اضاف: "وضمن هذا السياق بدأ العدو بناء أربعين ألف وحدة استيطانية في القدس المحتلة ومصادرة المزيد من أراضي الفلسطينيين وشراء بعض أملاك الكنيسة ومتابعة الحفر تحت المسجد الأقصى بما يهدد بنيانه وأساساته، في ظل تغطية أميركية لخصها موقف وزيرة الخارجية الأميركية القائل بأن استمرار الاستيطان لا يعطل عملية التفاوض، لأن المطلوب من الفلسطينيين ـ أميركيا ـ أن يتفاوضوا مع الصهاينة على سراب وليس على وطن".
وتابع: "وهكذا يستكمل العدو إستراتيجيته في مصادرة الأراضي واللعب على الوقت الضائع معتمدا على دعم أميركا المطلق بحزبيها الديموقراطي والجمهوري اللذين يخضعان للشركات الاحتكارية وللناخب اليهودي، حتى أن المرشحين للرئاسة يتسابقون إلى تقديم أوراق اعتمادهم لإسرائيل بما لا يبقى أي شيء لفلسطين في الحسابات السياسية الواقعية، من دون أن يحسب للعرب حساب في الموازين السياسية الراهنة.. وأما الجامعة العربية فلا يملك أمينها العام إلا الحديث بأسلوب احتجاجي على سياسة الاستيطان التي تبقى هي الأمر الواقع وسط كل هذا السراب العربي وفي ظل ركام الأوهام التي تثير الحديث عن الشرعية الدولية من دون طائل".
اضاف: "من جانب آخر فان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أصدروا بيانا حول استعداد الاتحاد لإقامة شراكة مع إسرائيل من دون تحديد مهلة زمنية لذلك خشية إثارة غضب بعض الدول العربية، ولكن لم تفرض على إسرائيل أية شروط يجب أن تلتزم بها. وقد نجد في هذه العلاقة الجديدة أنها تقترب من علاقة أميركا بالدولة اليهودية، بينما لم يصدر من هذا الاتحاد أي بيان لإقامة شراكة وثيقة مع أية دولة عربية، في الوقت الذي يعرف الجميع أن مصالحه ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه الدول، لأنهم اعتادوا على استضعاف العرب والخضوع لإسرائيل. ولذلك رأينا أنهم أهملوا مسألة خارطة الطريق وحصار غزة ومجازر إسرائيل واحتلالها لفلسطين، لأن الإدارات الأوروبية السياسية لا تحترم الإنسان العربي بل الإنسان اليهودي. وفي السياق نفسه، لم نسمع من أي دولة أوروبية اعتراضا على السلاح النووي الإسرائيلي الذي يهدد المنطقة بكاملها ولكنهم يتابعون الهجوم على إيران في مشروعها النووي السلمي الذي لا يملكون دليلا على تحوله إلى مشروع عسكري لأنهم يتابعون الضغط من ناحية سياسية لا من ناحية الواقع الذي يتحرك به المشروع".
واوضح أن "أميركا والدول الأوروبية لا تلتزم المعايير الأخلاقية في القيم الإنسانية بل تلتزم بمصالحها المادية الإستراتيجية. وقد لفت نظرنا تصريح البابا لبوش بأنه يشكره لدعمهم الالتزام بالقيم الأخلاقية، وهو الذي ملأ الدنيا حربا والعالم قتلا والثروات نهبا، ولم يمر على أميركا رئيس مماثل في إسقاطه كل القيم الإنسانية، فكيف يفسر بابا روما كلامه؟ هذا ما لا نفهمه".
وتطرق آية الله فضل الله الى الوضع في لبنان، وقال:" اما لبنان فإن الجميع مشغولون بتأليف الحكومة في حقائبها السيادية والخدماتية كما لو كانت المسألة أن كل وزير يملك إدارة الوزارة لمصالحه بعيدا عن مجلس الوزراء والنواب والجمهورية، ويستغرق الشعب في كلمات السياسيين من دون أن يكون له صوت قوي أمام ما يصيبه من أزمات في الماء والكهرباء والهاتف وغير ذلك مما يراد إدخاله في بازار التجاذبات السياسية للمسؤولين عن كل شيء إلا عن الشعب".
اضاف: "ويتساءل البعض: هل أن الذين تحدثوا عن اتفاق اللبنانيين بما يشبه العقدة، عندما صار الحديث عن اتفاق الدوحة أنه هدنة أو ما أشبه ذلك، ويحاولون التحضير للانتخابات النيابية المقبلة لتعبئة أكبر قدر ممكن من الحالات الغرائزية المختلفة التي تنادي بالدفاع عن الطائفة أو المذهب أو الحزب أو الزعيم.. هل أن هؤلاء يقفون وراء عملية الإثارة للأوضاع السلبية الأمنية الخطيرة، وخصوصا أن الكثيرين باتوا لا يدققون في المعطيات والإشاعات، بل يطلقون الأحكام بشكل انفعالي ليزيدوا النار اشتعالا في هذا الموقع أو ذاك؟".
وختم:" وعلى كل حال، فإنه لا بد لكل القوى السياسية والأمنية والدينية أن تتحمل مسؤولياتها تجاه الاختراقات الأمنية التي تتحول إلى خطر على الناس الفقراء من خلال طموحات سياسية أو ذهنيات تكفيرية أو عصبيات الغائية، وذلك قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع. مع الإشارة إلى أن هذه الاختراقات تصيب أكثر ما تصيب ـ في تداعياتها ـ الفقراء والمستضعفين في الوقت الذي يستثمرها أصحاب العصبيات والزعامات لحسابهم في معارك سياسية أو انتخابية أو عصبية لا يجني منها الناس سوى مزيد من الفقر والضعف، مما يدل على مستوى السذاجة السياسية التي أصبحت ميزة إضافية من ميزات هذا الشعب في هذا البلد العجيب الغريب".