اضاف: " لقد استطاعت المقاومة في عملية التبادل هذه لا أن تؤكد مصداقيتها وأحقية حركتها فحسب، بل أن تجعل العدو الإسرائيلي يتراجع عن لاءاته، ويكشف عن حقيقة أوضاعه وهي أقرب ما تكون إلى صورة الأنظمة العربية التي تنازلت عن لاءاتها وحولتها إلى "نعم" خاضعة ومتهالكة".
وتابع: " في هذه الأيام يقف العالم، ولا سيما العالم العربي والإسلامي، أمام المقاومة التي أجهزت على القوة الإسرائيلية الموصوفة سابقا بأنها لا تقهر، وأجبرتها على كسر قرارها في الامتناع عن إطلاق الأسرى الذين قاتلوا جنودها بكل شجاعة وصلابة وبسالة".
واشار الى انه في مقابل ذلك، ينطلق السؤال: "ما الذي أنجزه المعتدلون العرب المتحالفون مع أميركا والمتصالحون مع إسرائيل؟ لقد هادنوا العدو، واستجابوا لرغباته، وتعلقوا بخريطة الطريق التي أعطت الأولوية لنزع سلاح المقاومة، وهرولوا إلى "أنابوليس" لكي يؤكدوا مرجعية الخطة الأميركية ويسلموا بالإشراف الأميركي على تنفيذها، فيما تراجع العدو عن كل ما التزم به، فواصل زحفه الاستيطاني واستيلاءه على الأراضي الفلسطينية، واجتياحاته ومجازره واعتقالاته، وتمسكه بيهودية الدولة كمقدمة لطرد عرب الـ 48 من ديارهم، ولم يطلق سراح الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين، ولم يقدم للسلطة الفلسطينية ورقة واحدة قابلة للاستثمار. إن هذا الإنجاز النوعي الكبير للمقاومة الإسلامية في لبنان يمثل رسالة أخرى من رسائل الإلهام للشباب العربي، ليكون حاضرا في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه، وليقف إلى جانب المقاومة وقضايا الأمة في مواجهة إسرائيل ومن يسير في خطها".
اضاف متابعاً: " ليس بعيدا من ذلك لقد بدأنا نسمع كلاما خافتا في مكان ومعلنا في مكان آخر، عن أن المقاومة قامت بما هو مطلوب منها وبقي على الدولة أن تعمل لتنفيذ القرارات الدولية، ونحن لا ندري لماذا يستعجل هؤلاء الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها إسرائيل، ولا ندري هل القرارات الدولية أصبحت إنجيلا أو قرآنا عند هؤلاء وأنها ليست قابلة للمناقشة وإثارة الجدل حولها، أو في كونها انطلقت من خلفيات تتصل بمصلحة إسرائيل أولا وآخرا، ومن خلال سيطرة أميركا على مجلس الأمن. إننا نقول لهؤلاء: رويدا فإن ما يصوغه اللبنانيون من خلال حوارهم ووحدتهم هو أهم وأقدس وأطهر من كل هذه القرارات التي كانت السبب الأساس فيما أصاب البلد من تشتت وتمزق وضياع؛ وإن على هؤلاء أن يتعلموا من إسرائيل أنها لا تحترم أي قرار صادر عن مجلس الأمن إذا لم يتوافق مع مصالحها".
وقال: " وفي الجانب الآخر، تبرز سابقة في العلاقات الدولية والقانون الدولي، وخطوة تعتبر من أخطر التعديات الخارجية على السودان واستقلاله وسيادته واستقراره، تتمثل في طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية توجيه أول مذكرة توقيف دولية ضد رئيس دولة عربية، وهو الرئيس السوداني عمر حسن البشير، في ظل موقف عربي ضعيف يغري الآخرين بتوسيع نطاق الهجمة على الأمة واستفراد مواقعها الواحد بعد الآخر، وفي ظل دعوة من الجامعة العربية لاجتماع عاجل ولكن بعد أسبوع تقريبا من توجيه الاتهام، وهو الأمر الذي لا يعطي الانطباع عن كيفية التعاطي العربي مع الأمور المستعجلة فحسب، بل يشير أيضا إلى أن الموقف سيكون هزليا متراخيا كما جرت العادة".
ودعا الشعوب العربية والإسلامية إلى "أن تقول كلمتها بصوت عال في مواجهة هذا الاستفزاز وهذا التطاول، اللذين يراد من خلالهما تمزيق بلادنا أكثر مما هي ممزقة، وتفتيتها أكثر مما هي مفتتة، وإثارة الفوضى فيها لتسهيل اختراقها أمنيا واستخباريا واقتصاديا وسياسيا، وخصوصا السودان الذي عملت أمريكا على إثارة الاهتزاز فيه بما يمهد للسيطرة على ثرواته، وينشر حال الفوضى واللاستقرار من حوله".
وتساءل "أين هي محكمة الجنايات الدولية أمام الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني قتلا وتجويعا وحصارا، وأين دورها حيال جرائم الرئيس الأميركي وقواته المحتلة في العراق وأفغانستان، أو أن عنوان العدل لا يمكن تحريكه إلا في مواجهة العرب والمسلمين، لتكون المحاكم الدولية غطاء لمشاريع أميركية وغربية وحتى إسرائيلية؟".
اضاف:" وفي مسألة أخرى، نتوقف عند المؤتمر الذي عقد في باريس تحت عنوان "الإتحاد من أجل المتوسط"، والذي حاول في بيانه أن يؤكد شرعية الكيان الصهيوني باعتبار "إسرائيل" دولة ـ أمة ليوحي بوجود شعب يهودي يقيم في أرضه، مع أن العالم كله يعرف كيف جاءت العصابات الصهيونية مدعومة من الغرب لتطرد الشعب الفلسطيني من أرضه، وتقيم كيانا جمعت فيه يهود العالم الذين يواصلون مجازرهم ضد الفلسطينيين ويتوالى زحفهم الاستيطاني، ولا يصدر من الغرب أو دول الإتحاد الأوروبي إلا كلمات خجولة توحي بالموافقة الضمنية على هذا الاقتطاع التدريجي لأراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية أكثر مما توحي بالرفض والاستنكار. اننا نسجل على هذا المؤتمر تجاهله للحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني وتجاوزه حتى للقرارات الدولية القاضية بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، مع علمنا بأن صورة الوضع العربي تغري القائمين على مؤتمرات كهذه، بالإمعان في تجاهل القضايا والحقوق العربية، وخصوصا في ظل سعي هذه الدولة العربية أو تلك لقطع الطريق على دولة عربية أخرى ومنعها من تجاوز حدود الحصار الدولي لها".
وختم مؤكداً: "إننا نريد للحكومة الجديدة التي اتفق السياسيون عليها أن لا يرى أعضاؤها مواقعهم شرفا يتميزون به، بل مسؤولية يتحملونها... وإذا كانوا يتحدثون عن حكومة وحدة وطنية، فإن عليهم أن يلتزموا الوحدة الوطنية اللبنانية بحيث تسقط كل الطموحات الذاتية والطائفية أمام الطموح الكبير لبناء وطن جديد حر مستقل يلتقي مواطنوه على ما يرفع مستوى وطنهم اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، من أجل أن يأخذ موقعه الحضاري المميز في عنفوانه السياسي، وفي مقاومته الشجاعة، وفي إنسانية إنسانه الذي هو أكبر من الزاحفين على بطونهم طلبا لمال هنا أو وزارة ونيابة هناك".