"فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان،
حضرات النواب المحترمين,
لآأستطيع أن أبدأ معكم في هذا الإجتماع الذي شرفتموني بدعوتي الى حضوره, إلا بحمد الله على توفيقه وهداه, أن ثبت إيمان قادة الشعب اللبناني العظيم على اختلاف أديانهم وطوائفهم, وبحيث أدركوا أنه لا ميثاق بينهم وبين شعبهم غير التوافق على أمنه ومصالحه, ولا بديل وبين بعضهم غير التراضي على ما يضمن لشعب لبنان هذا الأمن, وهذه المصالح كي يطمئن الكل مع عيشهم المشترك, وسلامهم الأهلي, ويطمئنوا بقية الأمة العربية الى أن واحدا من أعز أوطانهم مصون بأهله, عزيز بحريته, واثق من خطاه الى مستقبله, عارف دوره في التبادل الحر للمنافع والأفكار.
كما أود أن أعرب عن خالص تهنئتي لفخامة العماد ميشال سليمان, على إنتخابه اليوم رئيسا للجمهورية, في مرحلة هي الادق والأخطر في تاريخ لبنان الشقيق.
لقد إنتهت برعاية من الله. أزمة خطيرة, كادت تهدد كيان لبنان في ظروف لم تعد تحتمل إنفراط الأوطان, ومع أن لبنان شهد الكثير من الأزمات, فإن رجائي ان تكون هذه الازمة الاخيرة, منعطفا يباعد بين لبنان وبين مزالق الفتنة.
ونعرف أن هناك قاعدة في السياسة اللبنانية, تعتبر حلول الأزمات بمبدأ لا غالب ولا مغلوب, ولكن أسمح لنفسي هذه المرة أن اقول أن ما توصلنا إليه, ما توصلتم أنتم اليه في الدوحة قبل ايام, لابد أن يكون خروجا على هذه القاعدة الدعاية للتحفز, والتوتر والإحساس الدفين بأن الفتنة قائمة حتى وإن كانت نائمة. فصيغة أنه لا غالب ولا مغلوب, تبدو إنها تؤجل الخلافات ولا تنهيها, وتزيح المشاكل ولا تحلها وكان ممكنا في الوقت الذي ظهر فيه ذلك الشعار سنة 1958, أي قبل خمسين عاما.
ففي تلك الأيام كنا نستطيع أن نتحدث عن أطراف لا غالب فيها ولا مغلوب, لأن أحوال الأمة كانت على خلاف ما هي عليه الآن, والواقع بأمانة, أن مخاطر الأحوال الراهنة في العالم العربي, وحوله, لم تعد تسمح بوجود أطراف يتجدد بينها الخلاف, ما بين حين وآخر, فقد بلغنا حافة لم تعد فيها الأمور خلاف أطراف, وإنما مصير أوطان, وعند هذا الخطر "أمن الأوطان وليس خلاف الأطراف" أصبح لزاما علينا أن نحسم, ونقطع ونقدر, ونتصرف بجسارة على اساس ان هذه الأزمة الأخيرة إنتهت فعلا, بغالب ومغلوب .. الغالب هو لبنان والمغلوب هو الفتنة, وهذا ما ينبغي أن يكون واضحا للجميع, اليوم وغدا والى الأبد.
حضرات النواب المحترمين, إن دولة قطر وأهلها, أسعدهم أن تلتقوا فيها, واسعدهم أن تنجحوا على أرضها, واسعدهم أن يخرج لبنان منها غالبا, والفتنة مغلوبة.
وأريد أن اكون واضحا ومحددا فأقول: " إن لبنان, وأنتم من صنعوا ذلك النجاح في الدوحة, والدليل القاطع على هذا النجاح, هو إجتماعكم في هذا المكان الجليل, للبدء في تنفيذ خطة توافقتم وتراضيتم عليها في الدوحة, وهذا الإجتماع اليوم أول خطاها, وسوف تتواصل الخطا موفقة بإذن الله.
ان الدوحة لم تفعل أكثر من أنها فتحت ساحة لحوار حر لا تضغط عليه قوى، أو مطالب، ولا مثقلة بشكوك، أو ريب من خارج مصلحة لبنان وأمنه واعتقادنا ان فرصة هذا الحوار الحر والارادي جاءت بنتيجتها الطبيعية.
لقد جرت من قبل لقائكم في الدوحة محاولات لحل الأزمة، وشاركت قوى عربية أخوية كريمة، ومؤسسات اقليمية مشهود لها بالكفاءة والمقدرة، وبالفعل فإن هذه الدول وهذه المؤسسات، بذلت جهودا خيرة، وقطعت بالأزمة خطى بناءة حتى لم تتبق غير لمسة أخيرة، يقدر عليها الشعب اللبناني وحده، ممثلا في قيادته، وزعاماته السياسية الواعية، وكان شرفا للدوحة أن تلك اللمسة اللبنانية الأخيرة، جرت في حوار خلاق ومسؤول، أسعدنا، أن نضع تحت تصرفه كل إمكانياتنا، وبذلك تحقق النجاح للجميع.
ان النجاح الأكبر بالطبع لكم، ولشعب لبنان، لكني أريد أن أقول بإنصاف ان معنى النجاح أوسع من ذلك وأشمل، فذلك المعنى يقول لنا ان النظام العربي نجح لأنه استطاع أن يتجاوز ظروف الخطر، وان الدول العربية الكبيرة نجحت لأنها استطاعت أن تذلل العقبات، وان الأمة نجحت لأنها عند حافة الهاوية، أحاطت بالأزمة، وسحبتها من الخطر الى ساحة الحوار، ومن الفرقة الى مجال التوافق، حتى تستطيع الارادة الواعية أن تؤكد حق الحياة والتقدم، حق الحرية والازدهار.
إنني حضرت مع شعب لبنان ساعة الحرب قبل عامين، ورأيت شجاعة المقاومة، حينما كانت المقاومة ضرورية، واليوم بعد عامين، يتاح لي أن أعود الى لبنان، والى هذا المكان، وأن أرى شجاعة الحكمة عندما أصبحت الحكمة لازمة، وفي الحالتين، فإنني فخور، لأنكم أتحتم لي فرصة، وشرف أن أرى لبنان في الحالتين، وقد كان عظيما في مقاومته، في تلك الساعة قبل عامين، كما هو عظيم في حكمته في هذه الساعة وبصورة هذا الاجتماع ودلالته.
ان اجتماعكم في الدوحة، كان شرفا لدولة قطر، وأهلها، فلقد جعلتم من عاصمة بلدنا دارا للحوار، مفتوحة أمامه بلا شرط، مفتوحة أمامه بلا إلحاح، مفتوحة أمامه بلا مطالب، مفتوحة أمامه بلا ضغوط.
إن العالم العربي فيه ما يكفي من المؤسسات، والمنظمات الشرعية والمؤهلة، والقادرة على القرار السياسي، وفي مقدمتها الجامعة العربية، والمؤتمر الاسلامي، على ان الحوار يحتاج الى ساحة مفتوحة، لا تسعى وراء قرار، وإنما تأمل في تهيئة مناخ للحوار يسمح له عند أي خلاف بإدراك حقيقة أنه مع هذا التنوع الانساني الضخم في العالم العربي، فإن ما يجمع الأطراف أكبر بكثير مما يفرق بينهم.
ذلك يقيننا، وذلك هدفنا، وليحفظ الله لبنان، وليحفظ كل وطن عربي من أوطان هذه الأمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".