وقال: أما الحوار اللبناني ـ اللبناني، فإنه لا يمثل حوارا حول الحل الوافي للأزمة بالبحث في القضايا التي كانت ولا تزال محل الخلاف السياسي الأمر الذي لن يؤدي إلى أية نتيجة حاسمة لأن بعض الجهات اللبنانية لا تزال تؤكد على اعتبار سلة المبادرة في مفرداتها الجدلية بمثابة الشروط المفروضة على الانتخاب الرئاسي غير المقبولة، ولذلك فإن الأزمة سوف تبقى في الدوامة وسوف تتحرك الأوضاع في الحلقة المفرغة، لأنه ليس
للبنانيين في الخط السياسي أي دور في حل أزمتهم الداخلية التي تحيط بها الإيحاءات الخارجية من كل الجهات وتمنعها من التصرف في اللقاءات بطريقة واقعية بعيدة من الفتاوى السياسية التي يفتي بها هذا الفريق أو ذاك، حتى إن بعض الشخصيات الدينية الرسمية تستهلك فتوى السياسيين بفعل الارتباطات العضوية بعيدا من الدراسة الموضوعية لما فيه مصلحة المستضعفين الذين يأملون بالفتوى التي تؤكد اللقاء في إطار الوحدة الوطنية والقانون العادل للانتخاب والعودة إلى المواطنية في تقدير الأمور بدلا من الطائفية في تعقيداتها السياسية والرئاسية والانتخابية.
واضاف: الملحوظ في هذا الارتباط العضوي بين الأزمة اللبنانية الداخلية وأزمة المنطقة هو أن الداخل أصبح في خدمة الخارج، وان الخارج يخطط لإبقاء لبنان ساحة لصراعاته على الرغم من رفض الكثير من السياسيين ذلك.
وتابع: أما الشعب اللبناني، فإن كل دوره في الحساسيات الطائفية والمذهبية أن يعيش تحت رحمة الطموحات والأطماع والتمنيات الشخصانية وإدارة الأموال من الداخل والخارج لتزوير الإرادة الشعبية في قضايا الوطن في مسألة المصير، ولا مشكلة في بقاء الجوع والخوف والحرمان والاهتزازات الطائفية لأن هذا هو قدر الشعب في قبوله بالنظام الطائفي وابتعاده عن المواطنة التي تجمع اللبنانيين على العناوين الحقيقية للحرية والسيادة والاستقلال، لأن الطائفية التي كانت ولا تزال تفتح أكثر من ثغرة أمنية وسياسية على مصالح الدول الأخرى سوف تبقى مشكلة لبنان الذي لا يربح فيه إلا كبار زعماء الطوائف، أما شعب الطوائف فلا يربح منها شيئا سوى المزيد من الغيبوبة في كهوف الانفعال والعصبية والعبودية للأشخاص.
وتناول السيد فضل الله المشهد العربي والاسلامي فاشار الى ان المحكمة الاميركية - الاسرائيلية تواصل أحكامها بعد فتوى الحاخام الأكبر التي اعتبرت العرب حشرات وأفاعي ينبغي القضاء عليهم، فتدور حمى الموت على الأطفال والنساء والشيوخ من غزة إلى الضفة الغربية، وصولا إلى مدينة الصدر في العراق والى الصومال حيث يبدو مشهد الجريمة واحدا، بيوت تدمر على رؤوس ساكنيها في غارات الطائرات الأميركية أو في الهجمات الصاروخية الإسرائيلية، فتقتل الأم وأطفالها بمن فيهم الطفل الرضيع، وتتوالى الغارات الوحشية والحصار التجويعي على مرأى ومسمع من العرب الذين لا يجرأون على الاستنكار بل يكتفون بتقديم عروض التهدئة للعدو ولا يكلفون أنفسهم تقديم وسائل الدفاع والمواجهة للشعب الفلسطيني المحاصر، لأن غزة المقاومة تحرجهم، وهم يتطلعون إلى لقاء بوش في احتفالية الكيان الستينية بعد أيام.
وقال: أما اليهود المغتصبون، فقد قالوا كلمتهم في استطلاعات الرأي الأخيرة فأعلنوا أنهم يرفضون إزالة المستوطنات والجدار العازل، أو الانسحاب من الجولان حيث لا تزال التعبئة السياسية الصهيونية تفعل فعلها وتتحرك في خط الحقد والعداوة والبغضاء للعرب والمسلمين، ومع ذلك، فإن وزيرة الخارجية الأميركية توحي للسلطة الفلسطينية بإمكان التسوية في شهور قليلة، بعدما عملت الإدارات الأميركية على تضييع فلسطين على مدى عقود.
واكد ان التاريخ العدواني للادارات الأميركية في تأكيد التحالف الإستراتيجي مع الكيان المغتصب لفلسطين يؤكد أن القانون الدولي ليس إلا مجرد هراوة يصفع فيها العرب والمسلمين بالقرارات الدولية المتعاقبة، فيما تجوب الطائرات الإسرائيلية سماء العالم العربي فتضرب مفاعل تموز في العراق، وتقصف مواقع أخرى في سوريا، وينبري الرئيس الأميركي ليبعث برسائل جديدة إلى إيران وغيرها متحدثا عن قصف إسرائيل لمنشأة سورية بأنها قصف لمفاعل نووي قيد الإنشاء في سياق كذبة جديدة من أكاذيب إدارته التي اجتاحت المنطقة تحت وابل من الأراجيف الفارغة، بينما يصمت الأمين العام للأمم المتحدة ولا يثير الحديث عن انتهاك سيادة دولة عضو في منظمته التي غدت صدى للسياسة الأميركية التي عملت على تأكيد حقيقة أمنية عدوانية صنعتها بيدها عندما أطلقت يد الكيان الصهيوني ليكون الشرطي العسكري والأمني في المنطقة.
وشدد على ان السياسة التي تمارسها الإدارة الأميركية في موقفها من الشعب الفلسطيني تمثل المشاركة الواقعية في العدوان الإسرائيلي اليومي والمجازر المتنقلة ضد الفلسطينيين فيما تتحدث بلغة الخداع وبالوعود النفاقية عن الدولة الفلسطينية التي عملت، ولا تزال تعمل، على ألا تكون قابلة للحياة.
وقال: ان أميركا هذه، التي تستبيح القانون الدولي في استجواب استخباراتها للمعتقلين، لا تزال تشجع ربيبتها إسرائيل على قتل المزيد من الفلسطينيين، تماما كما تفعل هي مع العراقيين، لأنها تنظر الى شعوبنا كما لو كانت فئران تجارب في مختبرات القتل الأميركية والإسرائيلية المتنقلة في المنطقة والعالم.
وأضاف: لقد رفض العالم الذي يسمونه متحضرا منطق الاحتلال واغتصاب أراضي الشعوب ونهب ثرواتها، ولكن أميركا، في إداراتها المتعاقبة، لا تزال تنظر الى أرضنا كجزء من مشروعها الإستراتيجي وكموقع من مواقعها التي تبيح لنفسها أن تفعل بها ما تشاء، فتحتل الأرض كما في أفغانستان والعراق، وتنهب الخيرات وتدمر الأمن والاقتصاد، وتترك لإسرائيل أن تواصل مجازرها الوحشية ضد الفلسطينيين في وحشية جنودها الذين ينتهكون القوانين الدولية ويقتلون الأم وأطفالها على مائدتهم من دون أن ينطلق صوت من هناك، من دول الإتحاد الأوروبي وغيرها التي يتحدث بعض مسؤوليها عن إسرائيل كمعجزة القرن العشرين، ويأتي منهم من يذهب إلى سديروت فيحمل بقية من شظايا صاروخ فلسطيني انطلق ردا على عشرات المجازر من دون أن يذهب إلى غزة فينظر إلى بقايا أشلاء الطفولة والأمومة الموزعة في كل شوارعها وأزقتها، إن هذا العالم عالم لا يحترم نفسه ولا القوانين التي أصدرها ولا الثورات التي انطلقت منه رافعة شعار الحرية، فكيف يراد لنا أن نحترمه.