كلام آية الله فضل الله جاء تعليقا على التهديدات والتطورات الأخيرة التي تتعرض لها المنطقة العربية والإسلامية، وقال: "إن المتتبع للحركة السياسة الأميركية في المنطقة يدرك أن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، وعلى الرغم من المشاكل التي تعترضها في المنطقة، بدأت في الآونة الأخيرة تلعب لعبة المناورة على غير صعيد، فتدخل على خطوط بعض الأزمات في المنطقة وتمارس ضغوطا جديدة علها تستطيع من خلالها تحقيق تسويات موضعية لحسابها، أو أن تستفيد من الجو الإعلامي الذي يرافق رفض دول الممانعة لهذه المناورات كي تمهد السبيل لمغامرة جديدة في المنطقة كلها.
وقد يكون من المفيد أن تسمع إدارة المحافظين الجدد نصائح أميركية داخلية أو مواقف اعتراضية تدعوها إلى الإقلاع عن سياسة زج العالم في حروب جديدة، ولكن يبدو أن الحزب الديمقراطي في أميركا يخضع بدوره لما تقرره أو ترسمه لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، وأن التباري مستمر في أمريكا حول من يثبت إخلاصه أكثر لإسرائيل، وهو الأمر الذي برز حتى على مستوى المواقف الأوروبية الأخيرة، حيث بدأنا نشهد انخفاضا في نبرة المواقف الأوروبية المحذرة لإدارة الرئيس بوش من الدخول في مغامرة حقيقية مع إيران، على العكس من الموقف الأوروبي العام الذي سبق غزو أميركا للعراق، الأمر الذي يشير إلى أن دول الاتحاد الأوروبي ليست في وارد الدخول في لعبة التهويل والضغط على إيران فحسب، بل بدأت تسلك خطا سياسيا موازيا للخط الأمريكي مع خضوع تام لما تقرره إدارة المحافظين الجدد حيال أزمات المنطقة من العراق إلى أفغانستان إلى فلسطين وربما إلى لبنان".
وأشار الى "أن هذه المسألة توحي بالخطورة من جانبين: أولا من حيث تعامي الدول الأوروبية عن الخطر الذي سيلحق بها وباقتصاداتها في حال شنت أميركا ومعها إسرائيل حربا على إيران. وثانيا لأن هذه الدول بدأت تحدث نفسها بأحلام أطلسية جديدة في المنطقة متوهمة بأن ما ترسمه أميركا يمكن لهراوة الحلف الأطلسي أن تنفذه في المنطقة العربية والإسلامية على وجه الخصوص".
وقال: "إننا في الوقت الذي نحذر من أن تتحول هذه الدول إلى أداة أطلسية تحركها الإدارة الأمريكية بما يخدم مصلحتها ومصلحة إسرائيل، ندعو هذه الدول إلى الهمس في أذن المحافظين الجدد، وعلى رأسهم نائب الرئيس الأميركي، بألا يتوهموا بأن خريطة المنطقة يمكن أن يعاد تشكيلها رأسا على عقب من خلال مغامرة يمكن أن تقوم بها الإدارة الأميركية في الأسابيع أو الأشهر الأخيرة التي تسبق نهاية عهدها وولايتها، بل إن المهمة الأساسية التي ينبغي على هذه الدول أن تقوم بها تتركز حول البحث عميقا في الأسباب التي جعلت العالم يشتعل اقتصاديا بعدما اشتعل أمنيا بفعل حروب المحافظين الجدد الذين لا يزالون يتوهمون أن ثمة هدية يمكن أن يقدموها لإسرائيل قبل رحيلهم من البيت الأبيض".
أضاف: "إننا نلمح في الأفق محاولة أميركية للضغط في أكثر من موقع لإعادة خلط الأوراق وإدخال المنطقة في تجاذب سياسي وأمني بدءا من العراق، الذي لا تزال تفكر إدارة الرئيس بوش باستخدامه كورقة ضغط ضد جيرانه من خلال السعي لتكبيله بمعاهدة أمنية تجعله قاعدة أميركية وأطلسية مستمرة، إلى أفغانستان التي جلبت إليها قوات أطلسية جديدة فرنسية وألمانية على وجه الخصوص، وصولا إلى فلسطين التي يراد لها أن تسقط تماما في القبضة الإسرائيلية. وعلى اللبنانيين أن يفكروا مليا في الأسباب التي دفعت أميركا ـ بوش لإعادة تحريك ملف مزارع شبعا وفي هذا الوقت بالذات، وفي ظل حديث إسرائيلي عن ضرورة توسيع نطاق التفويض المعطى لقوات "اليونيفيل" كي تمارس دورا مناقضا لمهمتها ومواجها للمقاومة".
وأكد آية الله فضل الله "أن ذلك كله يشير إلى أن أميركا ـ الإدارة لا تعمل على تهدئة المناخات المحيطة بهذا الملف أو ذاك، لأنها لو كانت تسعى لذلك لتحركت لإيجاد صيغة تتجاوز وقف العمليات العسكرية إلى وقف إطلاق النار، ولكانت طلبت من ربيبتها إسرائيل إيقاف اعتداءاتها وخروقاتها البحرية والبرية وانتهاكاتها الجوية في لبنان، ولكن المسألة هي أن يصار إلى إطلاق نار سياسي كثيف على المقاومة يترافق مع إدخالها في لوائح الإرهاب كما فعلت بريطانيا أخيرا، ومع إيحاءات بالتسوية المشروطة المترافقة مع حرب نفسية تقودها أميركا ومعظم الإدارات الغربية إلى جانب كيان العدو، وهو الأمر الذي ينبغي العمل لمواجهته إعلاميا وسياسيا إلى جانب الإعداد الميداني الذي يشترك فيه الجميع لمنع إسرائيل من القيام بعدوان جديد على لبنان، كما تستعد شعوب المنطقة لمنع أميركا من أن تخرج رابحة في أي مغامرة قد تفكر بالقيام بها في هذا الموقع العربي أو ذاك الموقع الإسلامي".