آية الله فضل الله: مشكلة لبنان سياسية وليست مذهبية أو طائفية ولبنان معني بحماية كل أوراق القوة الداخلية أمام العدو
9/5/2008
ألقى آية السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنينفي حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: "نلتقي في هذه الأيام بحلقة جديدة في السلسلة الأمريكية لإدارة المحافظين الجدد، والتي بدأت تراهن على إشعال العالم العربي والإسلامي بنيران الفتن المتنقلة، بعدما عجزت عن تمرير مشروعها، بدءا من العراق وأفغانستان وصولا إلى الحرب الإسرائيلية على لبنان، والتي تتوالى فصولها السياسية والأمنية بعد توقف عملياتها العسكرية.
ففي فلسطين المحتلة، لا يزال الرهان الأمريكي ـ الإسرائيلي قائما على إحداث اختراق في الساحة الفلسطينية، من خلال السعي لإثارة الفتنة الداخلية، إلى جانب التحلل المتدرج من وعود الرئيس الأمريكي بالدولة الفلسطينية، وتحلل رئيس وزراء العدو من تبعة أية مفاوضات مع الفلسطينيين، بحجة أن عنوان القدس أو الاستيطان أو غيرها تؤدي إلى خروج المجموعة الدينية من حكومته، وبالتالي سقوط هذه الحكومة.. وهكذا يصار إلى رهن قضايانا لحساب وحدة اليهود في فلسطين، مع وعود أمريكية تأتي مع كل رئيس أمريكي وتذهب معه.
وفي ظل ذلك، تأتي وزيرة الخارجية الأمريكية إلى فلسطين المحتلة لتمهد لزيارة رئيسها الآتي للاحتفال بذكرى قيام الكيان الغاصب، والساعي لتحويله إلى دولة يهودية خالصة، مع إثارة لعناوين تتصل بالحواجز والعوائق في الضفة الغربية، ومنع لعناوين أخرى تتصل بالمستوطنات والجدار الفاصل من أن تطرح في ساحة التداول..
ويحدثونك ـ بعد ذلك ـ عن خارطة الطريق وعن حلول مزعومة في بضعة أشهر قادمة، في الوقت الذي تستمر فيه معاناة الفلسطينيين على المعابر، ومأساتهم في المجازر الإسرائيلية المتواصلة، وأزماتهم في ظل الحصار التجويعي للقطاع، في الوقت الذي يتدفق فيه الغاز العربي مباشرة إلى قلب كيان العدو، في معادلة عربية لا يعلم تأويلها حتى الراسخون علما في حركة الأنظمة المتداعية.
وليس بعيدا من ذلك، نلتقي بحركة الاحتلال الأمريكي العدوانية في العراق، في استهداف المدنيين وخصوصا في مدينة الصدر، من خلال استغلاله للوضع القائم، وصولا إلى أفغانستان والعدوان المباشر على الصومال، واستهداف الفئات الشعبية والطليعة الإسلامية المعارضة للسياسة الأمريكية تحت عنوان الحرب على الإرهاب، مع استمرار العمل لمصادرة الثروات الإسلامية والعربية الطبيعية، وإسقاط المواقع السياسية والأمنية في العالمين العربي والإسلامي؛ الأمر الذي لا بد لشعوبنا من أن تواجهه وتلاحق تحدياته، من خلال وحدتها الداخلية وصناعتها الدائمة للقوة إزاء القضايا المصيرية التي تثار في العالم والمنطقة على وجه الخصوص.
إن الخطة التي يتحدث عنها باسم المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن، تعمل من أجل إعلان الحرب على المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وعلى كل حركات المقاومة ودول الممانعة؛ لأن امتداد حركة العنفوان الذي تمثله سوف يضع المزيد من الإرباك للسائرين في فلك المشروع الأمريكي؛ ولذلك نشهد حركة متزايدة لبعض دول ما يسمى بـ "الاعتدال العربي"، بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، لتطويق وتطويع مواقع العزة في الأمة، أو السير قدما في مشاريع التفتيت السياسي والمذهبي والطائفي.
أما في لبنان، فقد كنا بغنى عن كل هذا الواقع الصعب الذي انطلقت إثارته من خلال ارتجالية في القرارات الحكومية الخارجة على أبسط مقومات الوفاق الداخلي والتوازن الطائفي، ولا سيما تجاه القضايا الحساسة المرتبطة بالمقاومة، في ظل استمرار التهديد الإسرائيلي للبنان بالعدوان، ولرموز المقاومة بالتصفية والاغتيال، مما يبرر للكثيرين تفسير هذا النوع من القرارات وكأنه يتجه بالبلد إلى مزيد من الانكشاف الأمني الذي يستفيد منه العدو لتصفية حساباته التي لم تنتهِ منذ حرب تموز، وخصوصا في الوقت الذي يعاني فيه هذا العدو من الارتباك السياسي الداخلي الذي قد يدفعه إلى الهروب إلى الأمام، والاستفادة من أي ثغرة أمنية تحدث بفعل التعقيدات الداخلية اللبنانية. وإننا نذكر الجميع أنه لم يصدر إلى الآن قرار بوقف إطلاق النار من مجلس الأمن، في الوقت الذي لا يزال العدو الصهيوني يعمل على صناعة مجتمع الحرب، ويصرح أنه بصدد القيام باعتداءات على لبنان ومقاومته حيث تسنح له الفرصة.
ولقد كنا ـ ولا نزال ـ نقول: إن لبنان معني بحماية كل أوراق القوة الداخلية أمام هذا العدو ذي الطبيعة العدوانية، وإن مسألة المقاومة لا يمكن أن يتم التعاطي معها على طريقة التعقيدات اللبنانية الداخلية، بل لا بد أن ترتكز إلى حالةٍ جدية من الهم الوطني والحوار الداخلي، في سبيل تطوير استراتيجية دفاعية تحمي لبنان وشعبه، حاضرا ومستقبلا، من أي عدوانٍ أو عبث..
إننا نؤكد أن المشكلة الحالية في لبنان هي مشكلة سياسية وليست مذهبية أو طائفية، وعلى الجميع ـ ولا سيما القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية ـ الحذر من الوقوع في فخ الخطاب الطائفي المثير للفتنة والمحرك للغرائز، في ظل غيابٍ للعقلانية والهدوء في دراسة مصلحة البلد؛ وأن يتم التنبه إلى حركة المشاريع الكبرى التي تعمل الإدارة الأمريكية من خلالها على تدمير الإسلام كله والعروبة كلها، والإطاحة بكل أوراق القوة في عالمنا العربي والإسلامي، دون تمييز بين حركة هنا أو هناك، أو بين مذهبٍ هنا أو هناك.
أيها المسؤولون: الله الله في السعي لإدارة الحوار الداخلي بما يحفظ للبلد توازنه ومستقبله وقوته.. الله الله في حماية السلم الأهلي.. الله الله في الوحدة الإسلامية والوطنية.. الله الله في حفظ المقاومة وحمايتها.. اللهم هل بلغت؟ اللهم اشهد.