وقال:"اما واشنطن التي تستقبل أولمرت في هذه الأيام، فهي لا تستخدم إلا كلمات الخداع تحت عنوان التحذير من بناء مستوطنات جديدة، في الوقت الذي تدعم كل هذا الزحف الاستيطاني على أنقاض الفلسطينيين والعرب، ويتسابق مرشحو رئاستها إلى إعلان الولاء المطلق لإسرائيل". واوضح "ان السؤال الكبير هو للأمم المتحدة التي يكتفي أمينها العام بالحديث عن مخالفة هذه المستوطنات للقانون الدولي من دون أن يرفع تقريرا لمجلس الأمن ليطالبه بإدانة إسرائيل، لأن أميركا المسيطرة على المجلس والمنظمة الدولية بشكل عام لا تسمح له بذلك".
اضاف:"وهكذا يتابع الزعماء العرب كل ذلك، ويشهدون توالي المجازر والاعتداءات الإسرائيلية والحصار التجويعي للفلسطينيين في غزة، من دون أن يثير ذلك اهتمامهم، وكأن فلسطين باتت حالة قديمة لا علاقة لها بواقعهم وحاضرهم ومستقبلهم، أو أنها تحولت إلى كابوس يؤرق الأحلام الاستسلامية التي يسرح فيها الكثيرون".
واشار الى "ان حالة الانهزام العربي أمام العدو هي جزء من رزمة السياط التي يراد للشعب الفلسطيني أن يجلد بها، وإن هذا التمكين الميداني لكيان العدو عبر الدعم الأميركي والصمت العربي هو جزء من الخطة المرسومة لإنهاء ما يسمى بمشروع الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، فضلا عن مسألة حق العودة وقرارات الأمم المتحدة وما يسمى بخارطة الطريق، لينتظر العرب رئيسا أميركيا جديدا يحدثهم عن حلم دولة فلسطينية قد تبصر النور في أواخر عهده. وهكذا قصة العرب الذين أدمنوا إدخال أيديهم في الجحور الأميركية ـ الإسرائيلية، وفي كل مرة يلدغون، حتى لم يعد ثمة إحساس بالألم، على طريقة قول المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام"
اضاف:"أما الجامعة العربية فقد أصبحت في واقع يثير الشفقة والسخط في آن، وهي التي لم تستطع أن تحل المشاكل العربية التي أصبحت من أشد الأمور تأثيرا على الواقع السياسي العربي، حتى تحولت الخلافات بين الدول العربية إلى ما يشبه العداوة، حتى أن إعلام كل دولة يتحدث عن الدولة الأخرى بأكثر مما يتحدث به عن الكيانات والدول التي تتحدى العالم، كإسرائيل وأميركا، الأمر الذي يجعل الجامعة العربية وجودا لا يحقق النتائج الكبرى للعالم العربي. ومن المؤسف المفجع أن هذه الخطوط المعقدة تتحرك استجابة للعلاقة السلبية بين أميركا وهذه الدولة العربية أو تلك، وربما امتدت المسألة إلى حركات المقاومة التي تعمل على تحرير الأرض والإنسان، فوقفت منها بعض الدول العربية موقف المواجهة، لأن أميركا الملتزمة بأمن إسرائيل المطلق تقف نفس الموقف، وقد تمتد القضية إلى المقاومة العراقية ضد الاحتلال التي يرفضها بعض العرب لأنهم لا يرون لها شرعية أمام الاحتلال الأميركي".
وتابع:" وإننا إذ نطل على واقعنا، نجد أن إحدى مشاكلنا الأساسية تكمن في حالة الإدمان على السلطة، التي تحولت معها مواقع الرئاسة ـ بفعل الديموقراطية الشكلية ـ إلى مواقع للملك العضود الذي لا يعرف تداولا عبر الإدارة الشعبية، بل تتحرك في فلك التوريث بشكل وبآخر، وأحيطت هذه المواقع بهالة من القداسة المصطنعة التي لم يسمح معها لأي جهة شعبية بانتقادها أو بمعارضتها أو بتسجيل بعض النقاط السلبية على سياستها.. والأنكى من ذلك أن كثيرا من هذه المواقع عملت على تصغير الأوطان التي تشرف عليها، لتكون بحجم الأشخاص والعائلة، وأصبح معها عنوان الوطن عنوان الشخص وعنوان العائلة، بدلا من أن يعملوا على تكبير مسؤولياتهم بحجم أوطانهم. وهذا المنهج هو الذي أدى إلى سيطرة الدول الكبرى على مقدرات شعوبنا وأوطاننا، ولا سيما في المسألة الاقتصادية، لأنها باتت ترتبط بمصالح الأشخاص لا بمصالح الشعوب".
وتحدث العلامة فضل الله عن لبنان وقال:"اما في لبنان، فلا يزال الجدل السياسي الدائر في توزيع الحصص الوزارية على الطوائف والزعامات والطائفية والشخصيات الطامحة إلى الاستفادة من الوزارات في الانتخابات المقبلة، مما يوحي بأن تشكيل الحكومات اللبنانية لا ينطلق من دراسة الكفاءات والخبرات، بل ينطلق من الاعتبارات الطائفية والمذهبية التي تكبر حجم الأشخاص عند طوائفهم أو مذهبياتهم، في ما يحصلون عليه من أعداد وأصوات في الانتخابات، بعيدا عما هي مصلحة الوطن في اقتصاده وسياسته وأمنه وثقافته، ولا سيما في كارثة المديونية التي تأكل كل اقتصاد البلد وإنتاجه".
اضاف:"إن المشكلة في لبنان هي أن السياسيين يحاولون تصغير حجمه بتقديره بحجم الأشخاص، ولا يحاولون تكبير موقعه بإنتاج العناصر التي تعيده إلى موقعه الكبير عندما كان يتحرك لحل المشكلة العربية وخدمة الثقافة الإبداعية. وربما كان من المصيبة أن كل زعيم من هؤلاء يختصر طائفته في شخصه، فالطائفية تمثل امتيازا لزعماء الطوائف، ولا تمثل خدمة لشعب هذه الطائفة أو تلك، ولذلك تكبر ثروات هؤلاء على حساب طوائفهم، بينما يزداد الشعب الفقير المحروم فقرا وحرمانا وهتافا وتصفيقا لمن كانوا سر المشكلة، ولم يكن ـ في يوم ـ سر الحل. لتبقى الطائفية مشكلة الإنسان في هذا الوطن الصغير".
وتابع:" وفي جانب آخر، التقينا قبل أيام بمؤتمر دولي ضم أكثر من مائة دولة، تداعت لتحريم استخدام القنابل العنقودية، ولكن أميركا تحفظت مع حليفتها اليهودية، في تحريم هذه القنابل، لتبعث برسالة إلى العالم كله، مفادها أنها مع الكيان الغاصب لا تعيران أي اهتمام للإنسان، فكيف إذا كان عربيا ومسلما. وبالمناسبة، فإننا نريد للشعب اللبناني كله الذي لا يزال يكتوي بنار هذه القنابل العنقودية الأميركية الصنع، أن يفهم ما معنى أميركا في إدارتها الحاقدة، التي دعمت ولا تزال كيان العدو ليقتل ويدمر أثناء حرب تموز وقبلها، وهي التي تتحدث كذبا وزورا ـ في هذه الأيام ـ عن السعي لدعم الجيش اللبناني، لأنها لا تقبل أن يتحرك أي سلاح في مواجهة العدوان الإسرائيلي، كما أنها عادت لتعبث بالوضع السياسي الداخلي، في محاولة جديدة للدخول على خط تأليف الحكومة وتوزير من تريد توزيره، وكأن البلد مقاطعة من مقاطعاتها، أو قطعة أرض تابعة لإحدى سفاراتها".
اضاف:" التقينا قبل أيام بالذكرى السنوية التاسعة عشرة لرحيل الإمام الخميني الذي أراد لحركته ونهضته التي انطلقت قيمها الرسالية الإسلامية من إيران، لتلتقي بالروافد الإسلامية من هنا وهناك، وأن تكون الحضن الدافئ للمستضعفين وكل طلاب الحرية في العالم.
وختم:" لقد أعاد الإمام الخميني في ثورته الإسلام إلى حركة الواقع، وإلى مواقع الدولة، وأنزل الشعارات القرآنية والإسلامية إلى مفردات السياسة، فالصراع هو بين المستكبرين والمستضعفين، وبين الشياطين الصغار والكبار وبين حركة الإيمان والتوحيد في الإنسان، وأن الأمة مهما تنوعت مذاهبها هي أمة واحدة، في أهدافها وخطوطها وقيمها الرسالية، وأن اغتصاب الأرض واحتلال البلدان لا يمكن أن يشرع بتقادم الزمن، ولذلك، فإن رسالة الذكرى هي في الوقوف إلى جانب المستضعفين ضد المستكبرين في أي مكان، وإلى جانب الفلسطينيين والعراقيين والأفغانيين ضد الاحتلال، ومع قضية تحرير الأمة من واقع القهر والفساد والانحراف والهيمنة والاحتلال".