساب الوطن والأمة".
وتساءل "ما دام الجميع يجزمون بأن "إسرائيل" عدوة، وأن هذه المسألة يستوي فيها الموقف الشعبي مع الرسمي، فلماذا نظل نثير السؤال حول سلاح المقاومة، بدلا من أن يتداعى الجميع لرسم خطة عملية على المستوى الأمني والسياسي، وحتى الاقتصادي، لحفظ مجتمع المقاومة والتصدي للخطر الإسرائيلي عندما ينطلق ضدنا وضد وطننا، من دون أن يستبعد ذلك كله التنسيق مع الدولة والجيش، مع إبقاء التمايز لكل موقع من هذه المواقع في خصوصياته والتزاماته وبرامجه، ما يجعل الموقف في لبنان واحدا، لا تجزيئية فيه".
وتابع: "وفي ضوء ذلك، فإن العملية القيصرية التي احتاجها الواقع اللبناني لولادة رئاسة الجمهورية والحكومة ربما تفرض نفسها على البيان الوزاري، لتمتد على أوضاع مجلس الوزراء في عمل الحكومة، لاسيما في بقاء التدخلات الدولية والعربية لهذا الفريق أو ذاك، ما لا يملك الكثيرون التخلص منه، وخصوصا أن هناك انتظارا للانتخابات النيابية التي قد يصعب خوضها من قبل بعض الأطراف في شكل مستقل، بعيدا من الخطوط السياسية التي تتحرك فيها أكثر من دولة إقليمية أو دولية من خلال الأرصدة التمويلية الموضوعة في خدمة هذا المحور الداخلي أو ذاك، انطلاقا من بقاء لبنان الساحة لكل الذين يعالجون مشاريعهم الخاصة في صراعات المنطقة".
وختم منبهاً: "إننا في الوقت الذي نشدد على الشعب اللبناني أن لا يغرق نفسه في ضباب الأحلام الوردية، نؤكد عليه أن يبقى واعيا لمصالحه الحيوية من دون استغراق في الخضوع لزعامة هنا أو زعامة هناك، أو لحالة مذهبية أو طائفية مثيرة، بل إن مسؤوليته هي الرقابة على الجميع ومحاسبة الذين يملكون إدارة شؤونه بعيدا من المبالغة في تضخيم الأشخاص والأحزاب، فقد لدغوا من أكثر الأفاعي خطرا ومن ألف جحر وجحر، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فكيف بمئات اللدغات، هذا بلاغ للناس ولينذروا به، وليعرفوا ما هو الفاصل بين الذين صنعوا مأساة التاريخ والذين قد يصنعون مأساة الحاضر والمستقبل".