وقائع مفاوضات الوفد العربي قبل إلغاء "قراري التفجير"، جنبلاط: الجبل سيحمي ظهر المقاومة وبيروت ستبقى حاضنة لها
جريدة السفير اللبنانية 15/05/2008
كما كان متوقعاً... ولكن بعد مقدمة إنشائية تجاوزت الخمسمئة كلمة استغرقت تلاوتها أكثر من سبع دقائق... وبعد جلسة كان مقدرا لها أن لا تستمر أكثر من خمس دقائق، لكنها تجاوزت الخمس ساعات، قررت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ليل أمس، بالإجماع، التراجع عن القرارين المتعلقين بإقالة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير وإزالة شبكة الاتصالات الهاتفية للمقاومة، وذلك بعد أن دفع لبنان واللبنانيون من دمهم وأرزاقهم وممتلكاتهم وأعصابهم، ما دفعوه على مدى أسبوع أسود، وعلى «الهواء مباشرة»...
وهكذا قضي الأمر... بإخراج عربي، وبرسائل ومفاوضات ساخنة بين المعارضة والموالاة، حالت دون محاولة تأجيل التراجع عن القرارين الى اليوم، خاصة أن مداولات مجلس الأمن الدولي أظهرت وجود توجه عام لا يماشي المنطق الأميركي، بل يدفع نحو التعامل «البراغماتي» مع الوضع الناشئ في لبنان «وأن تكون الأولوية للأضمن، أي مساندة المبادرة العربية» كما قال أحد السفراء الأوروبيين في مجلس الأمن.
ولم تمض ساعة واحدة على إعلان الحكومة عن تراجعها عن قراريها، حتى كانت قيادات المعارضة تجري مشاورات سريعة، بالتنسيق مع بعض أعضاء الوفد العربي، حيث تمت صياغة بيان رسمي كان مقررا أن يذاع قرابة الثانية ليلا، لكن تقرر في وقت لاحق أن يؤجل إعلانه حتى صباح اليوم، على أن تبدأ فجراً أعمال فتح الطرق في العاصمة وعلى طريق المطار.
وأكدت مصادر قيادية رفيعة المستوى في المعارضة لـ»السفير» أن المعارضة قررت إعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل اتخاذ القرارين، ما يعني عمليا إنهاء العصيان المدني وأعمال قطع الطرق وإعادة فتح مطار بيروت الدولي.
وكان الملاحظ أن القرار الحكومي جاء في محصلة نهار طويل من المشاورات التي أجرتها اللجنة الوزارية العربية برئاسة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، وعضوية الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وشملت على التوالي الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط والعماد ميشال عون وقائد الجيش العماد ميشال سليمان والرئيس أمين الجميل وقائد «القوات» سمير جعجع والنائب سعد الحريري، على أن تجتمع بقيادة «حزب الله» اليوم.
وبينما كان العميد شقير يتولى شخصيا استقبال الوفد العربي على المدرج الرقم 17 في مطار بيروت، فإن شبكة الاتصالات الخاصة بـ»حزب الله» كانت تصدر عبرها الأوامر بفتح الطريق جزئيا أمام الوفد العربي الذي توجه مباشرة الى عين التينة، وسمع من الرئيس بري موقفا واضحا مفاده الآتي: «لتتراجع الحكومة عن قراريها فتعود الأمور الى ما كانت عليه وخير البر عاجله.. والوقت ثمين جدا».
وفيما كانت الأجواء توحي قبل وصول الوفد العربي بحلحلة في كل الاتجاهات وبأن جلسة الحكومة ستعقد قبل الظهر، برزت معطيات جديدة، مصدرها جهات دولية وإقليمية بارزة جدا، حاولت الدفع باتجاه تأجيل قرار الحكومة حتى يوم غد «ومبدئياً» مع التشديد على «أن لا حاجة للاستعجال.. والوقت معنا يا إخوان» كما أبلغ سمير جعجع الوفد العربي، فيما كان يدفع رئيس الحكومة وبعض فريق الموالاة باتجاه «السلة المتكاملة»، أي أن يصار الى إلغاء القرارين ولكن بالتزامن مع الاتفاق على الحوار وجدول أعماله وانتخاب رئيس الجمهورية أولا...
وبدا أن الجميع يدور ويدور وبأشكال مختلفة حول موضوع نزع سلاح «حزب الله» ولكن بصياغات مختلفة.. من قريطم الى معراب الى السرايا الكبيرة مرورا بالرئيس ألجميل.. ولكن المفاجأة ظهرت هذه المرة ليس من عين التينة بل من كليمنصو، حيث تبين أن رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لعب دورا محوريا حاسما في عدم القبول بتأجيل صدور قرار الحكومة تحت طائلة اللجوء الى خطوات عملية في مواجهة أية محاولة للتسويف، الأمر الذي حمل في طياته إشارة الى نيته الطلب من وزيري «اللقاء الديموقراطي» غازي العريضي ونعمة طعمة (من دون مروان حمادة) تقديم استقالتيهما من الحكومة!
ولم يكتف جنبلاط بذلك، بل أبلغ القطريين أنه جاهز للذهاب الى طاولة الحوار في بيروت أو الدوحة وعلى أساس جدول الأعمال الثلاثي الذي طرحه الرئيس بري ومن دون أية إضافات، ولم يربط موقفه بموقف فريق الموالاة، مشيرا الى أن موضوع سلاح «حزب الله» يناقش لاحقا وبهدوء بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة.
وفي وقت لاحق، بعث جنبلاط برسائل واضحة الى الرئيس بري بأن وزير الاعلام سيعلن المقررات الرسمية ولن يحصل التأجيل. وتزامن ذلك مع تبادل رسائل سياسية واضحة المضمون عبر قنوات متعددة بين الموالاة والمعارضة، وكانت الكلمة الأخيرة فيها لقيادة «حزب الله» حاسمة بشأن التراجع سريعا: «اليوم (أمس) يجب أن يصدر القرار الحكومي ونقطة على السطر».
وعندما سئل أحد قادة الحزب، ماذا تعني عبارة «نقطة على السطر»، أجاب سائله «خطوطنا ستكون مقفلة غدا (اليوم)».
وفيما كانت أجوبة جميع الفرقاء الذين التقاهم الوفد العربي أن قائد الجيش العماد ميشال سليمان ما زال يحمل صفة المرشح التوافقي، كان اللافت للانتباه أن سمير جعجع هو الوحيد الذي تحفظ على ذلك، قائلا أنا أتحفظ على السؤال حول ما اذا كان قائد الجيش ما زال مرشحا توافقيا. كما أن جعجع هو الوحيد الذي تحفظ على نقل الحوار الى الدوحة، وقال أنا أفضل اجتماعا لبنانيا لبنانيا وفي لبنان، وحمّل قائد الجيش مسؤولية أمن المطار «من الآن فصاعدا» بعد أن طلب من الحكومة التراجع عن قرار نقل العميد شقير!
وذكر مدير مكتب قناة «الجزيرة» في بيروت غسان بن جدو، ان النائب جنبلاط حمل رئيس الوزراء القطري رسالة للسيد حسن نصر الله أكد فيها أن الخلاف بيننا مؤقت «وأن الجبل سيحمي ظهر المقاومة وبيروت ستبقى حاضنة لها».
ومن المتوقع أن يطل الأمين السيد حسن نصر الله عبر رسالة متلفزة اليوم، يعلن فيها انتهاء التحرك الذي قامت به المعارضة، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من التحرك للجنة العربية، تحت عنوان إعادة تزخيم المبادرة العربية ببنودها الثلاثة: انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، تشكيل حكومة وحدة وطنية (تحديد النسب) وأخيرا التوافق حول القانون الانتخابي.
وقال الرئيس بري لـ»السفير» انه يرفض تعديل أو زيادة أو إنقاص حرف واحد من بنود الحوار الثلاثة، وأصر على أن يشارك جميع قادة الحوار الـ14 باستثناء السيد نصر الله بسبب الاعتبارات الأمنية التي تحيط بوضعه.