انني اسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لفخامتكم في قيادة سفينة البلاد الى بر الامان وفي ترسيخ السلم الاهلي وتعزيز أواصر العيش المشترك وتقوية عناصر الوحدة الوطنية وجعل لبنان أنموذجا لحوار الحضارات وللقرية الكونية التي يتعايش الجميع تحت سمائها.
وبداية أود ان أسجل للتاريخ ان جلسة الانتخابات الرئاسية اليوم تشكل تتويجا لوفاقنا الوطني الذي تحقق نتيجة لقناعة ولرغبة ولمصلحة ولضرورة لبنانية وعربية مشتركة بأن الوفاق هو طريق خلاص لبنان، ونتيجة اساسية لجهد عربي واقليمي مخلص مثلت محوره دولة قطر واميرها صاحب سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزرائه الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني من اجل اخراج لبنان من محنته واستعادته لعافيته.
انه لشرف عظيم ان يصادف جلسة الانتخاب الرئاسية اليوم في الخامس والعشرين من ايار، يصادف الذكرى الثامنة لعيد التحرير وانتصار مقاومة شعبنا البطلة واندحار الجيش الاسرائيلي عن معظم ارضنا باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وفي الذكرى السنوية الاولى لمعركة نهر البارد وانتصار جيشنا الباسل على الارهاب والجريمة المنظمة لنجعل هذا اليوم كذلك عيدا للانتصار على الخوف والفتنة والهواجس والفوضى وعيدا للوحدة الوطنية.
فخامة الرئيس،
من اجل التاريخ لا بد ان اسجل للمجلس النيابي عظيم التضحيات من اجل لبنان واستقلاله، ومن اجل حفظ وحدته وسيادته وحريته ونظامه البرلماني الديموقراطي، وهو الامر الذي مكننا ولو بتجاوز المهلة الدستورية من كسب الوقت حتى هذه اللحظة لانتخابكم رئيسا للجمهورية.
وأود بالمناسبة ان اسجل لمرة واحدة وقد تحملنا الكثير، ان المجلس لم يكن مخطوفا ولم يكن مغلق الابواب، وكان اختيارنا دائما احترام الدستور والنظام.
فخامة الرئيس،
لقد دفع مجلس النواب السابق والحالي الشهداء من أغلى القادة البرلمانيين، الذين هم رواد بناء واصلاح وحرية ووحدة وسيادة واستقلال، ليصل بالبلاد الى مرحلة الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات.
ولم يكن مجلس النواب وحده يسلك طريق الجلجلة الى خلاص الوطن، حيث دفع قادة سياسيون وقادة رأي وضباط لامعون وقادة مجاهدون لبنانيون أرواحهم في مسلسل اغتيالات استهدف النظام الامني والسياسي في لبنان، كما سقط على نفس الطريق مواطنون ابرياء استهدفهم مسلسل تفجيرات مجرم تنقل في عدد من المناطق. وعلى طريق الخلاص دفع مقاومون مجاهدون وجنود بواسل ارواحهم وهم يتصدون للعدوانية الاسرائيلية كما للارهاب، من الجنوب الى الشمال.
ففي الجنوب، سطر المقاومون أروع أساطير البطولة، وأثبتوا مجددا عجز القوة الاسرائيلية عن تحقيق اهدافها في تشويه لبنان وجعله هامشا ورصيفا لمشاريع التوطين، عبر شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وفي الشمال سطر ابناؤنا الخلص من ضباط وجنود الجيش اللبناني البواسل أروع البطولات بمواجهة الارهاب والجريمة المنظمة في مخيم نهر البارد، وحاولت جعله قاعدة ارتكاز للارهاب في لبنان.
واليوم وقد عادت تهديدات الرسائل الصوتية بجعل لبنان ساحة للارهاب عبر تهديد امننا الوطني وكذلك قوات "اليونيفيل" واستهداف جيشنا الباسل نقول: ان وحدتنا كما جيشنا هما أساس منعتنا، وان احدا في الدنيا لن يمكنه جعل لبنان ساحة للموت لان لبنان لن يكون الا حديقة للحياة الكثيرة والمزدهرة.
فخامة الرئيس،
يستطيع المجلس النيابي أن يفاخر أنه في الأزمات تحول الى رمز للحوار، حيث تشرفت بالدعوة الى انعقاد الحوار الوطني في آذار 2006 الذي أنجز ستين بالمئة من العناوين التي طرحت عليه وضمنها عناوين شائكة كانت مصدر قلق بينها المحكمة الدولية، والعلاقة مع الشقيقة سورية، وتنظيم الوجود الفلسطيني.
وقد بقي على جدول أعمال مؤتمر الحوار أمران انجزنا واحدا منهما اليوم وهو الاستحقاق الرئاسي وبقي موضوع "الاستراتيجية الدفاعية" الذي لن يجد أجدر من فخامتكم لادارة حوار حوله وصولا الى حفظ سيادة لبنان واستقلاله ضد العدوانية والاطماع الاسرائيلية.
فخامة الرئيس،
في هذا المجلس انعقدت ايضا لقاءات التشاور الوطني، التي عجزت عن صياغة تفاهمات حول حكومة وحدة وطنية وقانون للانتخابات، وهما الأمران اللذان أدى تعليقهما الى الأزمة السياسية التي عصفت بلبنان طيلة عام ونصف.
واننا انطلاقا من هذا المجلس وضعنا خارطة طريق لبلوغ الاستحقاق الرئاسي، والتي تضمنتها مبادرتنا الحوارية وصولا الى المبادرة العربية ومهمة اللجنة العربية والتي رتبت الأولويات الوطنية وفق إعلان الدوحة.
إنني في هذا اليوم الوطني بامتياز وباسم المجلس النيابي اللبناني، نتوجه بالشكر الى كل من أسهم معنا في سلوك خارطة طريق الحوار الى التوافق ولبى دعوتنا وشرفنا بحضوره اليوم وانجاز هذا الاستحقاق الذي يؤسس لاستعادة مؤسساتنا الشرعية لحضورها ولدورها، وأخص بالذكر مجددا دولة قطر وجميع الملوك والرؤساء والأمراء العرب واللجنة العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية معالي الأخ عمرو موسى. كما أخص بالذكر حاضرة الفاتيكان والجمهورية الاسلامية الايرانية بشخص وزير خارجيتها وتركيا بشخص رئيس الوزراء الصديق ووزير خارجيتها والاتحاد والبرلمان الاوروبي والسيد خافيير سولانا ووزراء خارجية فرنسا وايطاليا واسبانيا في محاولة بلورة مشاريع للحلول. كما أشكر روسيا على دعمها الملموس والولايات المتحدة الاميركية في كل حال وعلى أي حال، نظرا لأنها اقتنعت بأن لبنان ليس المكان المناسب لمخاض مشروعها للشرق الأوسط الكبير، الذي لن يجد له برأينا مكانا مناسبا لآلام الولادة وللولادة في الشرق الأوسط.
كما لا يفوتني توجيه الشكر الى رئاسة الاتحاد البرلماني الدولي والبرلمان الاوروبي ورئاسة الاتحادات البرلمانية الاسلامية والعربية والآسيوية والفرنكوفونية والاورو- متوسطية.
وعلى المستوى الوطني فإني أتوجه بالشكر الى اللبنانيين على صبرهم وتضحياتهم، وكذلك بالشكر الى المرجعيات الروحية اللبنانية ومؤسسات الرأي الاعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية.
فخامة الرئيس،
لقد أطلت قليلا، ولكن بعض أبسط حقوقي وأنا الذي تألم وعاش القلق والضغوط، ووقعت عليه هموم المبادرات من منطلق مسؤوليتي الوطنية كرئيس لمجلس النواب اللبناني، وتلقيت حراب الكلام والتهويل من كل اتجاه، ان أصرخ في هذه اللحظة في برية العالم طالبا السلام لبلدي، متوجها لأهلي العرب عبر ممثليهم هنا وفي كل مكان بالقول: إذا كنتم اختلفتم إنطلاقا من لبنان فاتفقوا بعد اتفاقه... أعتذر إن كان لبنان فرقكم واعتز كثيرا انه اليوم يجمعكم، بهذا يصان لبنان وبهذا وحده يصان العرب، وأمد لكم يا فخامة الرئيس باسم زملائي النواب يد المجلس النيابي في ورشة عمل لا تهدأ من أجل انجاز القوانين اللازمة لتسهيل تنفيذ مقررات باريس - 3، ومن أجل أن لا تبقى قوة عمل وانتاج شعبنا تتآكل في خدمة الدين العام، ومن أجل استكمال تحرير أرضنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ونزع الألغام الكامنة في أرضنا وفي نفوسنا.
عشتم يا فخامة الرئيس وعاش لبنان.
أيها السادة، أيها الزملاء، أقدم لكم رئيس الجمهورية اللبنانية فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان".