وليس أمرَّ عليه من هزيمته اليوم إلا الهزيمة المريرة التي مُني بها في صيف تموز 2006 عندما عجزت أداته الإسرائيلية عن القضاء على المقاومة. فقد أنفقت الإدارة الأمريكية ومعها أنظمة عربية معروفة على مدى ثلاث سنوات مئات الملايين من الأموال، وعملت أجهزة استخباراتها جميعاً وبالتآزر على تكوين بنية ميليشيوية تتولّى طعن المقاومة في ظهرها، وكانت القرارات التي دبّرها الرئيس الأمريكي في ظلمة السراي العمياء بمثابة كلمة السر لبدء عملية عسكرية واسعة تحاصر المقاومة وتقطعها عن أوصالها.
إن ثناء الرئيس الأمريكي على ما يسمّى رئيس الحكومة يرتد وبالاً عليه، لأنه يمعن في كشف حقيقته كأداة في المشروع الأمريكي، كما أنه يزيد في إيضاح حقيقة أن المعركة التي شنها الفريق الحكومي على المعارضة والمقاومة هي حرب أمريكية بالكامل.
أما تهديده باستخدام الأساطيل، فهو تهديد ديناصور انقرض، بعدما تمرّغ أنفه في الوحل من العراق إلى فلسطين ولبنان. وإذا كان يريد من التهديد أن يشد أزر أدواته المحلية، فإنه بذلك يزيد من جنايته عليها لأنه لن يزيدها إلا خساراً.
على أن حملته الوقحة على الجيش اللبناني وإن شاءها أن تكون ترهيباً، فإنها وسام يُعلّق على صدر الجيش الوطني الذي حرص على أن يكون في دائرة ما يجمع اللبنانيين، لا أن يكون هراوة تستخدم من فريق يغتصب السلطة.
إن الاستياء الذي أعرب عنه الرئيس الأمريكي يكشف أيضاً عن أن الإدارة الأمريكية لا تريد جيشاً يدافع عن وطنه في مواجهة العدو الإسرائيلي وعدوانه، بل أداة قمعية تنفذ بالدم القرار الأمريكي الإسرائيلي بضرب المقاومة، وهذا ما أبى الجيش اللبناني ويأبى أن يكون عليه. ولذلك، يشكّل الجيش اليوم الضامن لإعادة تكوين المؤسّسات الدستورية على أساس الشرعية الميثاقية والوطنية وأساس الشراكة، وهو الذي يتولّى حماية أمن المواطنين والوطن.
إن المعارضة التي كانت منذ البدء حريصة على تحقيق الشراكة هي اليوم بعد انكسار المشروع الأمريكي، أكثر تمسّكاً بالمشاركة. وأكثر استعداداً لإعادة من ضلّوا السبيل وحادوا عن الصراط، إلى إطار الدولة الجامعة.