شلل تام في التبانة والقبة وجبل محسن وهدنة هشة مع إنتشارٍ خجول للجيش اللبناني
جريدة السفير - 11/07/2008
دخلت مناطق التبانة والقبة وجبل محسن مرحلة جديدة من المعاناة والبطالة والمشاكل الاجتماعية والانهيار الاقتصادي التام، والناتجة عن المواجهات المسلحة التي تتجدّد في كل مرة لتحصد المزيد من الأضرار في المنازل والمحلات والمؤسسات، ولتفرض حركة نزوح بشرية وتجارية ناشطة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، خصوصاً أن المواجهات الأخيرة حصدت كثيراً من الممتلكات لا سيما على الصعيد التجاري وأدت إلى خسائر بالجملة لم يعد أحد قادراً على تحمل أعبائها وتبعاتها.
في ظل ما يجري، لم يعد أمام أهالي باب التبانة والقبة وجبل محسن، سوى الاستعداد الدائم للهروب من منازلهم إلى أماكن أكثر أمناً لدى الأقارب والأصدقاء إن وجدوا، أو إلى الطوابق السفلى، أو إلى الملاجئ المظلمة والممتلئة بالمياه الآسنة، ليعودوا في كل مرة عند وقف إطلاق النار وانتشار الجيش اللبناني والقوى الأمنية، ليحصوا مزيداً من الأضرار في ممتلكاتهم ومنازلهم المتهالكة جراء حروب عبثية قديمة، تتجدد اليوم من دون أي إستراتيجية أو هدف معين، باستثناء مضاعفة الأزمات والمشاكل الاجتماعية وحالات الفقر والتشرد.
بالأمس عاد الهدوء إلى مناطق التوتر بعد إعادة الانتشار المتجدد من قبل الجيش اللبناني، لكن هذا الهدوء لم يعد إلى نفوس المواطنين الذين لدغوا من الجحر أكثر من مرة، ولم يعد بالإمكان طمأنتهم إلى القادم من الأيام، طالما أن قرار وقف إطلاق النار غير مبني على أسس ثابتة أو توافق على مبادئ معينة، ويبقى معرضاً للانهيار في أي لحظة، خصوصاً في ظل النفوس المشحونة، والحقد القائم بين طرفي النزاع والذي تساهم الاشتباكات المتكررة وسقوط القتلى والجرحى واستهداف الممتلكات في تأجيجه وتناميه، ما يهدد فعلياً بأن يصبح التعايش بين هاتين المنطقتين أشبه بالمهمة المستحيلة، إذا لم تبذل جهود مضنية لتنفيس الاحتقان وتقريب وجهات النظر والتعاون لإحداث تنمية مستدامة ترفع صفة الحرمان عن تلك المناطق وأهلها.
من جديد عادت مشاهد الحرب التي لم تغب أصلاً، لترخي بثقلها على التبانة والقبة وجبل محسن.. شلل تام يفرضه إقفال كل المحلات والمؤسسات التجارية والاقتصادية بدءاً من سوق الخضار الذي تعف منه الروائح الكريهة الناتجة عن الخضار والفواكه المتعفنة، مروراً بسوق القمح المختوم بالشمع الأحمر نظراً لحساسية موقعه الجغرافي بين خطوط التماس، مروراً بشارع سوريا الذي لم تخمد فيه بعض الحرائق التي أشعلتها الاشتباكات الماضية لا سيما في محطة وهبة، ليتداخل دخانها مع دخان جديد ناتج عن حريق محلات الشهال للعطارة، والزعبي للكهرباء، وإستديو الكواكب، وجمعية يدا بيد، فضلا عن منازل عديدة في بعل الدراويش والملولة، وصعودا إلى جبل محسن التحتاني، لجهة شارع الجديد، وشارع المهاجرين، وكذلك في القبة لجهة البقار والشعراني وساحة الأمريكان التي لم يكفها ما طالها من اعتداءات على الممتلكات في المرة الماضية لجهة السرقة والإحراق، حتى غطت سماؤها سحابة من الدخان الأسود الناتجة عن مزيد من الحرائق التي اندلعت بفعل القذائف الصاروخية التي أصابت بعض المنازل بشكل مباشر.
ويمكن القول إن تداعيات المواجهات المستمرة في تلك المناطق المستجدة منها والسابقة كفيلة بإعلانها مناطق منكوبة، ما يستدعي تحرك كل أجهزة الدولة ووزاراتها ومصالحها ودوائرها باتجاهها بالتعاون مع الصناديق والجهات الدولية لإزالة هذه الصفة عنها، ولمسح هذه الذاكرة السوداء من أذهان أهلها الذين يجدون في الهدوء المستجد مجرد هدنة هشة قد تنهار مع أي خرق أمني جديد.
ويشير الأهالي إلى أن عديد الجيش الذي انتشر لا يبشر بالخير، مؤكدين أن المطلوب من الجيش استعادة هيبته وفرض الأمن بالقوة وليس بالتراضي، والعمل على ملاحقة المخلين وتوقيفهم، معتبرين أن الليالي والأيام المقبلة كفيلة بتحديد مصير هذه الهدنة.
ويقول إمام مسجد حربا الشيخ مازن المحمد لـ"السفير": ما سمعناه خلال الاجتماع عند المفتي مالك الشعار من ممثلي قيادة الجيش، لم يترجم بحرفيته على الأرض، فانتشار الجيش في التبانة لا يشير إلى انه يأت بعد معركة ضارية، خصوصاً أنه في المرة السابقة دخل بكثافة إلى مناطقنا، وقام بعدها بتخفيض عديده، أما اليوم فكان الانتشار خجولاً، ولم يدخل الجيش بالزخم الذي دخل في المرة الماضية، وهذا من شأنه أن يسمح لكثير من المستفيدين من أصحاب الطوابير افتعال الكثير من المشاكل والخروقات الأمنية التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
من جهته يشير النائب السابق أحمد حبوس إلى انه على أهالي التبانة والقبة الانتباه والإدراك والوعي لكل من يحاول التشويش على العلاقات الاجتماعية والأخوية والإنسانية القائمة، وعدم الانجرار وراء الاتهامات غير المبررة التي تطلقها بعض وسائل الإعلام، مؤكدا أن أهالي جبل محسن يريدون العيش بسلام إلى جانب إخوانهم في تلك المناطق والتعاون بما يحقق مصالحهم وإنماء مناطقهم.
ويقول حبوس: نحن نعتبر أن الجيش هو الضمانة الوحيدة لحماية المواطن والوطن، ولقد أكدنا، ونقلنا تأكيد نائب أمين عام الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد التزامنا الكامل بقرارات مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، لأننا نريد العيش بسلام إلى جانب إخواننا وشركائنا في الوطن، من دون أية مشاكل أو تقاتل، فيكفينا ما عانيناه وما نعانيه جراء ما يجري، ونأمل أن تكون هذه الهدنة مدخلاً إلى تحقيق الوفاق والمصالحة، وألا تكون مجرد هدنة مؤقتة.
ويؤكد الناطق باسم الحزب العربي الديمقراطي المختار عبد اللطيف صالح أن قيادة الحزب ملتزمة إلى أبعد الحدود بالتهدئة، مشيراً إلى أن الجيش دخل إلى كل مناطق جبل محسن... لكنه في الوقت نفسه يبدي تخوفه مما أسماه الهدنة الهشة، خصوصاً أن المتاريس والدشم بقيت على حالها، والنفوس ما تزال مشحونة، وعديد الجيش لا يكفي للقيام بالدور المطلوب منه، مشدداً على ضرورة أن يقوم الجيش بحماية المواطنين في جبل محسن وفي التبانة، وأن يعمل على منع الخروقات.
ويدعو المختار صالح أهالي التبانة إلى عدم الانجرار وراء الفتنة، مؤكداً أن ثمة مستفيدين كثراً من إبقاء هذا الجرح مفتوحاً بين أبناء المنطقة الواحدة، مؤكداً أنه آن الأوان لنعيش بأمن وسلام.